عندما يتبارى المتنافسون في الإنتخابات الأمريكية، فإنهم يكثرون من الوعود، وعندما يمنح الأمريكيون أحدهم شرف الدخول الى البيت الأبيض، فإن أول ما يبادر إليه، وخاصة في خطاب القسم، هو العمل على تنفيس الرأي العام الأمريكي، ومطالبته ببعض الوقت. الذرائع التي يسوقها القادم الجديد تتعلق بحجم التحديات التي تواجه أكبر قوة في العالم، والأنظار التي تتجه الى الرئيس الجديد لحل المشاكل الأساسية على جدول أعمال المجتمع الدولي.
تعيين جورج ميتشل كمبعوث خاص الى منطقة الشرق الأوسط يؤكد أن لمنطقتنا وأزماتها، أهمية لدى صناع القرار الجدد في واشنطن، وخاصة لدى الرئيس باراك أوباما، وتحتل ركناً في دائرة التفكير. إختيار ميتشل ينطوي على دلالة واضحة على ما ينوي الرئيس فعله، ورسالة لا تقل وضوحاً الى زعماء المنطقة بخصوص ما يتوقع منهم من عمل.
كان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون يعتمد على دنيس روس كدبلوماسي محنك وذو خبرة في شؤون الشرق الأوسط. إستطاع من خلاله فهم تضاريس الصراعات وتفاصيلها. وزيرة الخارجية في ذلك الوقت كان عليها أن تزود الرئيس بتصورات وخيارات واضحة سواءاً للحل أو الخروج من المأزق التي واجهت عملية السلام، بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة، وبين الإسرائيليين والسوريين من جهة أخرى. جورج ميتشل، أيضاً، لا يقل خبرة عن دنس روس في شؤون الشرق الأوسط، والفارق بين الإثنين يكمن في أن الأول يمتلك ميزة تؤهله للعب دور أهم في إدارة الرئيس أوباما، يتجاوز حدود تقديم المعلومات ووضع الرئيس في صورة الحقائق، وإنما يرتبط بقدرته على تسهيل مهمة الرئيس في إتخاذ قرارات سريعة، من خلال طرح إقتراحات عملية، وصياغات واقعية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
من المهم التذكير بأن الرئيس أوباما أثناء حفل التنصيب شدد على نهج جديد في التعامل مع مشاكل العالم. ولم يغب عن باله أهمية توجيه رسائل إطمئنان الى مشارق الأرض ومغاربها، ولا سيما الى العالم الإسلامي والعربي، عندما أكد على مرحلة جديدة أساسها الإحترام المتبادل والفهم المشترك.
فإذا إقترنت الأفعال بالأقوال في نهج الإدارة الجديدة، فإن ذلك يعني أن المرحلة القادمة سوف تشهد نشاطاً دبلوماسياً محموماً، سيغلب عليها، في البداية، طابع جس النبض لدى أطراف الصراع، لإستنباط مغزى من التصورات والمقاربات المختلفة، قبل الخوض في صياغة خارطة طريق جديدة تعكس فهم الإدارة الحالية ومقاربتها لمشكلة الصراع العربي الإسرائيلي في إطارها الأوسع، والفلسطيني الإسرائيلي في حدها الأدنى.
كما كان متوقعاً، يزور المبعوث الأمريكي جورج ميتشل المنطقة، وسيلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والقادة الأخرين. المهم هنا هو الرسالة الواضحة التي يحملها ميتشل الى قادة إسرائيل وفلسطين: الرئيس مهتم بقضية النزاع في المنطقة الى الحد الذي يتطلب من الجميع تقديم تنازلات مؤلمة من أجل الوصول الى صيغة الحل النهائي، حيث لم يعد هناك المزيد من الوقت لتبديده في إطار تفاوض عبثي لا يفض الى شئ.
الرئيس أوباما زار المنطقة قبل فوزه بالإنتخابات، واستمع بنفسه الى عباس وأولمرت. لم يصرح بشئ في حينه. الساسة في إسرائيل توجسوا من صمته، وراقبوا بقلق كل إشارة يمكن أن يستدل منها على موقف ما. أما بعد الفوز فقد كان واضحاً أن كل المتنافسين في الإنتخابات الإسرائيلية يجتمعون على أن الرئيس الجديد في واشنطن له رؤية مغايرة عن رؤية إدارة بوش للنزاع. الإسرائيليون يتوقعون ضغوطاً على جميع الأطراف، بما فيها إسرائيل أيضاً.
في جاسة الإستماع في الكونغرس، جددت وزيرة الخارجية كلينتون، التأكيد على النهج الجديد في سياسة أوباما، المتمثل في الحوار وإتباع الأساليب الدبلوماسية كأساس للتعامل مع النزاعات والصراعات في العالم. وتدرك إدارة أوباما أن لدول كإيران وسوريا دور مهم في تعقيد عملية التفاوض، من خلال توظيف حركات إسلامية راديكالية كحماس والجهاد وحزب الله لمحاربة إسرائيل، وذلك من أجل عرقلة جهود توجيه ضربة عسكرية لمفاعلها النووي. فتح قنواة الحوار مع إيران وسوريا من شأنه تخفيف حدة التوتر، ولكن لا يشكل حلاً بحد ذاته. من الممكن تقديم ثلة حوافز إقتصادية، وضمانات أمنية، إذا أثمر الحوار عن نتائج مرضية. أما إذا إختار الدولتان ما هو أكثر، او تعنتا في مواقفهما وأصرا على تهديد الأمن الإقليمي، فإن ذلك ستدفع الإدارة الأمريكية الى سحب البساط، وتدشين حملة دولية عليهما. كلينتون قالت أن الإدارة تحبذ القوة الذكية، أي الطرق البلوماسية والسياسية للحل، ولكن من دون ان تزيح الحلول العسكرية من تفكير الإدارة.
كل المعطيات تشير الى سياسة مغايرة، وإهتمام مركز على إيجاد حل للصراع. الفريق الذي يتولى الإشراف على العملية، الرئيس ومتشار الأمن القومي ووزيرة الخارجية والمبعوث الخاص، يقدرون أهمية تحرك عاجل وجدي. كلهم أناس معروفون بتجربتهم وخبرتهم، ولن يتوانوا عن إيجاد نهاية مرضية وتقديم فرصة لشعوب المنطقة للعيش بكرامة وأمن وسلام.
27/01/2009