ما أعلنه المرشد الإيراني الأعلى وولي إيران الفقيه السيد علي خامنئي من أقوال واضحة بعد منعه للمتطوعين الإيرانيين للقتال في غزة، ليس مجرد نقلة نوعية في كشف حقيقة السياسة و التوجهات الإيرانية فقط، بل أنه تأكيد رسمي و شرعي بإن النظام الإيراني يمتلك من الذكاء الستراتيجي و من غريزة حب البقاء و من قياس مدى قوة و إتجاه الرياح العاصفة ما يجعله نظاما براغماتيا حقيقيا منفصلا بشكل كامل عن كل السياقات الدعائية و المذهبية و الفكرية التي يحاول إظهار نفسه بها!!،

لقد كان الخامنئي يتصرف بمنطق رجل الدولة المسؤول و بعيدا كل البعد عن أية شعارات دينية أو مذهبية كان يمكنه إطلاقها و حشد الدعاة و الأنصار من أجلها، و لكنه في ساعة الضيق و الشدة و الإمتحان الحقيقي فضل مصلحة الدولة الإيرانية على شعارات الثورة الإسلامية الأممية و أكتفى بالطلب من المؤمنين بالدعاء و التوسل و الرحمة فقط لا غير، و لم يدع أبدا لحرق إسرائيل أو نصفها أو ربعها كما فعل مثلا حاكم العراق السابق صدام حسين و الذي فضل فيما بعد الإبتعاد عن الحدود الغربية للعراق حيث تقع إسرائيل و التوجه صوب الجنوب حيث تقع دولة الكويت و المملكة العربية السعودية ليطالب من هناك بتحرير فلسطين و إلا فإنه لن ينسحب من الكويت!! و كأن الكويت مقاطعة إسرائيلية!! أو لكأن الشعب العربي الكويتي المسلم هم من يهود روسيا أو بولندا!!؟

الخامنئي بخطابه الواضح الأخير قد كشف المخبوء و أبان على الملأ عن الطبيعة الحقيقية للخطاب الفكري و السياسي و العسكري الإيراني حيث أقصى درجات الردع و التخويف و التهديد لدول الجوار العربية المسلمة و الهدنة مع ( الغرب الكافر و الإستكبار العالمي )!! بل و التعاون الحثيث كما حدث في حربي أفغانستان و العراق، كما أن النشاط التبشيري و الجهد الإستخباري و العسكري و اللوجستي الإيراني معتمد أساسا على أسلوب التبشير و التعبئة و الحشد و التنظيم للخلايا العلنية و السرية و للجيوش الطائفية التي تسرح داخل دولها و تشتت وحدة قرارها الوطني و تكون كعب أخيل إيراني في الخاصرة الأمنية لتلك الدول، الخامنئي رغم أنه نائب الإمام الغائب و الولي الفقيه الجامع للشرائط والممتلك لجيوش جرارة و طاقات شعبية هائلة و موارد ضخمة لم يعمد أبدا للغة الغيبية و الإعتماد على النصرة الآلهية عبر وقوف الإمام المهدي المنتظر كما يقول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في خطبه للقتال مع الجيش الإيراني!!!

بل أنه و من خلال مركزه الديني ووظيفته الشرعية إبتعد تماما عن الخوض في مثل تلك الأمور الغيبية التي لم ترد على لسانه أبدا، فهو رجل سياسة قبل أن يكون رجل فقه، وهو خلال سنوات الحرب مع العراق و من خلال مناصبه السابقة كإمام لجمعة طهران أو كرئيس للجمهورية كان حاضرا في جبهات القتال و يرى بعينيه ما تعنيه الحروب و ماهية الحروب فضلا عن تكاليفها و بسبب حماقات نظام صدام البائد العسكرية و السياسية تمكن النظام الإيراني الحالي من توطيد دعاماته و مرتكزاته الأمنية و السياسية بعد تصفية المعارضة الوطنية الإيراني بالكامل و بناء نظام ثيوقراطي أمني محكم تتحكم به غريزة البقاء و التمسك بالسلطة كأي نظام ثيوقراطي عبر التاريخ فمثلا بعد قيام الدولة العباسية كان القائد العباسي داود بن علي يقول لن نسلم الخلافة إلا للمسيح المنتظر!!!

أما نظام إيران الحالي بكل عمائمه و رموزه و تياراته المحافظة أو الليبرالية البراغماتية فهم في عمل دؤوب من أجل إستمرار نظامهم حتى ظهور الإمام المهدي!!؟ أي إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها!! و هم بالتالي يعلمون تماما حدود قوتهم التي لا تتجاوز تهديد الجيران الخليجيين بقوارب الحرس الثوري المطاطية التي يهددون بواسطتها بإغلاق مضيق هرمز الستراتيجي و ببعض الصواريخ التي معدة لتخريب بعض المنشآت الصناعية و النفطية و محطات تحلية المياه في دول الخليج العربي!!، أما السلاح الآخر فهو ( الدولارات المباركة ) التي تتهاطل على الرفاق في لبنان و حيث يرتع أهل ( حزب الله ) بفوائض الخراج الإيراني و يبني إمبراطوريته فوق أطنان الشعارات و الصواريخ المعدة للتصدير و تفجير الحالة اللبنانية، و الخامنئي يعرف جيدا بإستحالة وصول المقاتلين الإيرانيين حتى لو رغب للأراضي الفلسطينية إلا من خلال الأراضي السورية!!

وهذا النوع من الزوار لا ترحب به دمشق لأنهم يفضلون تجار ( الفستق و النعل البلاستيك ) على المتطوعين!! خصوصا و أن نظام دمشق سيقاتل حتى آخر عنصر مخابراتي لحماية حدود الشقيقة إسرائيل!! لأنهم أي ضباط المخابرات السورية وحدهم من يحدد وقت و زمان المعركة بعد الوصول لحالة التوازن الستراتيجي الذي سيتحقق حتما في زمن المشمش!!، لقد أزاحت كلمات الخامنئي الصريحة و الواضحة و الصادقة كل أوراق التوت عن طبيعة السياسة الإيرانية الحقيقية التي تخطط للهيمنة على العراق من خلال مجموعة الأحزاب التخادمية المعروفة و من خلال الأساليب البرمكية المعهودة و عبر خلق مناطق توتر و هشاشة طائفية مقيتة يتسلل من خلالها الخطاب الفكري الإيراني الذي أضحى اليوم عاريا تماما و يا ربي كما خلقتني!!!... فشكرا لك يا سيد خامنئي لأنك قد وضعت النقاط على الحروف..!

داود البصري

[email protected]