-1-

يجد النظام العربي دوما.. غالبا.. اي شماعة.. كائنة ما كانت لتعليق إحباطاته وهزائمه وفشله وخيبته..!
لا يعدمها..تلك الشماعة.. الشيوعية.. اليسار.. القوميين العرب.. الإخوان المسلمين.. إسرائيل.. إيران.. روسيا.. الصين.. الواق واق..!
إلا السبب الحقيقي.. الجلي لكل ذي عين ( إلا عيون الحكام )، غياب الحرية.. الطغيان.. الأنظمة القمعية.. الخوف من الناس.. الجمهور.. النظر لهم بريبة.. الإستمرار في الحكم من خلال قمعهم.. تظليلهم.. تسفيههم وتشويه قيمهم وتغذية عوامل الكراهية والفرقة والتخلف والجهل والبؤس بينهم..!
إلا هذا السبب.. السبب الحقيقي للهزائم.. للذل المستديم.. للبلادة والغباء واللصوصية والتخلف الذي تنعم به بلداننا العربية في ظل حكم ذات الوجوه.. ذات العيون وذات الأيادي وذات الآذان التي لا تعي ولا تسمع..!
مأساة النظام السياسي العربي منذ تشكل الدولة الوطنية العربية في القرن العشرين، مأساته هو غياب الدم الجديد في الحكم.. غياب الإصلاح... غياب البرنامج الوطني.. غياب الحياة الدستورية الحقيقية.. غياب المشاركة.. إشراك الآخر المعارض.. المختلف.. الوطني الحقيقي في السلطة.. إشراك الجمهور.. الناس صاحبة المصلحة الحقيقية في قوة الأوطان وكرامتها وأمنها ورفاهها.
حكامنا.. حكامنا العرب هم الوحيدون في العالم كله الذين لا يتغيرون... ولا يغيرون أنفسهم.
ولكيما يستمرون في الحكم ( وما الذّ الكرسي في بلدان خاملة خامدة غنية مثل بلداننا العربية ) لكيما يستمرون لا بد لهم دوما من إشغال الناس بشماعة ما يعلقون عليها الخيبة والفشل والخراب والهزيمة التي ولّت والأخرى المؤذنة بالقدوم قريبا.

-2-

يوما ما.. كان السوفييت كابوس العرب.. رغم بعدهم الجغرافي عنّا..!
شاركنا في كل حروب امريكا ضد السوفييت.. حتى في صفقات تسليح الكونترا ضد الساندياستيين في نيكارغوا.. تصوروا.. حتى هناك في اقصى بقاع الأرض ساهمنا في المجهود الحربي الأمريكي ضد اليسار، بينما لم يجرؤ واحد من حكامنا الكرام على رمي إسرائيل ولو بصاروخ كارتوني ينبئهم أننا لا زلنا احياء.. لا زلنا موجودين.. لا زلنا مطالبين بحقنا التاريخي الأقدس في ارضنا وترابنا.
قبلئذ.. وبعده.. إنتقل الهمّ... الكابوس إلى شرقنا القريب.. إلى انظمة قامت في العراق وحوربت وحوصرت بقوة من قبل الجميع تقريبا..!
تجربة المرحوم قاسم... صدام حسين في مشواره الأخير المعادي للأميركان.. ثم عراق ما بعد الفاشية.
ليس العراق حسب من ابتلي بالعداء من قبل النظام الرسمي العربي.. ليس العراق حسب.. بل وحركات التحرر العربية.. تجارب التحرر المعادية للأمريكان والإسرائيلين.. في مصر.. في لبنان.. في فلسطين.. في اليمن الجنوبي.. في ليبيا.. في سوريا.. في وفي وفي..!
ويأتي الدور على إيران.. بل يستمر الدور.. ضد إيران.
ولا اشك.. لا اشك في أن عرب الإعتدال المريض.. عرب التخلف والدم الفاسد الذي لم يتجدد البتة منذ عقود طويلة.. عرب ذات الوجوه وذات العيون وذات الأيادي وذات الكلمات والألسن.. لا اشك في أنهم ومنذ زمن طويل إتفقوا مع الأمريكان على حجم مساهمتهم المليارية في الحرب القادمة ضد إيران.. رغم أنهم يعرفون أن تلك ليست العراق ونظامها ليس نظام بعث العراق وما لديها من شعب ليس كما كان لدى صدام من عشيرة وعائلة وحزب ترهل وفسد منذ زمن طويل.. طويل.

