اعتبارات فنية هي التي دفعتني لاقتصار العنوان على هذه العبارة لأنني أردت التركيز على أهمية العلمانية كعنصر مكمل للديمقراطية لان ديمقراطية بلا معايير ربما تمثل انتحارا سياسيا أكثر من كونها وسيلة لتداول السلطة ف بلد كالعراق عانى طويلا من البؤس والتخلف وحكم في معظم أحقابه من حكومات دكتاتورية ليس بمقدوره أن يؤسس تجربة ديمقراطية لوحده أو يسير بها نحو النجاح مالم يكن هناك دستور واضح وشفاف يخدم هذا الغرض وقوانين تدعم الحراك الديمقراطي وما يحصل في العراق أو ماحصل هو خير تأكيد على أهمية ذلك حيث كان بالإمكان لجم الكثير من النكبات والأخطاء لو صيغ الدستور صياغة مناسبة ولو اعتمد معيار الكفاءة في توزيع السلطات ونظمت الحقوق والواجبات وفق معيار المواطنة لكن عدم اعتماد الصياغة المناسبة وترتيب البيت السياسي بما يضمن سلامة البناء الديمقراطي وضع البلاد على مفترق طرق وحرك الكثير من عوامل الاضطراب التي كادت تعصف بكل منجز وتنسف كل مكسب الأمر الذي يدعونا إلى مراجعة هذا الأمر لضمان سلامة المسار الذي نعول عليه في الوصول إلى المنجز الديمقراطي وهذا الأمر لن يحصل على الأرجح من قبل النخب السياسية الحالية التي لا تريد بالتأكيد أن تفرط بعملية قدمت لها الكثير من المكاسب ودرت لها الكثير من الأرباح والفوائد فيما يشكل التغيير مغامرة غير محسوبة العواقب ربما ينجم عنها مشاكل غير مسبوقة هذا أن لم يزعزع العملية السياسية ذاتها وبالتالي لايمكن لأحد أن يقوم بهذا الأمر مالم يكن قادرا على لجم تأثيراته الخطيرة واحتواء أبعاده المتعاكسة وهو أمر قد لايتوفر إلا لطرف واحد هو الطرف الأميركي لما يمتلكه من إمكانيات هائلة غير موجودة عند سواه وربما بإمكان الإدارة الديمقراطية لعب هذا الدور من منطلق حرصها على تغيير سياسة سابقتها الإدارة الجمهورية الممثلة بالرئيس بوش ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ والبلاد تسير نحو استكمال سيادتها ألا يعد أي تدخل أميركي بمثابة انتهاك لهذه السيادة؟ ثم ماهي الوسائل التي يمكن بها تحقيق هذا الغرض؟ بطبيعة الحال لايمكن لأميركا أن تمارس نفس الدور االذي مورس في السنوات السابقة لكنها مازالت تمتلك بعض الأوراق من منطلق كونها حليفة للوضع الجديد في العراق ولهذا السبب بإمكانها دعم القوى العلمانية التي ترفض أن يوضع الدين في قارب الدولة أو توضع الدولة في قارب الدين فيتحول العراق إلى بلد متنابز يموج بالكره والحقد فليس المهم أن نمارس الديمقراطية بل أن ننجح في ممارستها لان الديمقراطية لوحدها لاتكفي وربما يتحول العراق بموجبها إلى بؤرة للإرهابيين والمتطرفين إنما لابد من إقرانها بالعلمانية التي ستمنع استغلال الدين لمآرب سياسية فقد استخدمت الأحزاب الحالية الدين لخداع الناس ولا نريد أن يتكرر الأمر كثيرا سيما بوجود غالبية من البسطاء والأميين الذين يؤثر فيهم الخطاب الديني لأنهم لايفهمون العملية الديمقراطية إلا كوسيلة لنصرة الدين أو الطائفة وبالطبع يمكن أن يتغير هذا الأمر بزيادة وعي المواطن إلا أن الأمر قد يستغرق أمدا طويلا وربما لايتحقق تماما على المدى المنظور لان الإرث الديني والعشائري مازال فاعلا ويشكل كابوسا يصعب رفعه ما يطرح ضرورة وضع قوانين وقواعد تحجم من تأثير هذا الموروث ليتحقق الهدف من العملية الديمقراطية وهذا الأمر قد يحتاج إلى ضغط أميركي والى دعم كاف للإطراف العلمانية بحيث يمكنها أن تنافس الآخرين الذين يضعون الموروث شعارا لهم ويعتمدون عليه في نجاحاتهم فليس بالديمقراطية وحدها ينجوا العراق.

باسم محمد حبيب