(المسيحيون ضد المسيح)
ثمة وهم فاضح يعيشه المسيحيون دون انقطاع وهو أنهم لا يعلمون أنهم بمسيحيتهم التي هم فيها إنما هم ضد المسيح الحقيقي، المسيح الذي ركب جحشاً صغيراً وقاد مظاهرة تحمل سعف النخيل من أريحا ليدخل أورشليم ويجلس ملكاً على عرش داؤود كما في سفر أشعيا وكما في البشارة أيضاً، ضد المسيح الذي خاطب بطرس حسب إنجيل متى (18:16) قائلاً.. quot; أنت الصخرة (الصفاة) وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي quot;. لم يبن ِبطرس قط أية كنائس للمسيحيين ؛ من بنى كنائس المسيحيين هو بولص كما يعلم الجميع، بولص هو نفسه شاؤول الضابط الروماني الذي اضطهد المسيحيين كما يعرف الجميع أيضاً وكما اعترف هو نفسه. مثل هذا الوهم الفاضح يخشى أن يبحث فيه كبار رجال الإكليروس والمحققون المسيحيون وذلك لأن أحداً لا يقطع بالطبع فرع الشجرة العالية الذي يقف عليه. يُزعم في سفر quot;أعمال الرسلquot; من الإنجيل أن شاؤول العسكري الدركي الذي اشتهر بملاحقة المسيحيين واعتقالهم قد تحوّل إلى المسيحية تبعاً لرؤيا مزعومة وهو في طريقه إلى دمشق يقود ثلة من فرسان الدرك لاعتقال المسيحيين فيها، وأنه أخذ إثر ذلك يبشر الأمم من غير اليهود بالمسيحية ـ الخاصة به ـ ويبني الكنائس على الساحل الشرقي للمتوسط. وسفر أعمال الرسل، كما يعرف المحققون، كتبه لوقا وهو الساعد الأيمن لبولص، كتبه كما شاء له بولص أن يُكتب. فمن هو حقيقة هذا البولص الذي بدأ حياته ذئباً يفتك بخراف يسوع ثم ما لبث أن ارتدى فروة خروف كي تقبل به الخراف المسيحية فيضللها إلى طريق أخرى تعاكس طريق المسيح ويبني لهم الكنائس على طريقته ووفقاً لتعاليمه وطقوسه غير المسيحية. فمن هو هذا البولص؟؟
لا يمكن أن نحيط بكل أبعاد شخصية بولص، المخفي منها بشكل خاص، والمخفي أعظم، دون أن ندرس دراسة موضوعية ودقيقة شخصية المسيح، يسوع الناصري، وأعماله ومعانيها في تلك الفترة من تاريخ فلسطين 20 ـ 30 ميلادية. لذلك نعود إلى تلك الفترة وما قبلها إلى العام 63 ق.م حين احتل القائد الروماني الشهير بومبي Pompey شرق المتوسط. إذّاك قامت روما بمنح شعوب المنطقة ممالك مستقلة ذاتياً باستثناء اليهود. تمتع الأنباط بمملكة مستقلة جنوب الأردن وشمال الجزيرة وعاصمتها البتراء، وتمتع الغساسنة بمملكة مستقلة شمال الأردن وجنوب سوريا عاصمتها بصرى الشام، وتمتع التدمريون بمملكة مستقلة في أواسط وشمال سوريا وعاصمتها تدمر. كانت روما تعوّل على هذه الممالك المستقلة ذاتياً في أن تحمي حدود إمبراطوريتها الشرقية الممتدة على طول هذه الممالك الثلاث والمحاذية للإمبراطورية الفارسية المعادية. أما اليهود وكانوا أكبر شعب في المنطقة فقد أنكرت عليهم روما الإستقلال دون غيرهم من شعوب شرق المتوسط وذلك بسبب العلاقة التاريخية التي كانت تربط اليهود بالفرس أعداء روما التاريخيين، أنكروا عليهم الإستقلال وأثقلوا عليهم بالضرائب.
