عادت مرة أخرى مسألة ما تسمى الديون الكويتيه على العراق لتطل برأسها من جديد ولتأخذ حيزآ كبيرآ في وسائل الأعلام خاصة بعد تصريح أكثر من مسؤول في الكويت لبعض وسائل الأعلام يظهر على ما يبدو أستعداد الكويت لمناقشة مسألة الديون اذا تمت مقايضتها بالماء العذب من العراق عن طريق شق قناة تصل جزء من مياه شط العرب الى الكويت وهو مشروع قديم يٌراد أحياؤه من جديد، هذا الكلام سليم لو تم في ظروف طبيعية وعلاقات غير متوترة بين الجانبين وليس أنتهازآ وأقتناصآ للفرص وإبتزازآ للعراق الجريح والذي قامت أغلب دول العالم بشطب ديونه وأطفائها بدون مقايضة أو مقابل إلا دول قليلة أبت ذلك من ضمنها ( الكويت) التي ما زالت مصرة على المضي قدمآ الى نهاية الشوط فيما يتعلق بتنفذ كل ما تسمى بقرارات الأمم المتحده التي صدرت في نهايات القرن المنصرم.

وكأن سنوات الحصار التي فتكت بأكثر من مليون عراقي وما تبعه بعد ذلك من دخول قوات الأحتلال من الكويت لتدمير العراق والنكبات التي جلبها للمنطقة غير كافي لأشباع رغبات البعض في الأنتقام، والحديث يدور الآن عن مقايضة مياه بديون.

أذن هي سلسلة من الطلبات والمطالبات والمقايضات التي لم تنته حتى يصبح ما يسمى (بغزو الكويت) بعقدة ترافق العراقيين في حلهم وترحالهم وكأنها نسخة من المحرقة اليهوديه على أيدي النازية، فتراهم مرة يطرحون مسألة اعتذار العراق ومرة يقايضون هذه الديون بالمياه وأخرى يحاولون جعل ما تسمى بالديون أبواب مشرعة لهم لدخول العراق والأستحواذ على كل مفاصل أقتصاده والتحكم حتى بقوت شعبه.


أن الأخوة في الكويت ينتهجون سياسة التمويه، والقفز على الحقائق، وخلط المفاهيم، وتمثيل دور الضحية، وقد حذرنا قبل فترة من مفهوم الأعتذار الذي روج له بعض السياسيين الكويتيين وتم طرحه من خلال وفد من إعلاميهم زار العراق وألتقى برئيس الوزراء.

وحذرنا في حينها من الوقوع في فخ الإعتذار الذي يهدف الى تكبيل العراق بقيود تقطع الطريق عليه للمطالبة بحقوقه المسلوبة مستقبلآ، فالعراق هو المتضرر الأشد وليس الكويت، والعراق هو الذي يطالب بتعويضات عن ما لحق به من دمار وهو الذي تنتهك حدوده ويتم قضم مياهه الأقليمية ويستولى على آباره النفطية، عدا عن كثير من الملفات الساخنة التي يتجنب الجانب العراقي فتحها في هذه الظروف وهي ملفات تدين الشقيقة الكويت وتحرجها وتجعل من الكثيرين الذين غطت الغشاوة أبصارهم سابقآ مراجعة حساباتهم ومواقفهم وانصاف العراق لاستعادة حقوقه بالكويت.

ومن هنا فان العرض الكويتي بخصوص شطب الديون عبر مقايضتها بالمياه غير مرحب به شعبيآ ويزيد من حنق العراقيين وغضبهم على المطالبات والمقايضات التي لا تنتهي، ولأنها مقايضة تهدف الى لي الذراع وهدفها الحصول على مقابل وهذا المقابل يهدف من النيل من كرامة العراق والعراقيين لذلك فهي مرفوضة، ثم هناك تساؤل مشروع يدور في رأس كل مواطن عراقي وكل منصف وهو عن أية ديون يتحدثون؟هل هي الأموال التي دفعتها الكويت ضريبة المحافظة على وجودها مقابل الدم العراقي الذي سال أنهارآ عندما كانت الحرب العراقيه الأيرانية على أشدها والكويت كانت على شفى حفرة في خضم تلك الحرب الضروس؟ ثم ما ذنب أن يتحمل الشعب العراقي هذه الديون التي دفعت الى النظام السابق والتي هي أصلآ أموالآ عراقية في حقيقتها.

