بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين سنة 1948، دخلت اليها ستة جيوش عربية لتحريرها من الصهاينة، وبعد كر وفر، انتهت تلك الحرب بقيام دولة اسرائيل وهزيمة الجيوش العربية التى أطلق عليها البعض فى ذلك الحين : الأصفار الستة.

قد لا يعجب البعض ما سأسطره، ولكنى سأذكر الحقائق كما أراها، ولن ألتفت الى الذين دفنوا رؤوسهم فى الرمال، اوالذين يعيشون فى الخيالات والأوهام، أوالذين ينتظرون معجزة من السماء تعيد اللاجئين الفلسطينيين المشردين منذ أكثر من ستين عاما الى ديارهم التى استولى عليها اليهود الذين صدقوا بأن الله قد منحهم أرض فلسطين وما فيها من حليب (لبن) وعسل. ولم يتساءل أحد منهم لماذا لم يخل لهم الله أرض فلسطين من أهلها قبل أن يدخلوها ويشردوا أهلها الذين ولدوا فيها وولد فيها أجدادهم وأجداد أجدادهم؟ ويقولون أنهم (شعب الله المختار)، ولكن لا يتساءلون لماذا اختارهم الله من بين البشر فيفضلهم على بقية خلقه، وهم كلهم من صنعه وخلقهم بارادته وعلى مرامه. اليهود أثبتوا للعالم بأنهم من أذكى البشر، ولكنى أجدهم من أغبى البشر حينما اختاروا فلسطين ليؤسسوا فيها وطنا لهم، وفيها اولى الفبلتين وثانى الحرمين، و يحيط بهم 300 مليون عربي يتحينون الفرص لاخراجهم منها، ويتربص بهم أكثر من بليون مسلم فى العالم للانقضاض عليهم واعادتهم للبلدان التى جاؤوا منها.

أما الغربيون المؤيدون لقيام دولة اسرائيل، فحسب اعتقادى أنهم أرادوا التخلص منهم ومن سيطرتهم على الاوضاع المالية والأقتصادية فى بلدانهم، ومعرفتهم بأن اليهود لا يخلصون للبلدان التى نشأوا فيها، وانهم سخروا ويسخرون كل طاقاتهم للاحتفاظ بالأرض الموعودة. ومثلما يحدث عندنا فى بعض البلدان العربية فهم أيضا واقعون تحت سيطرة رجال الدين الذين حصلوا ويحصلون على الثروات الطائلة من المتبرعين من أثرياء اليهود وخاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية، اضافة الى بلايين الدولارات التى تدفعها الولايات المتحدة سنويا لأسرائيل بتأثيرمن السياسيين الأمريكيين الذين يسعون للحصول على الكراسي أو يحتفظوا بها، بكسب أصوات الناخبين اليهود. أما وسائل الاعلام فى الولايات المتحدة فان اليهود يسيطرون عليها سيطرة تامة ليس فى الولايات المتحدة فقط بل فى معظم الدول الغربية أيضا. وتقوم عاصمة السينما هوليوود بالدعاية لاسرائيل بعدة أفلام فى كل عام، و بصورة غير مباشرة فى معظم الأفلام التى تنتجها، فهم يظهرون اليهود فى عدة لقطات فى كل فلم وكأنهم أخلص الناس لأمريكا ومندمجين بالمجتمع الأمريكي اندماجا كليا. أما الإعلام العربي فمشغول بكيل الشتائم وتبادل التهم.

اليهود عرفوا كيف يكسبون الرأي العام الأمريكي والعالمي، وصوروا لهم بأنهم مستضعفون ومستهدفون من قوى الشر فى العالم، ويعيدوا ويكرروا ما حصل لهم من اضطهاد من النظام الهتلري النازي وهوما أطلقوا عليه (الهوليكوست) من حرق اليهود من قبل الألمان فى المحارق، وأصبح هذا موضوعا مقدسا (تابو) لا يمكن لأحد أن ينكره أو يقلل من شأنه والا فمصيره السجن فى أمريكا ومعظم البلدان الغربية.

