تبادل الأدباء والمثقفون العراقيون نكات عن بعضهم البعض، ولكن لمن يتذكر منهم أروي هذه الفضيحة أو النكتة، ففي شهر رمضان المبارك جرى أن تغلق البارات والحانات وتفتح مساءا ً، ولكن اثنان من المتمردين الأدباء السكارى قررا أن يجمعا من المارّة في رأس جسر الأحرار ببغداد مبلغا ً لشراء (بطلين) قنينتين من العرق الزحلاوي العراقي، وحال ما تجمع المبلغ هبا الأثنان وهما في شهر رمضان المبارك!!!، للبحث عن أقرب زاوية لبيع العرق سريا ً، وحصل أن لكل منهم قنينة (بطل )على أن يكون الشراب مشتركاً، فهب الأول منتفضا ً أنت تشرب نصف بطل وكأنك تشرب كأس ماء ـ، ، وقال الثاني أنا اشرب اكثر منك لأني أستاذك في الشعر و الأبوذية، وبين جدال ودال وجام وميم سقطت قنينة وفاض كحولها على جسر الأحرار، إنتفض الثاني قائلا ً: هذه قنينتك قد سقطت، قال الأول:ها قد سقطت قنينتك أنت.
الدين والأحزاب الدينية جديدة على العراق، الحسين وعلائقه الخضر والسادة المتوزعون أمواتا ًواحياء، هذا ليس جديدا، ربما قد تأصلوا في الضمير والوجدان، أمي في شبابها لاتلبس السواد، لكنها حينما تخرج في أزقة سوق الشيوخ المدينة الجنوبية العراقية تغطي نفسها بعباءة كنت اتعثر بها، وحين كبرت الأمّ أزالت تلك العباءة ولدي لها صورة وهي سافرة تضحك ملأ الشدقين، وأخوال امي العشائر (أل عفريت)، صغيرا ً كنت أسبح في بركهم على الفرات، نسوانهم أساسيات في ديمومة الحياة في الصيد والزرع والبيع والشراء، وشراء التبغ والكحول والديرم والشبّ والبخور، إشتغلوا بمد سكك الحديد أولهم كان الخال (رديني) وآخرهم الخال (مدلول).
كان العم هدوايّ الدلي ّ، رئيس البيطرة في سوق الشيوخ ، التي كانت تجاور مدرستي الأسماعيلية الأولى، كنت في الصف الخامس حين تعرفت على العم هداويّ من فوق سياج مدرسة الأسماعيلية المحرم على التلاميذ، كان هداويّ يشتمنا كلما نظرنا الى عمله الممتع والمثير بالنسبة لأطفال، فقد كان ُيثير ويهيج الثور الأسترالي الخاص بالبيطرة لكي يلقح بقرات الريفيين القادمين من أجل الإخصاب، وطالما شاهدت العم هداويّ الدلي ّ وهو غاضبا لأن (أير) ثوره الأسترالي لم يقم!، ويعكف لسانه، بسبب البقرات المسكينات.
الشعوب المقموعة في نظرية الدين والقومية يصعب عليها التفكير، مثل إمرأة مغتصبة، مثل طفل ضائع، أو مثل بيت يسكنه الإنتقام والثأر، في نفس الطريقة تقوم قيامة المجلس الإسلامي الأعلى، الذي خسر المحراب وشهيده، ومن عادة العراقيين الأوائل أن يلقبوا العراق بالمحراب، والشهيد الذي يقول بالعراق والإنسانية والعالم، وليس بالطائفية والتمزيق وإسناد شعائر ينهى عنها العلم وتتنافى مع العصر وتريد أن تحكم.
التعليقات