قام اليهود بثورات وانتفاضات عديدة ضد روما مطالبين بالاستقلال وبتخفيض الضرائب، لكن روما لم تكن لترحمهم وتخفف من وطأة إحتلالها لبلادهم. استولى الإحباط واليأس على الطلائعيين منهم بعد عشرات السنين من التمرد والثورات المتواصلة فقامت فيهم حركة بقيادة يوحنا المعمدان في مطلع القرن الميلادي الأول باسم quot; اليائسين quot; ويقابلها بالعبري الآرامي (Essenes). نادت هذه الحركة بالانقطاع عن الإنتاج بكل أشكاله الرعوية والزراعية وبالهجرة من المدن والعيش في الصحراء (خربة قمران) والكف عن الإنتاج والاعتماد في الغذاء على الجراد والعسل البري، وفي اللباس على وبر الجمال وجلودها، كل ذلك من أجل عدم دفع الضرائب (الأعشار) لروما. وكان من طقوس هذه الجماعة عدم الزواج والتعمد بالماء وإطالة الشعر. خشيت روما من تنامي هذه الجماعة فقمعتها بشدة وأعدمت رئيسها يوحنا المعمدان. كان يسوع Jesus أحد أعضاء هذه الجماعة ويقول إنجيل متى (12:4).. quot; وعندما علم يسوع أن يوحنا قد زج به في السجن رحل إلى الجليل quot; ؛ ما كان يسوع ليرحل من أورشليم إلى الجليل لو لم يكن عضواً في طائفة اليائسين وأنه سيؤتى به إلى السجن لو لم يرحل إلى الجليل، إلى الجليل الذي كان يسمّى آنذاك بجبل النار بسبب تمرده الدائم على سلطة الإحتلال الروماني غير الوطيدة فيه. هرب يسوع من القدس إلى الجليل ونزل في بيت بطرس (سمعان) في كفرناحوم على الشاطئ الشمالي الغربي لبحيرة طبريا وأخذ يباشر نشاطه ضد الإحتلال الروماني من هناك بين صيادي الأسماك بداية.
استمراراً لحركة اليائسين ضد روما بقيادة يوحنا المعمدان شكل يسوع في الجليل جماعة تعمل على مقاومة الإحتلال الروماني مقاومة إيجابية عوضاً عن المقاومة السلبية التي كان قد اعتمدها يوحنا المعمدان، وتدعو إلى العصيان المدني والامتناع عن دفع الضرائب، وسميت تلك الجماعة بالناصريين (Nazarenes) ـ ليس نسبة لمدينة الناصرة كما يعتقد العامة والتي لم تكن قد ظهرت بعد إلى الوجود كما يؤكد علماء الآثار البريطانيون، بل لأن الجماعة انبثقت من جماعة اليائسين أو المتفرعة منها و( الناتسرـNitzer ) كلمة آرامية تحمل معنى quot; الانبثاق quot;. ثم تشكل داخل هذه الجماعة جناح عسكري باسم الزيلوت (Zelotes) وهم حملة السيوف وجماعة أخرى باسم السيكاري (Sicari) وهم حملة الخناجر وكانت وظيفة هؤلاء اغتيال عساكر الرومان بالطعن بالخنجر. كان يسوع قائد الناصريين، وكان بطرس قائد الزيلوت والآية رقم 15 من الإصحاح السادس من إنجيل لوقا تقطع بذلك وتقول.. quot; وسيمون (بطرس) المنادى بالزيلوت quot; وزيلوت ترجمت خطأً وجهلاً بالتاريخ العبري إلى العربية بمعنى الغيور ـ ينادى الشخص بنسبه وليس بصفاته ـ بينما أبقى المترجمون الإنكليز الكلمة على حالها وكتبوها بالحرف الكبير وبإملاء مختلف عن كلمة غيور الإنكليزية، كتبوها في الإنجيل Zelote بينما كلمة غيور بالإنكليزية هي zealot، ولعل الإنكليز اشتقوا من اسم طائفة الزيلوت اليهودية كلمتهم بمعنى الغيور، خاصة وأن لغتهم كانت حديثة العهد لدى ترجمة الكتاب المقدس لأول مرة. ليس بطرس، كبير التلاميذ، وحده كان من الزيلوت بل جميع التلاميذ الإثني عشر كانوا من الزيلوت فعندما تقدم جلاوذة المجلس الملّي اليهودي الموالي لروما السانهدرين (Senhedrin) لاعتقال يسوع سحب أحد تلاميذ يسوع سيفه وقطع أذن أحدهم قبل أن يزجره يسوع ويرضخ لمعتقليه. بعد صلب المسيح ـ والصلب برأي أحد المحققين كان عقاب السياسيين حصراً ـ اتسعت حركة الزيلوت وقاموا بثورة كبرى كاسحة في العام 66 للميلاد واحتلوا قصر الملك