على هامش الجدل المـُثار حول محاضرة السيد حسين الشامي التي نقلتها قناة quot; الفيحاء quot;، لوحظ نوع من الخلط المتعمد أو التلقائي من قبل أطراف غير شيعية مشاركة في هذا الجدل، بين الشعائر الحسينية كعبادة دينية ترقى شرعا ً ndash; حسب المذهب الجعفري ndash; إلى مستوى المستحب المؤكد، وكممارسة وطنية تمنح المشاركين فيها نوعا ً متميزا ً من اللـُّحمة والتماسك والهوية الراسخة وسط محيط متلاطم من الإنتماءات المختلفة، وبين بعض الإضافات و quot; الزيادات quot; الطارئة أو الدخيلة على هذه الشعائر، والتي تطمح النخب الشيعية المثقفة أو المتعلمة إلى الإقلال من التركيز عليها إعلاميا ً، في عصر القرية العالمية الكبيرة، أو تشذيبها وتهذيبها وحصرها في نطاقات ضيقة، إن لم يكن ممكنا ً بالنسبة لبعض quot; المدمنين quot; عليها الإقلاع عنها تماما ً.
في منظوري، وأنا هنا لاأحاول قراءة دخيلة السيد الشامي، إنه كرجل دين راسخ العقيدة وكشيعي مستنير، لم يكن يدعو بحال إلى quot; إلغاء quot; الشعائر الحسينية، وليس له ذلك البتة. لكنه كان يحاول توسيع دائرة الهدفية بالنسبة إليها، اقتفاءا ً لأثر أئمة أهل البيت الذين أخذنا عنهم أساسيات المذهب الجعفري، لاغيرهم.
فقد عرف المسلمون الشيعة أولى صور الشعائر الحسينية لدى الإمامين جعفر الصادق وعلي ّ الرضا عليهما السلام. إذ كان الصادق يرتدي السواد ولايـُرى ضاحكا ً منذ أول يوم من أيام شهر محرم. وكان الرضا يعقد في الشهر نفسه مجلسا ً تأبينيا ً يدعو فيه الشاعر الشهير دعبل بن علي الخزاعي إلى إلقاء قصائده التي نظمها بهذه المناسبة ويحث المشاركين في المجلس على استذكار
شهادة الإمام الحسين واستخلاص العبر منها.
والمعروف، ولعلّ الكثيرين يحاولون تناسي هذا الأمر المعروف، أن المسلمين الشيعة يعتبرون سيرة أئمة أهل البيت استمرارا ً لسنة النبي. ولذلك فقولهم وفعلهم وتقريرهم ( سكوتهم عن شيء ما وعدم مخالفتهم له ) سنة بالنسبة لنا نحن الشيعة، لايمكننا مخالفتها أو العمل على النقيض منها. وهذا ليس بالأمر المستغرب. فالمسلمون السنة أيضا ً يعتبرون quot; سنـّة quot; الصحابة استمرارا ً لسنة النبي. فهم ndash; مثالا ًً لا حصرا ً ndash; يمارسون quot; صلاة التراويح quot; في شهر رمضان اقتداءا ً بالخليفة عمر بن الخطاب، رغم أن هذه الصلاة لم تكن موجودة في عهد النبوة.
وهكذا، فلاينبغي أن تؤخذ محاضرة السيد حسين الشامي في قناة quot; الفيحاء quot; ذريعة للتحبيذ على الشيعة quot; إلغاء quot; شعائر عاشوراء، التي تعدُّ ndash; وفق مذهب أئمة أهل البيت ndash; ركنا ً أساسيا ً من أركان العقيدة، وشعيرة هامة من شعائر العبادة.
وليطمئن من يريد أن يطمئن أو لايطمئن ؛ فمادام هناك شيعة ( كائنا ً من كانوا : متدينين أو لادينيين، شيوعيين أو قوميين أو لبراليين، كـُرداً أو عربا ً أو تـُركا ً أو فـُرسا ً أو إنكليزا ً أو يابانيين ) فستكون هناك أيضا ً شعائر عاشوراء، أو شعائر الحسين. فقد عشق هؤلاء القوم الحسين، وجعلوا تضحيته الكبرى عنوانا ً لحركاتهم الإصلاحية والثورية والمبدئية على امتداد التاريخ. وهم يكادون أن يصابوا بـ quot; جنون quot; مقدس طوال ثلاثة عشر يوما ً، تبدأ منذ اليوم الأول من المحرم، وتنتهي في اليوم الثالث عشر منه ( الذي شهد دفن جثمانه الطاهر )اقتداءاً بالبطل عابس بن شبيب الشاكري أحد شهداء كربلاء، الذي نقل عنه قوله : quot; حـُب ُّ الحسين أجنـّني quot;.
فمن يعرف الحسين ولا يـُجـَنُّ في حبـّه لاعقل له!
علاء الزيدي
التعليقات