بلد ارتبطت به المتناقضات الحضارة الأولى مع أعلى القيم البدائية والوحشية أولى أنظمة الحكم السياسية مع أسوا حالات الفوضى والانفلات أولى الأفكار الإنسانية الناضجة مع أقسى الأفعال والسلوكيات المنحطة أولى الأديان والقوانين مع أعلى أشكال الفوضى والغوغائية بلد يحكمه السيف والبندقية وتتقاذفه أيدي المستبدين يعيش في الفقر وهو غني وفي الضعف وهو قوي أصبح محط للغزاة ومغنم للدهاة يثور على من يعدل وينصاع لمن يظلم وهو ما عبر عنه ذات مرة احد حكامه علي بن أبي طالب حين قال : (لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيضا وجرعتموني نخب التهمام أنفاسا وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان) نهج البلاغة، ص66.) حيث واجه هذا الحاكم العادل من الشقاق والمعاندة ما جعله يتمنى لو لم تلده أمه وكان نسيا منسيا فيما تمتع غيره من الحكام القساة بحكم طويل وعيش رغيد تحت ضل جبروتهم وطغيانهم كما حصل مع الحجاج بن يوسف الثقفي الذي حكم عشرين سنة وخالد القسري الذي حكم خمسة عشر سنة كانت بحسب المؤرخين من أسوا ما مر به العراقيون طوال تاريخهم الذي يمتد للآلاف السنين والملاحظ أن الدولة في العراق غالبا ما تتأسس من الخارج حيث تأتي إلى البلد أقوام غازية لتأسس سلطتها فيه وتبدأ الصراع مع السكان المحليين من اجل فرض هيمنتها الثقافية عليهم ما يجعل البلد يموج بتغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية كبيرة وقبل أن تبدأ الأمور بالاستقرار التدريجي يأتي غزو جديد ليقلب الهدوء إلى فوضى والأمان إلى خوف فالعراق المحاط بثلاث هضاب كبيرة من الشمال والشرق والغرب أو الجنوب كان على الدوام هدفا مكشوفا لموجاتها البشرية المتلاحقة ابتداءا من الاكديين و الاموريين الجزريين مرورا بالكشيين الهندواوربيين ثم الآشوريين والكلدانيين وهم من أقوام الجزيرة العربية ثم الفرس واليونانيين وهم من الأقوام الهندواوربية ثم العرب والمغول والترك العثمانيون وكل موجة بشرية غازية كانت تسعى لنهب الخيرات والتمتع بالمغانم تاركين السكان يعيشون في ظل المرض والجهل والجوع حيث أصبحت هذه الحالة أشبه بقانون عام يعيشه العراقيون دائما ( المقصود بالعراقيين هنا كل الشعوب العراقية الأصلية والوافدة ونحن هنا نفرقهم عن المجموعة الغازية التي ما تلبث وتغدو جزءا من النسيج العام للسكان ) كأنه قدر لا فكاك منه إلى أن جاء البريطانيون الذين تمتعوا بقلب حضاري جعلهم ينهضون بمهمة بناء هذا البلد المنهك تلك المهمة الشاقة المرهقة التي وصفها تشرشل بلحظة جنون حيث قدمت بريطانيا لأجل ذلك عشرات الآلاف من القتلى والجرحى مع ملايين الجنيهات الإسترلينية ابتدءا من لحظة تحرير العراق من العثمانيين إلى إنشائهم أول حكم وطني عراقي تشهده البلاد منذ قرون وبدلا من أن يحتفي العراقيون بهذا الحدث الكبير ويردوا الجميل لبريطانيا تعاطفوا مع جلاديهم العثمانيون وقاتلوا معهم بل وثاروا في ثورة عشائرية كبيرة أحرقت الأخضر واليابس وكادت تدفع بريطانيا إلى الهرب وترك مهمة بناء العراق المكلفة لولا وجود العقلاء الذين أصروا على إكمال المهمة و المغامرة مع هذا البلد المضطرب حيث اختاروا لحكمه أسرة غير عراقية هي أسرة الشريف الحسين بن علي ذات الأصل الحجازي الأمر الذي دل على بعد نظر كبير على الأقل بخصوص هذا الاختيار الذي لو جرى مع شخصية عراقية لما حاز على هذا الإجماع الذي حازه فيصل بن الحسين إلا أنهم تسرعوا بإعطاء إدارة العراق إلى أهله غير المؤهلين في وقت مبكر ليكون إشرافهم عليه من بعيد تلافيا لأي صعوبات مرهقة وخسائر مكلفة فعقدوا معاهدة 1930 التي جعلت العراق أول دولة عربية تدخل عصبة الأمم على أن يبقى مدعوما من بريطانيا متحالفا معها على أمل أن يستمر بناء العراق إلا أن الأمور لم تجري حسب المأمول لان هذه المسافة من التحالف لم تكن كافية لضمان استقرار العراق بل كانت مناسبة لمجيء المتهورين والطائشين ليبدءوا مغامراتهم المدعومة غالبا من دول أخرى كما حصل مع مغامرة بكر صوبا شي الذي دشن بها سيل الانقلابات العربية عام 1936 ثم حركة الكيلاني ndash; الحسيني عام 1941 لنصرة ألمانيا ضد الحليفة بريطانيا ! في الحرب العالمية الثانية والتي دفعت تشرشل إلى قول عبارته الشهيرة ( العراق ياله من بركان ناكر للجميل ) دلالة على غدر السياسيين الذين جاءت بهم بريطانيا إلى السلطة اثر احتلالها للعراق خلال الحرب العالمية الأولى واليوم يبدوا أن التاريخ يعيد نفسه لاسيما بخصوص الاتفاقية العراقية الأميركية التي يبدوا أنها تواجه ما واجهته الاتفاقية العراقية البريطانية من معاكسات بالنظر لتباين الخلفيات السياسية والأيدلوجية للسياسيين العراقيين ما يعيد إلى الأذهان سيناريو الإخفاق الذي تلا انتهاء مفعول تلك المعاهدة عام 1955 بحصول (انقلاب _ ثورة ) 1958 التي أطاحت بالديمقراطية المتخبطة والمحدودة للدولة العراقية آنذاك لتضع العراق تحت سيطرة العسكر إلى مجيء الاميركان عام 2003 الذين شاءت صدف التاريخ أن يغوصوا هم أيضا في البركان العراقي ليواجهوا ما واجهته بريطانيا من تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة حيث يتسابق سياسيو العراق لإرضاء الدول المجاورة على حساب مصلحة الشعب العراقي حتى في مسالة مصيرية ك الاتفاقية العراقية الأميركية حتى أصبح العراق كرة يتقاذفها من لا يهمه الا بطنه ومصلحته ومن يقدم مصلحة الغير على مصلحة الوطن ومن يؤمن بالشعارات الفارغة ومن تتغلب عاطفته على عقله وهؤلاء لايمكنهم أن يبنوا العراق أو يقدموا له الشيء الكثير و احسب أن بوش سوف يردد سرا أو علانية كلام تشرشل انف الذكر أو يزيد عليه : أيها العراق يالك من بلد غريب

باسم محمد حبيب