هيرودس ولم تستطع روما إخمادها طيلة سبع سنوات إلا بعد أن استجلبت أكثر من ثلاثين ألفاً من جنودها في بريطانيا عن طريق البحر وحاصرت أخيراً حوالي 70 مقاتلاً في قلعة مسادا (Massada) قرب البحر الميت وانتهى الحصار بانتحار جميع من كانوا داخل القلعة وفق ما تعاهدوا عليه باستثناء أحدهم الذي خان العهد، ويقول أحد المحققين أن اسم ذلك الخائن كان يهوذا وأن معظم المنتحرين حملوا إسم يسوع Jesus، وهو الإسم الشائع بين اليهود آنذاك. وانتهت آخر ثورات اليهود في فلسطين ضد روما بهدم الهيكل الثاني عام 73 للميلاد، الهيكل الذي كان كسرى الفرس كورش قد بناه لهم عندما حرر أسراهم في بابل عام 537 ق.م.
بالرغم من أن الأناجيل كانت قد كُتبت بروح المصالحة مع روما إلا أن السياق العام فيها لم يخف ِفحوى رسالة يسوع وهو الثورة حتى الإستقلال وعدم دفع الضرائب ؛ وفي متى (17: 24 ـ 27) يستنكر يسوع دفع ضريبة النفوس للسلطة الأجنبية. وكثيراً ما يذكّر يسوع من يستمع إليه بأن العشارين أو جباة الضرائب هم أول الخطاة. رسالة المسيح هي أصلاً رسالة دنيوية تركّزت في الحرية والاستقلال وبعث مملكة داؤود ؛ وقد تأكد هذا المنحى بظهور المسيح لتلاميذه في علية سمعان في كفرناحوم بعد قيامته بأربعين يوما كما يشير الإصحاح الأول من أعمال الرسل وقد سأله التلاميذ سؤالاً واحداً وهو.. quot; متى تبعث مملكة داؤود؟ ما كانت رسالة يسوع في الحرية والاستقلال لترتفع إلا على رافعة دينية ـ كذلك كان الأمر في العصور الغابرة بالنسبة لكل المشاريع الإجتماعية والسياسية. السياق العام في الأناجيل دفع بأحد القساوسة التبشيريين من ألمانيا ليكتب ما يلي.. quot; وكان جمع العشور (أو جباية الضرائب) وظيفة محتقرة عند اليهود، لأن الذي يقوم بها لص وخائن لوطنه، لأنه يتقاضى ضرائب أكثر مما يحق له، كما أنه كان يأخذ أموال أبناء شعبه ليؤديها للسادة المستعمرين الرومان ؛ فكان العشار (في نظرهم) يرتكب خيانتين: خيانة أخلاقية وخيانة وطنية quot;.
بعد صلب المسيح تسلل الضابط الروماني الذي يحمل شرف الجنسية الرومانية، وهو امتياز لا يحظى به من غير أهل روما سوى القلائل من الذين قدموا خدمات خاصة لروما، تسلل بولص إلى الرافعة التي عوّل عليها المسيح في رفع رسالته، رسالة الحرية والإستقلال، وأسقط حملها إلى الأرض ورفعها إلى quot; ملكوت الله quot; دون أية أحمال غير الخنوع لروما، ومال قيصر لقيصر، ومن ضربك على خدك الأيسر حوّل له الأيمن. فمن هو هذا البولص؟؟
الحقيقة أن شخصية بولص لعبت دوراً كبيراً وهاماً في الرسالات السماوية الثلاث وفي تاريخ المنطقة كذلك. لذلك يترتب تسليط أضواء كاشفة على تفاصيل وخصائص تلك الشخصية الاستثنائية من أجل الإحاطة بالأثر الذي تركته. كل المعلومات تقول أن شاؤول ولد مع بداية القرن الأول الميلادي في طرسوس من تركيا لأب يهودي من طائفة الفرّيسين يحمل الجنسية الرومانية ويعمل عسكرياً في جيش روما. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف ليهودي يحمل الجنسية الرومانية التي هي امتياز بحد ذاتها؟! ابنه شاؤول حمل أيضاً الجنسية الرومانية، بل كان يحمل في جيبه ثلاث بطاقات هوية إحداها كمواطن روماني والثانية كمواطن يهودي والثالثة عامة. فأن يحمل أحدهم جنسية روما فذلك يعني أنه كان قد قدّم خدمة جلّى لروما إن لم يكن قد ورثها عن والده، وأما أن يحمل ثلاث بطاقات هوية فأمر يشير إلى أن شاؤول كان يقوم بمهمة سرية خاصة واستثنائية. عمل شاؤول كعسكري جابي ضرائب ثم انتدب من قبل السلطات الرومانية ليكون في خدمة المجلس الملي اليهودي السانهدرين.
