لا شك أن لمنظومة العلاقات العراقية / الكويتية المتوترة في أغلب الأحوال و الأزمان تحولات و منعطفات تاريخية حادة عبرت عن نفسها في سلسلة من ألإجراءات الإدارية و التنظيمية التي شملت بطبيعة الحال التعامل مع شؤون المواطنين في كلا البلدين الجارين ، و منذ إستقلال دولة الكويت عام 1961 و حتى قبل ذلك التاريخ بكثير أي في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي إتسمت العلاقات العراقية / الكويتية بالتوتر المفرط نظرا لموقف الحكومات العراقية المتعاقبة من الملف الكويتي وهو توتر إنعكست تفاعلاته في مسيرة العلاقات المتعثرة ، ولم ندخل بعيدا أو نتوغل في إشكاليات تلك العلاقة الخطرة و لكننا سنبدأ من حيث إنتهت أعقد صفحات تلك العلاقات من خلال عملية الغزو و الإجتياح البربري في الثاني من آب / أغسطس عام 1990 و التي قام فيها نظام صدام البائد بخرق كل المفاهيم و القيم الأخلاقية و الأعراف الدولية و الإنسانية فضلا عن الإنتهاك الفظيع لأبسط مباديء العمل القومي السليم وأجتاح وضم دولة الكويت معلنا ما أسماه وقتها بعودة الفرع للأصل!! رغم أنه لا يوجد تاريخيا أية جذور للفروع و الأصول فوجود الكويت ككيان مستقل في المنطقة سبق قيام العراق المستقل و نشوء النظام الملكي في عام 1921! ، أما الحديث عن الأقاليم السابقة وتبعياتها التاريخية فتلك مسألة تاريخية مندرسة و تدخل ضمن المتغيرات الدولية المستمرة و لو تتبعنا موضوع الفروع والأصول لطالب الإيرانيون اليوم بكل العراق بإعتبار إن المدائن ( سلمان باك ) كانت عاصمة للدولة الساسانية!!، و تلك ملفات لن تنتهي!!، المهم إن أحداث الغزو و تداعياته والمصائب الناجمة عنه قد أدت لنشوء شرخ نفسي عميق بين الشعبين لم تزل بعض إشكالياته وتجلياته قائمة حتى اليوم وذلك من طبائع الأمور ومقتضيات الأحوال ، ثم أن الزلزال العنيف الذي تسبب به النظام السابق البائد بسياساته العدوانية قد فرض على الجانب الكويتي تحديدا اللجوء لسلسلة من القرارات و القوانين المعادية للعراقيين و التي لها ما يبررها بكل تأكيد و منها القانون الذي أصدرته وزارة الخارجية الكويتية و منعت بموجبه عمل المواطنين من ذوي الأصول و الجنسية العراقية من العمل في السفارات و القنصليات الكويتية في الخارج مهما كانت درجة كفاءاتهم و تلك مسألة كما أسلفنا مفهومة و مبررة في ظل أجواء الحرب و العداء بين البلدين رغم أن الشعب العراقي بمجمله العام بريء من سياسات النظام الذي لم يأخذ رأيه أبدا في سلسلة الحروب التي قام نظام صدام بشنها إبتداءا من عام 1980 و حتى رحيله النهائي عن مسرح التاريخ ربيع 2003 ، و لكن بعد سقوط النظام و تبدل المعادلات الإقليمية و الدولية و قيام وضع عراقي جديد و مختلف بالمرة عن الأوضاع التاريخية السابقة فضلا عن الدور اللوجستي الكويتي الستراتيجي في دعم عملية التغيير في العراق تبقى مسألة مراجعة و تمحيص تلك القوانين السابقة بمثابة تحصيل حاصل و مسألة حتمية لكون مسلسل العلاقات بين البلدين قد عاد لطبيعته و بشكل أقوى بكثير من الماضي رغم بعض المنغصات الصغيرة التي لا تزال تعكر صفو العلاقات و لكنها مسائل صغيرة كما أسلفنا لا تشكل شيئا أمام التيار العام وهو تيار تغييري مختلف بكل تفاصيله عن صيغ الماضي ، و يبدو أن قانون طرد العراقيين لم يزل متصدرا المشهد في قوانين وزارة الخارجية الكويتية فمثلا هنالك شكوى من موظفة عراقية الأصل ولادة جمهورية أوزبكستان في آسيا الوسطى وهي من جمهوريات المرحوم الإتحاد السوفياتي السابق و تحمل جنسيتها أيضا تقدمت للعمل في سفارة دولة الكويت في ( طشقند ) و تفوقت في مسابقة التعيين و تم تعيينها في السفارة و كانت ذات كفاءة واضحة إلا أن الإجراءات الإدارية و التنظيمية سرعان ما تذكرت قانون طرد العراقيين السابق منذ أيام الغزو ليتم طرد تلك الموظفة بعد عام كامل من العمل دون سبب وظيفي سوى قضية الأصل العراقي و تطبيق ذلك القانون المندثر!! ، و هي مسالة غير منطقية بالمرة و لا تتجاوب أساسا مع المتغيرات الكبيرة التي حدثت في مسيرة العلاقات بين البلدين رغم أن القيادة الكويتية و على أعلى المستويات بدءا من سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ذات توجهات قومية واضحة و لا تحمل في طياتها و خباياها سوى حب الشعب العراقي الشقيق و الذي كان كشقيقه الشعب الكويتي أحد ضحايا نظام صدام المتغطرس و العدواني ، لقد تغيرت في العالم أشياء كثيرة و حدثت إنقلابات كبرى في القيم و المفاهيم و الرؤى و الستراتيجيات إلا أن قوانين الفعل و رد الفعل لم تزل للأسف تحظى بقدسية و مهابة رغم أنها لا بد من أن يشملها التغيير فرفع الظلم هو واحد من أهم مستلزمات العدالة و تقويم الأمور.. إنها رسالة عراقية بسيطة لوزارة الخارجية الكويتية التي يقودها معالي الشيخ الدكتور محمد صباح السالم المعروف بشجاعته و جرأته و إنفتاحه و توجهاته القومية الصميمة و المخلصة.... فهل ستصل الرسالة ؟

داود البصري
[email protected]