نعم هي أموال النفط العراقي الذي أستخرج ولا زال غفلة من حقول الرميلة العراقية عن طريق الحفر الشاقولي المائل الذي كانت تقوم به الكويت لسنين طويلة وقد عَلم العراق بذلك عن طريق خبير سويدي كان يعمل في أحدى هذه الشركات النفطية التي تستخرج النفط بطريقة شاقولية غير مشروعة من الحقول المسماة (بالحقول المشتركه ) والذي قام بتسريب هذه المعلومات للعراق وكشف هذا التعدي على ثروة العراق الوطنية والتي هي ملك لكل شعب العراقي وهذا أيضآ كان سببآ من الأسباب التي أدت الى الرد العراقي الذي أستحضر التاريخ في الثامن من آب عام 1990.


أم هي تلك الديون التي تسمى بالتعويضات التي فرضت على العراق نتيجة لدخوله الكويت؟ وهي بمجملها تعويضات ظالمة فرضت لأغراض وأهداف سياسية وليست لها علاقة بالحالة بين العراق والكويت وقد ضخمت هذه التعويضات لاستنزاف العراق والضغط عليه لاحتلاله، فالتعويضات والحصار وخطوط العرض والطول كانت كلها وسائل ضغط لأسقاط النظام العراقي السابق ولا علاقة لها بأي حقوق ما للكويت على العراق.


من الخطأ الشائع الذي يقع به الاعلام العراقي وبعض السياسيين العراقيين وحتى بعض المثقفين عند تناولهم مسألة التوتر العراقي مع الكويت هو حصرهم المشاكل المهمة والملفات الشائكة واختصارها بموضوع الديون التي تطالب بها الكويت. ويهملون كل تلك الملفات البالغة الأهمية مثل الحدود، ومحاولات توتير الأجواء الداخلية العراقية، والمشاركة في العدوان على العراق وتدمير البنى التحتيه العراقيه ومحاولة حرق الذاكرة العراقيه عن طريق حرق أهم مركز ثقافي سياسي تأريخي عراقي وهو مركز دراسات الخليج العربي في البصرة والذي تم احراقه بعد أيام من دخول قوات الأحتلال الى مدينة البصرة ( وهذا المركز كان يحوي على وثائق تأريخيه مهمة وخرائط نفيسة ونادرة تثبت حدود العراق التأريخية)، وتشجيع ما يسمى بنظام الأقاليم والفيدراليه وهذا ما يحدث جليآ في البصره الآن عن طريق بعض المنتفعين والانتهازيين.

اننا مع علاقة طبيعية متوازنة مع الكويت وعلى الأخوة في الكويت اتخاذ خطوات ملموسة تقنع الشارع العراقي بأن هناك جدية من طرفهم في طي صفحة الماضي ونسيان المآسي وهو العمل الفوري على ألغاء ما يسمى بالديون والأعتراف الواضح الذي لا لبس فيه بالمطلاع كحدود مفترضه للعراق ووقف كل حملات الكراهية في الصحف ووسائل الأعلام في الكويت وعدم التدخل في اي شان عراقي داخلي عندها سوف تهدأ المطالبات التأريخية العراقية وسوف يسود الأمن والسلام المنطقة وتتعزز فرص ايجاد تكتل سياسي اقتصادي عربي يجمع العراق والكويت كأقليم.


حيدر مفتن جارالله الساعدي
[email protected]