لدينا كل الدلائل التي تشير إلى أن بولص (شاؤول) بدأ وانتهى عدواً مميتاً للنصارى، اليهود المسيحيين أعداء روما، ورسالة يسوع النصرانية. جميع المصادر المتاحة تشير إلى أن بولص كان ضابطاً رومانياً منتدباً من قبل السلطات الرومانية لدى الحاخام الأكبر ومجلس السانهدرين اليهودي في القدس المكلف بمراعاة أحكام الديانة اليهودية والحفاظ عليها وهو الامتياز الذي ناله اليهود الموالون لروما لقاء حرمانهم من الإستقلال الذاتي استثناءً لكل شعوب المنطقة. حرمت عليهم روما الإستقلال وفرضت عليهم ضرائب باهظة تسببت بإفقارهم. اقتصر عمل بولص، بالإضافة إلى ملاحقة اليهود في جباية الضرائب المستحقة، على تنظيم الحملات العسكرية لاعتقال الناصريين اليهود، أنصار يسوع، لسوقهم أمام مجلس السانهدرين برئاسة الحاخام الأكبر في أورشليم للحكم عليهم بالإعدام كما تم إعدام يسوع ومن قبله يوحنا المعمدان أو بالسجن لآماد طويلة بتهمة الانحراف عن اليهودية. في طريق حملته إلى دمشق لاعتقال النصارى بعد أن تفشت النصرانية بين اليهود فيها، ادّعى بولص أن المسيح ظهر له ووبخه متسائلاً.. quot; لماذا تضطهدني يا شاؤول؟ quot; واعتماداً على هذه الرؤيا اعتبر بولص نفسه رسولاً للمسيح. الدلائل القاطعة تؤكد أن ادعاءه هذا هو ادعاء زائف وكذب صراح. لعل جمهرة المسيحيين اليوم يستنكرون اتهامنا بولص بالكذب وهم ليسوا محقّين بهذا، فبولص نفسه اعتاد أن ينفي تهمة الكذب عن نفسه كما هو متكرر في رسائله، وهو لا يفعل ذلك إلا لأنه يعرف أن من يخاطبهم في رسائله لربما ينظرون إليه ككذاب في بعض ما يقول ؛ ومسيحيو اليوم ليسوا أكثر معرفة ببولص من أولئك الذين عاصروه وعرفوه عن كثب ؛ ثم ليس بحاجة لأن ينفي عن نفسه تهمة الكذب من لا يكذب على الإطلاق. ومن أقواله التي تدمغه بالكذب قوله إلى كاتبه لوقا في أعمال الرسل عن واقعة الرؤيا (9:7) quot; وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً quot; ثم يقول في الإصحاح (22: 9) quot; والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني quot; ـ أحد الإدعاءين يكذّب الآخر فليس بوسع أحد أن ينفي تهمة الكذب عن بولص. ثم إن الرسول بطرس نفسه وصف بولص بالكذاب عندما اتهمه بالنفاق في مؤاكلته غير اليهود في عشاء أنطاكية الشهير. وفي كذبة أخرى يقص بولص على معاونه لوقا في الإصحاح التاسع من أعمال الرسل كيف أنه باشر في دمشق التبشير بالمسيح لبضعة أيام بعد الرؤيا المزعومه لكن اليهود تآمروا على قتله فهرب سراً إلى القدس ليلاقي الرسل، تلاميذ المسيح الذين رفضوا مقابلته نظراً للاشتباه به كجاسوس لروما وهو الذي كان قد اعتقل النصارى وقدمهم للمحاكمة في السانهدرين وتم إعدامهم ـ وبعض المصادر تقول أن الرسول يعقوب أخو الرب رفض مقابلته وهدد بأنه سيبصق في وجهه حال أن يراه. ولكن رفيق بولص القديس برناباBarnabas شهد لبولص أنه رأى يسوع الذي كلفه بالرسالة ـ شهد برنابا دون أن يشاهد، طالما