إيلاف من بيروت: بوصول الرئيس جوزف عون، تكتمل خماسية الرؤساء الجنرالات في لبنان، من أصل 14 رئيساً تعاقبوا على سدة الرئاسة منذ استقلال لبنان عام 1943.
القاسم المشترك في عهود الجنرالات الأربعة الذين أصبحوا رؤساء أنهم أتوا نتيجة توافقات وعجز السياسيين عن الوصول إلى حلول للأزمات التي تضرب البلاد .
ومع الفراغ الجديد الذي خلفه انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، من دون انتخاب رئيس جديد، في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2022، بدأ اسم قائد الجيش الحالي العماد جوزف عون بالظهور مرشحاً جدياً للرئاسة، في حالة مشابهة للحالات السابقة التي أنتجت رؤساء جاءوا من قيادة الجيش الى قصر الرئاسة.
خصوصاً تحت ضغط الأزمات الحالية المركبة، من مالية واقتصادية وسياسية واجتماعية، حيث يشهد لبنان موجة من الانهيارات المتوازية على مختلف الصعد، وفقاً لتقرير "الشرق الأوسط".
فؤاد شهاب.. عهد مؤسسات واستخبارات
بدأت «حكاية» العسكر والرئاسة مع الجنرال فؤاد شهاب، الذي انتُخب في عام 1958 من دون تعديل للدستور؛ لأن الدستور اللبناني لم يكن يفرض استقالة الموظف في الفئة الأولى قبل سنتين من انتخابه.
عُرف عهد شهاب بأنه «عهد المؤسسات»، وعُرف عنه استنجاده الدائم بالدستور لاجتراح الحلول للأزمات، عبر كلمته الشهيرة: «ماذا يقول الكتاب؟». غير أن ما عاب عهده هو الطابع الأمني للحكم، حيث جرى تعزيز دور استخبارات الجيش التي كانت تُعرف آنذاك بـ«المكتب الثاني»، والتي انخرطت في الحياة السياسية بالكامل، كما تدخلت في الإدارات والجمعيات الأهلية.
إميل لحود... عزلة دولية وتراجع للقبضة السورية
مع نهاية ولاية الرئيس إلياس الهراوي، بات واضحاً أن قائد الجيش العماد إميل لحود هو المرشح المفضل للرئيس السوري حافظ الأسد الذي كان يتفرد آنذاك بتعيين من يشاء في المناصب العليا في البلاد. انتُخب لحود رئيساً للبلاد في عام 1998 بعد تعديل الدستور لهذه الغاية.
عاكست لحود ظروف الإقليم، فالنظام السوري لم يعد مطلق اليد في لبنان في أواخر ولايته، وذهاب الأسد مرة جديدة لدعم تعديل الدستور لتمديد ولاية لحود ثلاث سنوات إضافية، أثمر عزلة دولية للأخير، خصوصاً أنه حصل قبيل اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري والاهتزاز الكبير الذي شهده لبنان.
ميشال سليمان: ثلاثية ذهبية تحولت «خشبية»
أتى الرئيس ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية بوصفه حلاً وسطياً بين أفرقاء النزاع بعد نهاية ولاية لحود، وحصول فراغ رئاسي استمر نحو ستة أشهر. سليمان كان رئيساً توافقياً أنتجته التوافقات التي عُقدت في الدوحة في أعقاب عملية عسكرية نفَّذها «حزب الله» ضد خصومه السياسيين في بيروت والجبل في مايو (أيار) 2008.
سليمان واجه تغييراً دولياً، مع اندلاع انتفاضات «الربيع العربي» ووصولها إلى سوريا، وانخراط «حزب الله» المباشر فيها. «شهر العسل» بينه وبين الحزب لم يستمر طويلاً، والحديث عن ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» التي اعتمدت في البيانات الوزارية في عهده تحولت إلى خصومة شديدة مع سليمان وصلت إلى حد وصف أنصاره هذه الثلاثية بـ«الثلاثية الخشبية»؛ تهكماً على وصف الحزب لها بـ«الثلاثية الذهبية».
ميشال عون... عهد الأزمات
انتهت ولاية ميشال سليمان بدورها إلى فراغ رئاسي جديد. كان فريق «14 آذار» يمتلك الأكثرية البرلمانية اللازمة لانتخاب الرئيس (نحو 70 نائباً) لكنَّ الفريق المقابل عطّل جلسات البرلمان ومنع الاقتراع طوال سنتين وخمسة أشهر، رضخ بعدها هذا الفريق إلى تسوية تقضي بانتخاب عون رئيساً، على أن يكون النائب سعد الحريري رئيساً للحكومة. هذه التجربة فشلت بدورها، وأُصيب لبنان بانتكاسة في منتصف الولاية، مع تغير دولي وإقليمي جديد، ترافق هذه المرة مع انهيار مالي واقتصادي هو الأكبر في تاريخ لبنان. عون لم يستطع أن يحكم. و«حزب الله» الذي أقفل البرلمان لتأمين انتخاب حليفه «لم يساعده في النجاح، بل تركه أسيراً لسهام خصومه يفشلون عهده».
جوزيف عون.. الجنرال الخامس
اختار مجلس النواب اللبناني العماد جوزيف عون رئيساً للبلاد بعد فراغ رئاسي استمر لأكثر من عامين، والعماد جوزيف عون هو القائد الـ14 للجيش اللبناني ابن بلدة العيشية جنوب لبنان من مواليد عام 1964 ويبلغ غداً 10 كانون الثاني (يناير) 61 عاماً.
تدرج عون في الرتب العسكرية منذ عام 1983 ليشغل مناصب قيادية متعددة، منها قيادة اللواء التاسع. ويشغل منصب قائد الجيش منذ آذار (مارس) 2017، وهو حائز على عدة أوسمة أبرزها وسام فجر الجنوب ووسام مكافحة الإرهاب.
استطاع عون الحفاظ على المؤسسة العسكرية رغم الانهيار الاقتصادي في البلاد، وهي مهمة شاقة إلى حد بعيد، تطلبت قدرات خاصة.
ويحمل رئيس لبنان الجديد، إجازة في العلوم السياسية وإجازة في العلوم العسكرية، وكان من المقرر أن يحال للتقاعد في 10 كانون الثاني (يناير) 2025 لكن البرلمان جدد له عاما، وشارك عون في دورات تدريبية داخل لبنان وخارجه، ومنها دورات في الولايات المتحدة.
وفي العام 2013 ومع إثبات إمكانياته تمت ترقيته إلى رتبة عميد ركن، وذلك قبل أن يتم تعيينه قائدا للجيش اللبناني بعد نحو أربعة أعوام، وليحظى برتبة عماد.
وعن المؤهلات الأكاديمية، فإن عون لديه إجازة في العلوم السياسية، اختصاص شؤون دولية، بالإضافة إلى إجازة جامعية في العلوم العسكرية.
وبالنسبة لحياته الشخصية فهو متأهل من متزوج نعمت نعمة، ولهما ولدان: خليل ونور، ولديهما أيضا أحفاد، خليل مصرفي ومحترف كرة السلة ونور تعمل مع مؤسسات دولية.
وعن شريك حياتها، تقول نعمة عون في تصريحات لمجلة الجيش اللبناني، في نيسان (أبريل) من العام 2020، إن المؤسسة العسكرية كانت بمثابة "زوجة ثانية" له، وإنه كان يضحي بحياته الشخصية في سبيل الوطن، وإنها كانت تتحمل مسؤولية كبيرة في الحياة اليومية".
التعليقات