-3-

انا لم اسمع البتة بحاكم يخلق الفتن في بلده ويؤجج نيران العداوة بين الناس مثل انظمتنا السياسية العربية.
لم اسمع نظاما سياسيا في اي بلد في العالم يجتهد لنشر التخلف والخراب والفساد والتجويع والإذلال والخوف بين ناسه كما انظمتنا العربية.
لم اسمع البتة ولم اعرف من قبل حاكما في مفتتح القرن الواحد والعشرين يستمد مداد دم نظامه ويحافظ على كرسيه وعرشه من خلال تفريق الناس وتفكيك روح المواطنة وخلق الفتن ونشر العداوات مثل انظمتنا العربية.
حسنا.. تمدكم تلك الوسائل الغبية بفرص إقامة طويلة في الحكم في بلدانكم.. لكن.. ماذا لو جاءكم السيل من الخارج ؟
ماذا لو تكررت تجربة العراق غدا في اي بلد عربي آخر ؟
صدام حسين لم يقاتل جيشه البتة ولو شاء أن يقاتل لما أنهزم العراق بهذه السهولة، لماذا.. لأن الناس مقتت الحروب ( الداخلية منها والخارجية ) ولأنها أفتقدت المشاركة... القدرة على التعبير عن الرأي.. الإحساس بالإنتماء لهذا النظام.. بل ولهذا الوطن الذي يحكمه هكذا نظام..!
النتيجة.. تركوا الأمريكان يمرون على عجل..!
اليس ذات هذا السيناريو قابل للتحقق غدا في اي من بلدان العروبة التي ملّ الناس فيها من ذات الوجوه وذات الكلمات وذات الخطب الرنانة وذات الجوع والبؤس والتخلف والقسوة والإحباط ووو.
ليس بالضرورة امريكا ( وبالذات الآن بعد أن غاب حلفائكم المحافظون الجدد وجاء الديموقراطيون ).. لكن قوة اخرى.. قد تنطلق من الداخل وقد تأتي من ذات الإقليم.
بمعنى.. بعض مخاوفكم على صواب.. بعضها لا شك على صواب..إنما.. متى تعودون إلى ذواتكم.. ضمائركم.. شعوبكم.. انظمتكم المتهرئة المتخشبة.. تصلحونها بحيث تمتلكون القوة لمقاومة اي غزو.. كائنا من كان.... ومن حيث أتى..!
قد لا تنتصرون عليه.. قد لا تغلبونه.. لكنكم على الأقل لا تمنحونه نصرا سهل كنصر الأمريكان في العراق... على الأقل.
الأتراك.. جيرانكم الأتراك لا يخافون إيران البتة.. لا يخافونها رغم وجود عوامل الخوف وذرائعه.. لا يخافونها لأن لديهم دولة ديموقراطية بنيت على مباديء العلمانية منذ قرابة القرن.
دولة يجمع الناس فيها على مباديء اتاتورك.. يؤمنون بها بصدق ويختبرونها بحرية وينعمون بنعمائها بشفافية.
مواطنوهم مواطنون حقا لا رعايا.. دستورهم رصين عادل.. نظامهم البرلماني جاد وحقيقي وجريء ( نتذكر كيف أن البرلمان رفض عبور القوات الأمريكية إلى العراق عبر تركيا ).
دولتهم دولة حقيقية لا مضارب قبائل، وشعبهم لا يعيش على مكرمات الحاكم بل على حقوقه الدستورية.
وإيران.. إيران ذاتها.. لا تخاف امريكا ولا الغرب مجتمعا ( ومعه العرب اجمعين ).. ولن تخافهم.. لماذا ؟
ليس لقوة إعلامها ولا لبسالة جندرمتها الذين يلاحقون الناس على الشبهات ولا لبذاءة السنة وعاظها.. ولكن لأنها منذ العام الأول للثورة، وضعت اسس المشاركة وإشراك الناس في الخيارات وفي الحكم دستور.. برلمان.. احزاب.. معارضة وموالاة.. صحافة تمتلك قدرا كبيرا من الحرية.. إكتفاء ذاتي في كل شيء تقريبا.. صناعة.. زراعة.. علاقات دولية متنوعة.. إقتصاد كفؤ.. قدر كبير من العدالة في توزيع الثروات.. فقه قائم على الإجتهاد الحي.. الخ.. الخ.. الخ.
هذين.. في ذات الإقليم.. في ذات هذا الشرق نظامين يمتلكان قدرا كبيرا من العافية والنمو والحيوية والشفافية والعدالة والقدرة على مقاومة التحديات.
هذين.. في ذات الإقليم.. نموذجين ليتكم تتعظون بهما أو بأحدهما على الأقل إذ هما متناقظين وفي ذات الآن حيويين.. ناجحين كل النجاح.
واحدٌ دستوري علماني تداولي مع قدر كبير من الإحترام للدين، والثاني دستوري ديني تداولي بقدر كبير من الشفافية والإنفتاح وقدر كبير من الإحترام للرأي الآخر ومنفتح كل الإنفتاح على العالم كله وعلى علوم الحياة الحديثة والمكتشفات الحديثة في العلم والتكنولوجيا.

-4-

الإثنين.. الإثنين لهما مصالح ومطامح ومشتركات في الشرق والغرب العربي.
الإثنين لهما تاريخ من العلاقات مع الشعوب العربية أو شرائح مهمة منها على الأقل.
الإثنين تاريخيا، حكما العرب لبعض الأزمنة، منذ ما قبل الإسلام وصولا إلى ما بعده حين أعتنقا الإسلام ووجدا في ذات كتابه وشرعه ودستوره فرصة السيادة الشرعية على العرب.
ولا زالت فرصة التأثير والتأثر والتفاعل قائمة ويمكن أن تكون تلك سلمية ودية لو إننا إنفتحنا بعدل على الإثنين وتقبلنا خيارات شعوبهما وأنماط انظمتهما وبذات الآن اصلحنا عناصر الفساد في انظمتنا لكي لا نبيح لهما الإختراق من خلال خرابنا وفسادنا، ثم نعود للولولة والبكاء على الاطلال حين نفقد السيادة على بلداننا.
أما العويل القائم اليوم.. عويل الأقلام والوعاظ والحكام من التغلغل الإيراني.. العويل هذا لن يمنع التغلغل من أن يستمر وينشط اكثر وأكثر طالما الخلل فينا اصلا.. في انظمتنا السياسية الهزيلة المتخاذلة المتخلفة عن العصر وسيرورة الحياة وحركة التاريخ وإحتياجات الناس وهمومهم.
لا اشك في أن كثرة ترداد ذات الإسطوانة المشروخة عن التشيع والتسنن واطماع الفرس وعداوات التاريخ لن توقف السيل البتة، بل إنها تزيده تدفقا حتى يبلغ الركب وما فوقها.
اصلحوا حالكم يرحمكم الله، ولن يغلبكم بعدها غالبٌ.. البتة..!

كامل السعدون