هل تجرأ أحد فى الكونغرس الأمريكي على الاستفسار من الحكومة الأمريكية عن المبالغ الباهضة التى تكلفتها الخزانة الأمريكية والفرد الأمريكي منذ نشوء فكرة اقامة الدولة اليهودية حتى اليوم؟


ان رئيس الولايات المتحدة الذى يسمونه أقوى رجل فى العالم، لا يزيد فى حقيقته عن لعبة باليد الصهيونية شاء أم أبى. الجنرال آيزنهاور الذى قاد جيوش الحلفاء فى أوروبا فى الحرب العالمية الثانية، ثم انتخب رئيسا للولايات المتحدة، زاره فى أحد أيام رئاسته وفد يمثل الدول العربية. وأخذ أعضاء الوفد يشرحون له باسهاب أحقية العرب بفلسطين، وان اليهود مغتصبون وقد طردوا وشردوا الفلسطينيين من بيوتهم، وطرحوا البراهين الكثيرة لتأييد ما ذكروه. أنصت اليهم ايزنهاور بأدب ولما فرغوا قال لهم بأن ذلك الكلام يجب أن يقال للشعب الأمريكي والكونغرس الأمريكي، وانه كرئيس دولة ديموقراطية لا يمكنه فرض رأيه الشخصي على الشعب الأمريكي ومؤسساته الديموقراطية كما يفعل العرب. ولم يحراي من أعضاء الوفد جوابا وغادروا بخفي حنين.

تعداد الدول الاعضاء فى الجامعة العربية يبلغ اثنتين وعشرين دولة. وكل حكامها يدركون أنهم لا قبل لهم بمجابهة اسرائيل عسكريا حتى وان لم تقف الولايات المتحدة الى جانبها. وكلهم يدركون أن حربا واسعة النطاق مع اسرائيل قد تسبب كارثة بشرية فى الشرق الأوسط، وتسبب فى هلاك عشرات الملايين من السكان، ودمار شامل فى المنطقة، فهل يعقل أن يشن أحد منهم الحرب على اسرائيل والنتيجة معروفة مسبقا؟ لماذا لا يصارح الحكام العرب الشعب الفلسطيني بالحقيقة المرة و بأنهم عاجزون عن مقارعة اليهود، وان عليهم التفاوض مع اليهود للحصول على أكثر ما يمكن من حقوقهم المهضومة؟. ما يحدث هذه الأيام فى غزة هو قتال وحشي يحصد أهلها حصدا وخاصة المدنيين منهم دون تمييز، وأكثر من ثلث القتلى هم من النساء والأطفال، بينما يقبع قادة حماس فى ملاجىء تحت الأرض يصدرون الأوامر باستمرار القتال، و يقوم قادة آخرون منهم يسكنون فى لبنان وسورية من أمثال خالد المشعل بتشجيعهم على القتال وان العدو الاسرائيلي على وشك الأنهيار.

لقد انتهى عهد العنتريات والدونكيشويات للزعماء العرب الذين وصلوا الى الحكم عن طريق الادعاءات الفارغة بأنهم سيزيلون اسرائيل من الوجود. ولا ننسى يوم قال جمال عبد الناصر بأن لديه صواريخ تصل لجنوب لبنان، وقامت الحرب ولم نسمع بوصول تلك الصواريخ الى اسرائيل. وبعده قال صدام حسين بحضور العقيد القذافي بأنه سيحرق نصف اسرائيل اذا ما هاجمت أي بلد عربي. وعندما نشبت الحرب عام 90/91 يقال أنه أطلق 29 صاروخا من نوع (سكود) باتجاه اسرائيل، فجرح بضعة أشخاص ولم يقتل أحدا ولم يحرق مترا مربعا واحدا من اسرائيل.

كان الشاه يحكم ايران بيد من حديد، ولكن مع كل مساوئه فانه كان أفضل للأيرانيين من نظام الملالي الحالي، وخاصة حينما يهدد أحمدي نجاد بحماقة بمحو اسرائيل من الخريطة، ولكن المرجو أن يكون كلامه من باب الدعاية فقط، لأنه ان فعلها وضرب اسرائيل بالصواريخ، فستدمر اسرائيل ايران ولن ينجو العراق من شررها. أحمدى نجاد لا يكف عن تشجيع حماس على الاستمرار فى الحرب الغير متكافئة مع اليهود فى غزة، كما فعلها سابقا مع حزب الله فى لبنان حيث ورطهم بحرب جلبت الدمار والمآسي على اللبنانيين. وهو يبذل كل جهده على تحريض البلدان العربية الأخرى على خوض الحرب مع اليهود، ليجنى هو وحده ثمارها.

الحرب ليست مظاهرة سلمية عابرة، الحرب تعنى الموت والدمار، الحرب تعنى فقدان الأحبة، الحرب تؤدى الى عاهات بدنية مستديمة ومعاناة طويلة أليمة، الحرب تعنى انقطاع الماء والكهرباء والجوع والعطش، وما تخربه الحروب فى ساعات يصعب اصلاحه فى سنوات. ولذلك أطلق عليها العرب اسم (الكريهة).

عاطف العزي