تعاملت بعض الأوساط الإعلامية، وبسبب من جهل مطبق بطبيعة الفضاء وآليات النشر الإليكتروني الميسرة، وهم من بقايا الديناصورات والمستحاثات المتحجرة الوافدة مؤخراً، وقد أطعمهم تبارك وتعالى حجة والناس راجعة، على الساحات الإعلامية طالعين من الكهوف والحقب والمتاحف الستالينية المتجمدة والمتكلسة، بكثير من الانتقائية والانحياز والكيدية والمزاجية وعدم الموضوعية والخبث والترصد، ليتحولوا إلى مجرد أبواق صفراء من مهامها، وبسبب الإفلاس والخواء الفكري والأخلاقي وعدم وجود شيء مهم يقولونه ويفعلونه، التشهير بالناس وخالطة عباساً بدباس، والكم بالنوع، والهبلنة والصبيانية مع الرصانة والجدية والوقار. ومقالنا، quot;اليتيمquot; المعني والمنشور في 20/12/ 2006 في أكثر من موقع عربي رئيسيً، وتناقلته العديد من المنابر الإعلامية، هو قديم عهد، ولا علاقة له البتة، بمعمعة ما حدث مؤخراً في غزة من مذابح وحشية وبربرية ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني ضد أطفال غزة من quot;عملاءquot; النظام الصفوي المجوسي الفارسي كما زعم أحد quot;مثقفيquot; سوريا الكبار، ونقل ذلك عنه موقع الحقيقة الذي يرأس تحريره الزميل نزار نيوف، (بالمناسبة تعامل الزميل نيوف، ومشكوراً، بكثير من المهنية والموضوعية والحياد والنزاهة التي يفترضها عملنا النبيل ضد من حاول الصيد في عكر المياه، وهذه واحدة تحسب في ميزان حسناته المهنية وأكثر من بعض المؤسسات المتطفلة، والوافدة مؤخراً على العمل المهني، رغم الفتور الملحوظ والود المقطوع بيننا وبينه)، ولم نتوان مطلقاً عن إدانة ذلك العدوان في حينه وبأقوى الألفاظ. مقال يتيم لا يجعل من أحد سفيراً ولا عميلاً لأحد، ونشر مسبقاً في مواقع رصينة ومحترمة وموجهة للقارئ العربي، ولم يهرب تهريباً، ولم يسرب تسريباً، أو يمرّق تمريقاً.
وإذا كان موقفنا الفكري الإنساني الشامل والعلماني المتنور يتناقض، أوتوماتيكياً، وبالمطلق، وفطرياً، مع كل تلك العصبويات والقبليات والستالينيات والفاشيات والعشائريات ولمامات الفكر البشري المتآكلة والمندثرة بفعل قوة التطور الطبيعي للحياة وقوانينها العادلة والصارمة التي لا ترحم والطاردة لكل ما هو رث وغير قابل للحياة والاستمرار، وما تزال بقايا منها تنازع البقاء في كهوفنا العامرة ببها، والقومية والعنصرية والشلليات والحزبويات والتخندقات والفئويات والبداوات والسلفيات والتناحرات التي تسرح وتمرح على ساحاتنا المنكوبة هي إحدى تنويعاتها، فلا ذنب لنا في ذلك على الإطلاق، وليست جريمة، ترتكب، ولا تغتفر. وإذا تم تناقل هذه المقالات، وربما، وبكل تواضع، لأهمية ما يطرح فيها، ولجرأتها في تحدي الموروث والرثاثات وسقط المتاع وأورام الفكر والسلوكيات الأخرى والسرطانات المؤبدة، فهذه ليست من مسؤولية الكاتب أو أي من الكتاب على الإطلاق. وللتدليل على مصداقية وجدية وخطورة ما جاء في المقال وتنبهت له وزارة الخارجية الإسرائيلية، وقرأته ووضعته لتحذير بعضنا من بعضنا، بعكس أعاريبنا، الذين أعطاهم الله نعمة الجهل والأمية الفكرية والضمور العقلي، والذين لا يقرؤون إلا كشوف أرصدتهم والتقارير الأمنية الملفقة، فما حذرنا منه في ذاك المقال، وأشرنا إليه، هو ما حدث بالضبط، لاحقاً، وصدقت وتحققت كل توجساتنا ومخاوفنا وأسوأ وساوسنا التي تقض مضاجعنا ليل نهار، وتمنعنا النوم، والتمتع بالحياة والعيش الهني والطمأنينة والسلام، وكان ما كان من تلك الصراعات الدموية بين أخوة وأشقاء، هنا وهناك، وفي غير مكان، أعتقد أنها تخدم إسرائيل والمشروع الصهيوني، فعلاً، وأكثر من أي مخلوق آخر موجود في هذه الحياة، وأكثر ممن يقرع لهم نواقيس الخطر والإنذار.