أنه لم يكن معه في الحملة المتجهة إلى دمشق لاعتقال نصارى اليهود. وهكذا بقي في القدس مع بطرس ويعقوب، كما زعم، وبشّر باسم المسيح خمسة عشر يوماً حتى علم بمؤامرة اليهود بقتله ـ يتآمرون على قتل بولص لأنه يبشر بالمسيحية بينما يعيش بين ظهرانيهم رسل المسيحية الأوائل المتقدمون عليه، بطرس وحنا ويعقوب، دون أن يتآمروا على قتلهم!! ثم في الإصحاح(1:15 ـ 18( يقص قصة مختلفة فيقول.. quot; ولكن لما سرّ اللهَ الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يُعلن ابنه فيّ لأبشر به بين الأمم للوقت لم استشر لحماً ودماً ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي بل انطلقت إلى العربية ثم رجعت أيضاً إلى دمشق ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم quot;. رواية تكذب الأخرى والكذاب هو بولص ليس غيره. كيف لنا أن نصدق أن المسيح نزل من السماء وظهر لبولص في طريقه إلى دمشق، كما روى هو نفسه، وكلفه بأن يبشر برسالته بين الأمم إلى آخر القصة المعروفة ثم في الحال يتجاهل بولص هذا التكليف ويرحل إلى العربية دون أن يبشر أحداً لبضع سنوات؟!! أيعقل لأحدهم أن يتجاهل تكليفاً إلهياً ثم بعد سنوات يعلن نفسه رسولاً للمسيح؟!! لماذا حتى على البسطاء أن يصدقوا مثل هذه المزاعم في الوقت الذي يرفض بولص نفسه أن يفصح عمّا كان يعمل في العربية وكم قضى فيها؟!! بعض المحققين يقولون أن بولص قضى في العربية سبع سنوات وآخرون يقولون عشرة. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق ويثير كل الشبهات هو.. ما الذي كان يعمله ضابط روماني في العربية وفي البتراء التي كانت في حرب مستمرة وطاحنة مع روما؟ ألم يكن يتجسس على الأنباط لصالح روما؟! وأنه ترك فجأة قيادة الحملة العسكرية المتجهة إلى دمشق بتكليف من روما وليس من المسيح؟ خاصة وأنه عندما عاد إلى دمشق لم تلاحقه السلطات الرومانية بجرم الهروب من الخدمة العسكرية ؛ كما أن المجلس المسيحي في أورشليم رأى في مسيحية بولص النقيض التام لمسيحية المسيح!! فلدى مثوله أمام المجلس المسيحي في القدس سأله بطرس عن الدين الجديد الذي يبشر به باسم المسيح ؛ ومن أعطاه شرائع هذا الدين وتعاليمه، وأكد لبولص أن المسحية جاءت لليهود دون غيرهم، جاء لخاصته، اليهود، فعندما طلبت المرأة الكنعانية من المسيح أن يهديها أجابها.. quot; ليس لائقاً أن يلقى خبز الأبناء إلى الكلاب quot; متى (26:15)، فكيف لبولص أن يبشر الأمم (Gentiles) غير اليهود باسم المسيح ويدعو إلى عدم اختتانهم مناقضاً شريعة موسى خاصة وأن المسيح قال.. quot; جئت لأكمّل وما جئت لأنقض quot;. عندما وجد بولص أن جميع المخارج قد سدّت عليه إضطر لأن يصرّح بالقول: لكم دينكم ولي ديني، إعترافاً منه أن مسيحيته ليست هي مسيحية المسيح، بل مناقضة لها طالما أفرغها من القضية الوطنية والعداء لروما، ودعا أكثر من ذلك إلى التخلي نهائياً عن شريعة موسى في مناسبات عديدة.
