اعتادت شعوب الشرق بشكل عام و دول الشرق الأوسط بشكل خاص على انجازات الزعيم الفائقة لكل التصورات، و تحويله الهزائم إلى انتصارات، و حمله بيده اليمنى للعصا السحرية التي يكمن فيها إمكانية العقد و الحل.
الزعيم في الشرق هو كائن مألّه لا ماضٍ له، يظهر فجأة في موقع الزعامة من دون سابق إنذارٍ عن طريق مهزلة يختلقها و يسميها فيما بعد بالانتخابات التي تزدهر فيما بعد فتسمى بالبيعة و التي يصنعها وفقاً لمقاييسه الخاصة.
وبعد أن يستولي على السلطة، ويؤدي القسم الرئاسي و من ثم يعمل على إلقاء خطبته الأولى في بداية عهده الرئاسي اللامتناهي، والتي تكون في أغلبها وعود مستقبلية سيعمل هو بنفسه على تحقيقها من خلال تحريكه لعصاه السحرية التي يلوح بها أثناء خطابه الرئاسي. ولكن الأمر الملفت للنظر في خطب أغلبية روؤساء دول الشرق هو عدم تطرقهم لماضيهم، وكأنه لا ماضي لهم، وكأنهم جميعاً ظهروا فجأة ليكونوا روؤساء بأمر ألهي (كن فيكون).
وعلى مايبدو بأن الفاصل بيننا و بين الولايات المتحدة الأمريكية هو ليس فقط الحدود الجغرافية، و التاريخ، و اللغة، و الثقافة. بل إن الخطاب الرئاسي الذي يلي قسم الرئيس هو من أهم معالم الفصل بين الولايات المتحدة و دول الشرق بشكل عام.
الرئيس الأمريكي الجديد (باراك حسين أوباما) الذي أدى القسم الدستوري في (20) كانون الثاني من عامنا الجديد، و من ثم تلى خطابه الرئاسي و الذي افتتح به بداية عهد رئاسي جديد و مرحلة تاريخية متميزة ليس على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل على صعيد العالم أجمع، وليس لأنه سيكون أول رئيس أسود من اصول افريقية مسلمة يدخل البيت الأبيض ليحكم أمريكا من خلال منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بل لأنه أثار انتباه شعوب بقية دول العالم قبل أن يثير انتباه الشعب الأمريكي إلى نقطة في غاية الأهمية، ألا وهي ماضي الرئيس الجديد، حيث قال (باراك أوباما) في خطابه الذي تلا القسم الدستوري: (هذا هو معنى الحرية في أمريكا، لماذا الرجال و النساء و الأطفال من كافة الأعراق و الأديان يمكنهم المشاركة بالاحتفال في أرجاء هذا المكان الشاسع، و لماذا ابن رجل ربما رفضت خدمته في مطعم محلي قبل (60) عاماً، يقف الآن أمامكم ليؤدي أقدس الأقسام...).
تطرق رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (باراك أوباما) إلى ماضي والده و من دون أي خجل أو نفاق، بل ذكر وبكل شجاعة بأن والده الكيني الأصل لربما رفضت خدمته في مطعم محلي بأمريكا قبل (60) عاماً.
(باراك أوباما) الذي دفع ضريبة والده (حسين) بالحرمان من الاستقرار العائلي و عطف الأب، عندما طلق والده (حسين) الكيني الأصل والدته الأمريكية و كان عمره آنذاك لايتجاوز السنتين، مايزال يرى نفسه ابن ذلك الرجل ويذكره في خطابٍ سيحفظه له التاريخ، بعد أن أصبح أول رئيس أسود للولايات المتحدة.
ولا عجب بأن (نيلسون مانديلا) بطل الكفاح ضد الفصل العنصري و رئيس جنوب أفريقيا السابق والذي قاد كفاح جنوب افريقيا ضد حكم البيض الجائر آنذاك و قضى قرابة ثلاثة عقود في المعتقلات ليصبح فيما بعد رمزاً للحرية، يشيد بالرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية (باراك أوباما) ليقول له مهنئاً: (أنتم أيها السيد الرئيس جلبتم صوتاً جديداً للأمل في إمكانية معالجة المشاكل و القضايا العالقة، وإنه يمكننا في الواقع تغيير العالم و جعله مكاناً أفضل...).
كما و يصف (مانديلا) في تهنئته لأوباما قائلاً: (ستظل دوماً في وجداننا شاباً تجرأ على الحلم و على أن يحقق ذلك الحلم).

*طالب في جامعة السليمانية ndash; إقليم كُردستان العراق.