مازلت استغرب جديا هذا البرود في التعامل مع داء خطير كداء الفساد الذي يشكل- من وجهة نظري المتواضعة - العامل الحاسم في تقرير مدى نجاح الحكومة بل وفي براءتها مما قد ينسب لها من تقصير وإخفاق واتهام فتعامل الحكومة مع الفساد يجب أن يتجاوز سقف تعاملها مع الإرهاب لسبب بسيط وهو أن موقفها من الإرهاب سوف ينظر له على انه مجرد دفاع عن النفس وعن المكاسب لا أكثر بغض النظر عن قيمة ذلك بالنسبة للواقع الأمني الذي لايخفى على احد تحسنه الكبير بل وفي الدور الذي اضطلعت به الحكومة في هذا التحسن الذي لم يبلغ على أي حال الدرجة المرضية فيما سيعد تعاملها المتشدد مع الفساد دليلا قويا على أداءها النزيه وعلى اهتمامها بحماية مصالح وثروات الناس من منطلق مسؤوليتها المهنية والوطنية وسيعد هذا التعامل شهادة تقييم حقيقية لمستوى أداء الحكومة ولدورها الحيوي في دعم سلطة القانون وبناء دولة مدنية عصرية يتمتع فيها المواطن بكامل حقوقه بعيدا عن التهميش والإقصاء ومهما يقال من أن الفساد أقوى من الحكومة أو أن إمكانياتها ليست بقدر حجم الفساد فان ذلك لايبراها ولا يضعها في مأمن من الوقوع تحت طائلة القانون لان القانون فوق الجميع ومن حق المواطن الاحتكام إليه من اجل محاسبة الجهات الحكومية المقصرة فمواجهة الفساد هو أمر ضروري لدعم بناء الدولة الجديدة ولإبراز اختلافها عن الدولة السابقة لان منجز التغيير الذي قد تطرحه الحكومة والقوى المشتركة في العملية السياسية ليس منجزا عراقيا ومن الضروري عمل شيء جديد يشعر العراقيين بالاطمئنان على مستقبلهم وبان هذه القوى جاءت لمصلحتهم ولا اعتقد أن هناك سبيل لإثبات ذلك غير سبيل الأفعال لان الناس ملت من الأقوال والشعارات الجوفاء ولم تعد تثق بمن يرددها. أن تحميل البرلمان والحكومة مسؤولية استفحال الفساد لايعني بأي حال أن هؤلاء مفسدون بل يعني أن عليهم بذل جهود كبيرة لمواجهة الفساد الذي أصبح من الخطورة بمكان بحيث بات يهدد البلد بأسره وان أي فشل أو تهاون في هذه المواجهة سيكون له تبعات خطيرة ليس اقلها التشكيك بسلامة العملية السياسية وبسلامة أقطابها وإلا من يصدق أن الدولة عاجزة عن محاربة الفساد وهي قد نجحت إلى حد ما في محاربة الإرهاب وتحجيم خطره ومن يمكنه أن يقبل تبريرات الحكومة حول هذا الفشل أيا كانت قوة هذه التبريرات لان الفشل هو بحد ذاته تهمة وهو مدعاة للمحاسبة أكثر من غيره وعليها أن تدرك بان حقوق الشعب العراقي لايمكن ان تضيع وسيأتي اليوم الذي تثار فيه كل الملفات التي لايتم حسمها قضائيا وبالتالي على الحكومة ان تعمل بكل ما أوتيت من قوة لمواجهة هذا الداء الخطير وان تستخدم في مواجهته كل الوسائل المشروعة ففي هذا فقط يمكنها ان تقنع الناس بأنها بريئة من الفساد. ان على الحكومة بمختلف مؤسساتها الرئاسة ومجلس الوزراء ومعهم البرلمان وجهاز القضاء عليهم ان يدركوا ان الصمت لا ينهي القضية وأنهم سيبقون في نظر الناس متهمين إلى ان يثبتوا فعاليتهم في مكافحة الفساد.

باسم محمد حبيب