عندما علم مجلس السانهدرين بأن بولص اليهودي الفرّيسي يبشر بالمسيحية في دمشق بعد مرور أكثر من عشرة أعوام على صلب يسوع، أرسل بطلب اعتقاله وجلبه إلى أورشليم لمحاكمته. لدى مثول بولص في السانهدرين فوجئ القضاة بأنهم لا يستطيعون محاكمته بسبب جنسيته الرومانية فأرسلوه إلى السجن للنظر في قضيته اليوم التالي. قائد الحامية في أورشليم علم (من ابن أخت بولص) أن اليهود يرتبون لاغتياله في اليوم التالي (أعمال الرسل 16:23) وحفاظاً على حياة بولص أمر أن ينقل راكباً إلى قيساريه بحراسة مائتي جندي وسبعين من الخيالة ومائتين من حملة الرماح (23:23) بقيادة ضابطين كبيرين وكتب إلى الحاكم العام فيلكس (Felix) في قيساريه يشرح القضية ويطلب محاكمة بولص بصفته مواطناً رومانياً. مثل هذه القصة الواردة في سفر أعمال الرسل تثير الإشتباه في شخصية بولص، إذ كونه مواطناً رومانياً لا تجوز محاكمته لمخالفته شرائع اليهودية وأمام المجلس الملّي اليهودي السانهدرين، حتى ولا من قبل الحاكم العام الروماني. وما هي تهمته التي تجعل قائد الحامية الروماني في القدس يرسله إلى الحاكم العام للمحاكمة؟ وبتجاوز كل هذه المفارقات لا بدّ للمرء أن يتساءل عن دواعي كل هذه الحراسة الاستثنائية التي قلَّ أن يحظى بها ملك (472 جندي وضابط) لحراسة مواطن روماني ليس متهماً بأي جريمة!!
ما يجعلنا نتجاوز حالة الاشتباه بشخص بولص إلى حالة اليقين في أن بولص لم يكن الرسول المسيحي كما ادّعى زوراً وكما يؤمن المسيحيون حتى اليوم، هو أن بولص رفض رفضاً قاطعاً أن يحاكمه الحاكم العام أو الملك في قيساريه واحتمى بالقيصر نيرون بعد أن أثبت للملك في قيسارية أن الذي يملك الصلاحية لمحاكمته هو القيصر فقط!! لماذا؟ ألا يدل ذلك بصورة قاطعة على أن الأعمال التي قام بها بولص إنما كانت بأمر من القيصر؟ وإلا، كيف يوافق الملك على أن يرسل بولص في باخرة خاصة إلى القيصر في روما لمحاكمته؟! بولص كان يعلم تماماً أن القيصر في روما هو نيرون كاره المسيحية الأول في العالم، فلماذا يصر على ألا يحاكمه أحد آخر على تبشيره بالمسيحية غير نيرون كاره المسيحية والذي كانت أولى متعه رؤية الأسود تقطع أجساد المسيحيين في الكولسيوم؟! ألا يعلم كبار رجال الإكليروس المسيحيون أن القيصر نيرون هو من حاكم بولص quot; المسيحي quot; وحكم ببراءته؟ ألا تعني تبرئة نيرون لبولص هي تبرئته من المسيحية؟! خاصة وأن بولص استمر في روما يبشر ب quot; المسيحية quot; في ظل القيصر نيرون نفسه. ثمة ما يشير إلى علاقة خاصة لبولص مع القيصر ومع عائلة الملك هيرودس ففي رسالته إلى أهل رومية (11:16) يقول.. quot; سلموا على هيروديون وهو قريبي، وسلموا على من في أهل نرسيسوس quot;، ومن في أهل نرسيسوس هي المرأة الجميلة quot; بوبيّا quot; عشيقة نيرون وزوجته الثانية. على المسيحيين أن يعيدوا النظر في مسألة ولائهم إلى الضابط الروماني شاؤول، إلى من وصف نفسه زوراً ب quot; الرسول بولص quot;!!
التعليقات