ختاماً، لن ترهبنا قوائم الإرهاب الفكري التي سيستخدمها أدوات وعتلات النظام الرسمي العربي لوأد الرأي الآخر ومنع النقد وتشريح مختلف الظواهر السلبية التي تعتمل على سطح هذه المجتمعات، لتكون حجة بأيديهم ضد كل من يرفع الصوت عالياً لوقف هذا الانهيار الشامل قيمياً، ومعرفياً، وسلوكياً التي تعيشه مجتمعات الشرق الأوسط وتداعيات ذلك الكارثية على مستقبل الأوطان، والأجيال.
ملاحظة هامة جداً: لو كانت جموع الأعاريب قراء ومتابعون لآمنا وصدقنا، ولكن طالما أن الأمية والجهل تتفشى في كل مكان، فلا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، وعليهم الطمأنينة والسلام، من أي شيء يمت للفكر والقراءة بأية صلة، أو بمجرد خاطرة ومقال.
هذا هو المقال اليتيم والذي نشر في باب الكتابات الساخرة، وهو يدين إسرائيل في مقدمته بشكل صريح ولا لبس فيه.

هل أصبحت إسرائيل ضرورة قومية؟
تبدو إسرائيل، وبالرغم من الموقف المبدئي والثابت في إدانة الإجرام، والعدوان، وقوى الاحتلال، يوماً بعد آخر، كضرورة عربية، وعنصر تهدئة، وعاملاً هاماً، من عوامل الوحدة وتوحد العرب المنشود، أكثر من أي شيء آخر. وفي ظل هذا التردي الهائل في العلاقات العربية العربية، فإنّ أفضل العلاقات القائمة في المنطقة، والتي تـُحترم فعلاً، ويحافظ عليها الجميع هي بين إسرائيل والدول العربية، سواء تلك المعلنة منها، أم التي تجري في الخفاء بين عشاق متيمين، لا يخون، ولا يخدع أحدهم الآخر، بل لديهم شبق فطري جارف للاتصال والوصال.
وصار لزاماً، من الآن وصاعداً، على الدول التي تستهويها quot;همروجةquot; الوحدة العربية، أن تضيف إسرائيل لمناهجها التربوية التعليمية، وخطابها الوحدوي كواحدة من العوامل التي أدت للحفاظ على ماء الوجه العربي، والنوع العربي، وشجعت على تنمية العلاقات بين الدول العربية وأوصلتها إلى أفضل حالاتها، وحافظت على الحد الأدنى من التضامن العربي. كما ساعدت في التئام الكثير من القمم العربية. ويجب أن يتم الإفصاح عن أن الخطر الحقيقي الذي يتهدد المصير، والمستقبل العربي، هو العرب أنفسهم، قبل أي عدو آخر. ولولا هذا الوجود الإسرائيلي في المنطقة لكانت حروب، وغزوات القبائل العربية البينية جارية على قدم وساق. وأن الضغط الأمريكي والدولي يجب ألاّ يكون موجها بالدرجة الأولى ضد إسرائيل، بل ضد العرب أنفسهم، لكي يصفحوا ويكفوا، ويعفوا عن بعضهم البعض. وأن يكون هناك مندوب سام مقيم بشكل دائم في بهو الجامعة العربية مهمته الأساسية جمع الشمل وتبويس شوارب النشامي والأشقاء.
وصارت الدعوة لإقامة مؤتمر عربي للمصالحة والسلام والاعتراف المتبادل وعلاقات احترام وحسن جوار بين الدول العربية أكثر من ضرورية ومُلـِّحة. وأن القرارات الدولية المنطقية يجب أن تكون لفك الاشتباكات، وحل الخلافات، وفض المشكلات بين الدول العربية بعضها مع بعض، وإقامة معاهدات عدم اعتداء بين الطوائف والطوائف، والمذاهب والمذاهب، والجماعات والجماعات، والأشقاء والأشقاء، والقوميات والقوميات، والإثنيات والإثنيات، والعشائر والعشائر، والبطون والبطون، والأفخاذ والأفخاذ على أن يكون هناك قوات فصل دولية من النـَوَر، والغجر، وquot;القرباطquot; وأكلة لحوم البشر، والقبائل المنشورية، والسلالات المنغولية، و الفصائل الكونغولية، والهوتو والتوتسي والخمير الحمر والزرق والصفر، للفصل بينهم جميعاً، والحيلولة دون انقضاض أحدهم على الآخر، غيلة، وخلسة، وخفية في ليلة موحشة ليلاء.
