أستطيع اختصار الطريق على القراء الأعزاء و أجيب على السؤال التالي: ماذا يمكن أن يفعله سركوزي في الشرق الأوسط ؟ بجملة واحدة كافية وافية هي : '' لا شيئ.. !'' لكن الأهم في رأي هو شرح الأسباب و تحليل الدوافع التي تجعلني أُقدم مثل هذه النظرية ليست المتشائمة وإنما الواقعية. صحيح أن الرئيس الفرنسي نيكولا سركوزي قد أبدى منذ وصوله للحكم ''برغماتية'' شديدة في سياسته الخارجية، حتى اعتبر كمن أحدث ثورة و قطيعة عميقة في الدبلوماسية الفرنسية حين قّرر وضع يده في يد من كان يصفهم ''بالإرهابيين'' و ''المارقين'' في الأمس القريب، فهو من تحّدى المنظمات الحقوقية ورأيه العام حين استقبل الزعيم الليبي ''معمر القذافي'' و خيمته الشهيرة في حدائق الاليزيه منهيًا بذالك فترة الحصار التي فرضها المجتمع الدولي على ليبيا من أجل 10 مليارات مليار يورو من المشاريع، وهو أيضا من دعا الرئيس بشار الأسد لباريس ممّهدا لعودة سوريا للساحة الدولية بغرض إنجاح مشروعه ''الإتحاد من اجل المتوسط'' و صحيح أننا نراه الآن في كل بقعة من العالم بها نزاع ينّط فيها ''كعفريت اللعبة'' محاولاً فرض دوره كزعيم أوروبي جديد لا غنى عنه. وقد يتهيأ لنا أيضاً أن العلاقات الطيبة التي تجمع الفرنسيين بالأطراف العربية : مصر ولبنان والآن سوريا والسلطة الفلسطينية التي تعتبر فرنسا من أهم مانحيها، قد تشفع له في مسعاه للبحث عن طريق للسلام، لكن الحقيقة هي أن محاولات الرئيس الفرنسي ليست سوى سّد لفترة الفراغ التي تسبق وصول الإدارة الأمريكية الجديدة بل ولنقل ''فسحة الفئران'' التي راحت تلعب في انتظار عودة القط ( الأمريكي).


فعلاوة على أن فرنسا لا تملأ عين إسرائيل، فهي ومن وراءها المجموعة الأوروبية لا تريد أن تضغط على إسرائيل أكثر، بل أنها تأمل في سرّها من أن تخلصها هذه الأخيرة من حركة ''حماس'' التي تعتبرها هي والولايات المتحدة الأمريكية منظمة ''إرهابية'' وترفض التفاوض معها على هذا الأساس. و لو كانت أوروبا تنوي الضغط على إسرائيل في هذه الفترة لما أمضت معها اتفاقية شراكة هي الأولى من نوعها يوم 9 ديسمبر الماضي أي أسبوعين فقط قبل انتهاء الرئاسة الفرنسية للإتحاد الأوروبي دون أن تطالبها بأي مقابل، و كانت قد منحتها بموجبها صفة ''الشريك المميز'' بحيث تستطيع المشاركة في كل المحادثات و المشاريع الأوروبية دون أن تفرض عليها أية شروط، و لا حتى محاسبتها على تدمير المرافق الحيوية بغزة والتي ساهم المال الأوروبي في تشييدها حتى لم يبقى منها شيء يذكر، وهو الضمان الذي انتزعته ''تزيبي لفني'' من ''كوشنير'' بسهولة و دون أن يأخذ في يدها ساعة من الزمن، بينما حُرم الفلسطينيون ومنذ الانتخابات التشريعية سنة 2006 من مساعدات الإتحاد الأوروبي و هذا رغم تحذيرات المنظمات من تدهور الأوضاع الإنسانية في الأراضي المحتلة جراء هذا ''العقاب الجماعي''.


المؤكد هو أن سركوزي الذي يصفه بعض معارضيه تهكماً ب''برزيدون دو موند'' أي رئيس العالم هو الآن بصدد فرض صفته الجديدة ''كحّلال أزمات'' لا غنى عنه في أوقات الشّدة، لكنه لن يساهم في أكثر من دعم الأطراف المعتدلة: محاولة إخراج مصر من المأزق الذي وُضعت فيه و إعادتها إلى دورها التقليدي كوسيط، وتقوية ظهر محمود عباس كشريك أساسي في عملية السلام و لن تتعدى مبادرته مرحلة التمهيد لمفاوضات قد تضطر الإدارة الأمريكية الجديدة إطلاقها سريعا تحت وطأة التصعيدات الجديدة و للأسف في انتظار هذا الباليه الدبلوماسي لا تزال جرائم إسرائيل مستمرة..

أنيسة مخالدي

باريس
[email protected]