لم أكن أعرف أحدا من المرشحين لمجلس البرلمان فى الانتخابات العامة التى جرت فى كانون الثاني 2005، وأعتبر نفسى ومعظم المواطنين الذين صوتوا فيها اننا قد خدعنا بطريقة التصويت اذ لم تكن هناك قوائم بأسماء المرشحين واستعيض عنها بقوائم (مغلقة). وكانت النتيجة مفاجأة أليمة للكثيرين من الناخبين حيث ظهر من بين الذين تم انتخابهم أو بالأحرى تعيينهم من قبل كتلهم وأحزابهم، وجوها لا يعرفونها لأشخاص لم يسمعون بهم ولا يعرفون عنهم شيئا. وتشكل مجلس النواب (مجلس الحجاج) العتيد، الذى تغيبت فيه الغالبية العظمى عن أكثر الجلسات التى عقدت، ومن بينها جلسات مصيرية بالنسبة للشعب العراقي، ولكنهم فضلوا الذهاب الى الحج أو الى اوروبا أو الاردن ولبنان مع عوائلهم وأصحابهم وجيرانهم على حساب الخزينة المرهقة والشعب المنهوب المغدور حقه.

كنت قد كتبت فى ايلاف مقالا بعنوان (رواتب غير عادلة) بتأريخ 16 يونيو 2008 عملت فيه مقارنة بين رواتب البرلمانيين والوزراء ورجال الشرطة، بتأريخ 9 كانون الثانى الجاري قرأت فى جريدة المرصد العراقي، بأن فؤاد معصوم رئيس الكتلة الكردستانية ذكر بأن المشهداني استقال من رئاسة المجلس ليحافظ على راتبه التقاعدي البالغ أربعين ألف دولار أمريكي شهريا وهو نفس راتب رئيس الحكومة عندما يتقاعد!!!. ترى ماالذى فعله المشهداني أوغيره من أعضاء البرلمان ليستحقوا مثل هذه الرواتب الضخمة وهذا التقاعد الذى لا يحصل عليه حتى رؤساء الدول الصناعية الكبرى مثل بوش (أمريكا) وبراون (بريطانيا) و ميركل (ألمانيا) وساركوزي (فرنسا)؟ ويقال أن التخصيصات الأخري للنواب تزيد عن رواتبهم الأصلية.

قارن هذا مع راتب الجندي أو الشرطي العراقي الذى لا يتجاوز المائتين دولار أمريكي شهريا. أي أن تقاعد المشهداني أو أي عضو فى البرلمان يعادل رواتب مائتي شرطي يعرضون حياتهم للخطر فى كل يوم وكل ساعة يحافظون على حياة وممتلكات الشعب العراقي المنهوب، بينما راتب بوش يساوي رواتب ثمانية من رجال الشرطة فى العاصمة واشنطن.

ان العراق اليوم يحلبه اللصوص كما تحلب البقرة، مع فارق واحد هو أن البقرة الحلوب يقوم أصحابها بالعناية بها: من علف جيد وماء نظيف وعناية صحية وجو ملائم، أما العراقيون الذين تنهب أموالهم فلا يجدون العناية التى تحصل عليها حتى البقرة، فنسبة كبيرة منهم لا يجدون الغذاء الكافى ولا ماء الشرب الصالح ولا العناية الصحية ولا الأدوية ولا الكهرباء، ويعانون قيظ الصيف وزمهرير الشتاء، وفوق كل ذلك يفتقدون الأمان.

لا ينكر أن الأوضاع فى تحسن منذ تولى السيد نورى المالكي رئاسة الوزراء، ولكن ذلك لم يصل بعد الى الحد الأدنى لطموحات الشعب. كان من الممكن أن تكون الأمور أحسن مما هى عليه الآن بكثير لولا زمر متعددة داخل البرلمان وداخل الحكومة نفسها تعرقل الجهود التى يبذلها المخلصون، تلك الزمر التى لم نكن نعرف عنها شيئا وانتخبناها، وها نحن نجنى ثمار ما فعلناه.

ان نتائج انتخابات مجالس المحافظات التى ستجرى فى نهاية هذا الشهر ستعطينا فكرة عما سيكون عليه انتخاب أعضاء مجلس البرلمان التالي، وستكون امتحان لنا عسى أن نجتازه بنجاح.
ان شعبنا مدعو للانتباه فلا يسمح لأولئك الطارئين الجهلة بالعودة الى التحكم فى رقابنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا. فلا تغرنا المظاهر الكاذبة والوعود الفارغة، ولا يخدعنا ذئب فى ثياب حمل.

أكثر ما يؤثر على الناس البسطاء هو الدين. لذلك فقد اغتنم البعض فى داخل البلد وخارجه فرصة اختلال الأمور بعد سقوط البعث وهروب قائده المقبور، وإدعوا بأنهم حماة للدين، وأوهموا الناس بأنهم منقذيهم من النار إن اتبعوهم، وانهم ان (استشهدوا) فستستقبلهم حوريات الجنة.
وبهذه الطريقة جندوا وسلحوا المغفلين الانتحاريين وأرسلوهم الى بلدنا لتفجير أنفسهم الأثيمة فى أسواقنا وشوارعنا ومدارسنا وبين نسائنا وأطفالنا، وخربوا مدننا، وأعاقوا أعمال إعادة بناء البلد.

فى هذه الأيام فى البصرة يأخذ البعض من رجال الدين بخناق بعضهم البعض يتلهفون على الحصول على المقاعد، وقد بلغ عدد المرشحين للانتخاب أكثر من ألف شخص لخمسة وثلاثين كرسيا فى مجلس المحافظة!. المجموعات الكبيرة التى تتنافس هناك هى: المجلس الاسلامي الأعلى برآسة عبد العزيز الحكيم، والصدريون بقيادة الهارب مقتدى الصدر، وهم يتعاطفون بشدة مع ايران الطامعة بضم جنوب العراق اليها، ثم حزب الفضيلة الذى يدعى أعضاؤه بعراقيتهم الأصيلة مع أن البعض يتهمهم بالاشتراك فى تهريب النفط، ثم حزب الدعوة الاسلامية برئاسة المالكي، الذى يريد اقامة علاقة حسن الجوار مع ايران، ويحاول اقامة علاقات طيبة مع الجميع فى الداخل والخارج.

أن علينا كناخبين أن ننتخب الكفوئين الذين برهنوا على اخلاصهم للعراق ومقدرتهم على خدمته بغض النضر عن دينهم وقوميتهم ومذهبهم.
يجب أن لا تغرنا ثياب دعاة الدين ولحاهم الذين خبرناهم وعانينا منهم خلال ما يزيد على خمس سنوات، فان غلاف الكتاب لا يدل على محتواه. ويجب أن يفهم هؤلاء أن ثياب التقوى التى يلبسونها لن تؤهلهم لنيل المناصب والسيطرة على خيرات البلاد. وأجاد الشاعر حينما قال عن أمثال هؤلاء : وصفت التقى وكأنك ذو تقى **** وريح الخطايا من ثيابك تسطع.


عاطف العزي