وأن الخوف الحقيقي الذي يكتنف مصير هذه الشعوب والدول ليس مما هو قادم من وراء الحدود، وإنما مما هو نابع من الدواخل، والذوات التي تكتنز كل عوامل التشرذم والانفجار، وتضمر كماً هائلاً من التحفز، والكراهية، والبغضاء، وتنتظر اللحظة المواتية للثأر، والانتقام، وتصفية الحسابات. وأن كل تلك الدعوات الشريرة والآثمة سابقاً للتخلص من إسرائيل كانت باطلة وغايتها الاستعداد والتفرد للمعركة الكبرى والفاصلة بين الأشقاء، والأهل، وأبناء العمومة، والأقرباء.
وكم صار المرء يشعر بالسعادة، والاطمئنان، وبرغم مرارة الموقف ومأساوية الأمنيات، حين تقوم حرب في المنطقة وتكون إسرائيل أحد أطرافها. وحين يكون هناك اعتداء من قبل إسرائيل، وانتهاك من الجيش الإسرائيلي، ولسان حاله يقول الحمد لله فالدنيا لم تزل بخير حتى الآن، ولم تشتعل بعد النيران الحقيقية، والطوفان الهمجي الكبير المنتظر مازال كامناً وتحت الرماد. فالحقيقة القومية الوحيدة التي أثبتت وجودها، واستمرت عبر الأيام، هي أن الصراعات، والنزاعات، والغزوات، والمناوشات، والملاسنات، وضرب البوكس والرفس، ونتف الشوارب والمهاترات، هي ماركة، وصناعة عربية عربية بامتياز، ولا علاقة لإسرائيل بها البتة. وأن قرارات الشجب والإدانة والاستنكار العربية الشهيرة يجب أن تكون، في الحقيقة، ضد التناحر العربي العربي، والتنابذ القبلي القبلي، والتشاحن البدوي البدوي، والترافس الرسمي الرسمي، والتناطح الأخوي الأخوي.
فكم كان لإسرائيل الفضل في عشرات الاجتماعات العربية الطارئة والابتسامات الصفراء الظاهرية، والخلوات الباطنية، والبيانات المشتركة والاجتماعات وهي أضعف الإيمان في مظاهر quot;الوحدةquot; العربية ذاك السراب المخادع الذي حلمت به الملايين المفجوعة. وكم كان لها الفضل أيضاً في الكثير من المسيرات والاحتجاجات والاعتصامات والمهرجانات. ولولاها لكان تاريخ الدبلوماسية العربية صفراً على الشمال، ولـَحُرم الدبلوماسيون العرب المساكين من عشرات ملايين الدولارات كتعويضات سفر، وبدلات انتقال.
وفي ظل هذا الواقع الناشب أظفاره، والنفوس المتحفزة والمتوثبة في كل مكان، وما جرى، ويجري في العراق ولبنان وفلسطين والصومال والسودان، وما هو مرشح للحدوث في غير مكان، لم تعد الدعوات لإلقاء إسرائيل في البحر ذات جدوى، وتستثير أياً كان، هذا إذا كانت واقعية وقابلة للتحقيق أصلاً. وأصبح وجودها، وبالرغم من الإرث الإيديولوجي المعروف لهذا الكيان، والتركة الثقيلة لهذا المصطلح في الوجدان والعقل الباطن العربي، ضرورة قومية وإستراتيجية لبقاء واستمرار العرق والنوع العربي المهدد بالانقراض. لا بل، ربما، صار هناك ضرورة ملحة لوجود واستحداث أعداء، وفزاعات جديدة من شتى المشارب والأنواع، تـُلهي بعضنا عن الآخر، من الأسوجيين، والتتار، والساسان، وسلالات المالديف والكونفوشيوسيين، والبوذيين، والهندوس، والهكسوس والماو ماو وأخيراً وليس آخراً، قبائل الباشتون، ما غيرهم، quot;تبعquot; أصحابنا الطالبان
[email protected]