كما في كل الحروب، لا يوجد من ينتصر، فالحرب في عمق معناها هي أتفاق طرفين/أطراف على خسارة شيء ما يجاريه توهّمٌ بكسب شيء/أشياء أخرى.


إنه لمن المحبط حقَّاً أن هذه البداهة مازالت محض فكرة غريبة يؤمن بها أناسُ قلائل في العالم quot;المتحضّرquot; والآخذ بالانحسار أمام رواج النزعات quot;الحربجيةquot;ورهاناتها الدموية والتي تحظى منطقة الشرق الأوسط بقدرٍ وافر منها، خصوصاً ونحن لحظة الحرب، لحظة تواطئ مضمر بين القاتل وquot;الضحيةquot;، في المثال الفلسطيني تبدو الضحية quot;رهينةquot; أكثر منها طرفاً يحوز كامل المؤهلات التي تمكّنه من تقرير موقعه في هذه اللعبة، نحن أمام حصارٍ وتجويع و سلطة محلية ذات طابع ميليشوي تحلم بزمان الخلافة أو على الأقل لا يعنيها quot; الراهن quot; والذي هو استحاق الكائن والعامل الأهم في تحديد كونه سعيداً أو شقياً.


إنّه عالم يديره الحمقى بلا شك! لا يقتصر الأمر على عنجهية الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته ولا على بدائية الرئيس الإيراني وبنات أفكاره النّيّرة ولا على شراهة السياسيين الإسرائيليين وحاجتهم الدائمة للوضوء بالدم الفلسطيني، بل يتعدّى الأمر حدود السياسات التي تنتهجها دول بعينها والتي - تلتزم مهما ساء الأمر- بحدود دنيا للخسارة على مستوى شعوبها، لينسحب على مناوئين وجدوا أنفسهم يقتاتون على الأزمات و لا يتحدد وجودهم دونما معارك بين الفينة والأخرى وإن كانت أمنياتهم بأن تأخذ الحياة شكل quot; معركة quot; دائمة تشبع نهمهم الأيديولجي صعبة التحقق ضمن شروط اللعبة التي ارتأوا دخولها إن لم نقل صنعها بتواطئ فطري وغير مقصود، في لعبة القتل يحدث أن يكون القاتل شريك الضحية ويحدث أن نصادف حالات من التضحية بالوكالة! ndash; تراجع هنا تجربة صدام حسين وتجارب كل من حزب الله ومؤخراً مآثر حماس.


يتحدّثون مؤخراً في معرض البشائر التي يزفّونها للجمهور اليائس عن مئات اللقاءات التدريبية التي جمعت الراحل عماد مغنية بأقطاب وعناصر من حماس، يقولون بأنه نقل التجربة كاملة إلى حماس وهذا مخزون استراتيجي quot; للمعركة quot; التي تدار من الأقبية والأنفاق، وحدها قواعد الصواريخ تنتصب بين المدنيين لاستدراج ال إف16 ! أخالني عرفت الدرس الأول و الأخير في quot; الكورس quot; الذي قدَّمه الأخير لمقاتلي حماس!


يتلخص الأمر في قدرتك على اختطاف المكان والزمان الذي تقبع فيه، والبشر كالعادة، حناجر مختطفة وكائنات محبطة يتم تحويلها لأهداف خلّبية ورهائن للمناورة، لا جدوى من الحساب هنا، فالمعركة أقدس من أن تقيم حسابات للأرواح والخسائر! تلك حسابات لا تعنيهم، فالتنمية والإعمار والتخطيط وسلامة المدنيين مفردات لاغية من قواميسهم كما أنها تشكّل خطراً يتهدد أيديولوجياتهم التعبوية،حيث لا صوت يعلو على صوت المعركة.


الخوف كل الخوف فيما لو كان quot; تلاميذ quot; حماس قد وعدوا quot; المعلم quot; الثعلب بأن يهدوه رقماً قياسياً من quot; الشهداء quot;!!.
في مغامرة تموز 2006 استطاع quot; المقاومون quot; تحقيق 1500 ضحية في صفوف أهلهم، أمّا في غزة فقد شارف الرقم على الـ1000 وما يزال الخطاب أكثر صلابةً فيما لو قورن بخطاب أصحاب quot; الانتصار الإلهي quot; آنذاك. فليستعد تجّار الأقمشة وأصحاب الحرف لمناقصات طباعة رايات النّصر وصور المنتصرين؛ بالإضافة إلى رايات حماس وحزب الله الصفراء، ربما يلزم طباعة صور لفتية آخرين مبرزين في مغامراتهم وإرسال شاشات عرض كبيرة للأخوة الحمساويين، نتساءل هنا فيما لو كان القادة المتصرين سيجدون ساحات تتسع لمهرجاناتهم.
إننا نشعر بالحزن تجاهكم يا أهل غزة فالجميع ضدّكم: قتلة إسرائيل وفتيان حماس وشعاراتنا.

إبراهيم قعدوني