الحديث عن تعويضات العراق المالية للكويت يثير الشجون والأمتعاض بقدر مايثير النقمة بين الاوساط الشعبية والرسمية العراقية، على مجلس الأمن الدولي وقرارته المتعاقبة والمتلاحقة المُتخذة عام 1991 بشأن تلك التعويصات وأستحقاقاتها. وقبل التطرق الى أي نص من نصوص القرارات التي وضعتْ العراق شعباً وحكومة على حافة الأفلاس، تحت طائلة الأذعان للقرار المجحف، لابد من الأشارة الى أن القرارات الأخرى التي صدرت في حينها، كالتفتيش عن أسلحة دمار شامل وترتيبات المراقبين الدوليين وقيود ممارسة التجارة الحرة وحرية التصدير والأستيراد وقرارات المقاطعة الأخرى، كانت (هذه القرارات التي أنتقلت لأسباب سياسية من نقيض إلى نقيض) قد تهاوت وزالت أسباب شرعيتها ومفعول قانونيتها بسقوط النظام عام 2003.


وبالرجوع الى مقالي السابق في أيلاف بشأن المشاكل المالية مع الكويت فأننا نعتقد بأن الحكومتين العراقية والكويتية قد تجدان الكثير من المواضيع التي ينبغي أن تثار وتُناقش بموضوعية في المؤتمر الأقتصادي القادم في الكويت، أِلا أذا بادرت الكويت من جانب واحد بأعفاء ألتزام الحكومة العراقية بالدفع والعمل على أطفاء هذه الديون وتفهمتْ ماهو عالق من مطالبات مالية زالت أسباب شرعيتها. وهو مطمح لايبدو محتملاً في الوقت الحاضر.


أن اللجنة الخاصة بصندوق تعويضات الحرب التابعة للأمم المتحدة والتي أقرَّ تشكيلها مجلس الامن في عام 1991 بموجب القرار المرقم 687 قدّرَتْ مجموع هذه التعويضات ب 53 مليار دولار لتشمل الأضرار والخسائر التي سببها نظام صدام حسين للافراد والشركات والحكومات والبيئة، دفع العراق منها الى الآن عن طريق اللجنة 37 مليار دولار للكويت. ونحن هنا لانتكلم عن quot; عنزة عطستْ أو بعير شردْ quot;، فهذه الاموال أرث ثقيل لايمكن أن يتحمله أو يتوارثه العراق في هذه الظروف الأقتصادية الصعبة ولايمكن أن تقع مسؤوليته القانونية على عاتق الضحية. والضحية هنا هي (المواطن العراقي) الذي أصابه الضرر من من الجانبين، النظام السابق وأجحاف مجلس الأمن. وهي أيضاً أموال جرى رصدها وترتيب ألتزاماتها بأرقام خيالية وبحدود تجاوزتْ القوانين والمعايير الحسابية و الأخلاقية، كما سأحاول توضيحه، ولايمكن تبريرها أو السكوت عنها لمجرد صدورها عن مجلس الأمن الدولي في حينها. وللعراق الحق في المطالبة بأسقاطها وفق أُسس ونقاط شرعية وتحكيم دولي.


أن الرجوع الى ملفات ووثائق التعويضات ومصادر أعمال اللجان الفنية، تُلقى الكثير من الأضواء للطريقة المالية الملتوية التي أشتركت في وضعها اللجان الفنية المالية وتقاريرها المُلفقة التي كان غرضها ألحاق أكبر ضرر ممكن بعراق صدام وربط الضرر الأكبر بشعب العراق وأفلاس موارده. ومع وجود العشرات من الوثائق التي يسهل الحصول عليها ووثائق وملفات أخرى يُصعب وضع اليد عليها فأن هناك العشرات من المعلومات الموثقة والأمثلة التي تسربتْ وتُدلل دون شك على عدم قدسية تقارير الأمم المتحدة وطرق اللجنة في جمع التقارير وتلفيق المعلومات وتدوينها. فمثلاً لا يوجد دليل مادي قاطع يُؤكد قيام قوات عراقية بتخريب 700 بئر نفطي وأشعال النيران فيها والتسبب في 600 حريق لأبار نفط كويتية كما ورد في التقارير الرسمية لعام 1991 والأعوام اللاحقة. كما أن لغة التقارير الرسمية ( وبالأخص الأنكليزية منها) التي تخص هذه النقطة أُستعملتْ فيها عمداً صيغة (المبني للمجهول) وأعتمدتْ على الصور الجوية والمراسلين الصحفيين والعسكريين الأجانب دون وجود مراقب دولي محايد. فلا تستطيع أن تصل الى أستنتاج علمي دقيق ومعرفة المُسبِب للدمار والتخريب دون وجود سلطة مُتفق عليها، وتكون مستقلة أولاً ومحايدة ثانياً.


ففي أحدى التقارير المقدمة كوثيقة معتمدة للجان الفنية جاء في فقرة منها مايلي ( خلال الحرب الجوية للفترة بين شهر كانون الثاني وشباط 1991، كان الخراب قد أصابَ 700 بئر نفطي كويتي، ومنها أكثر من 600 كان قد تمَّ أشعال النار فيها (1). فالصيغة التي كتبتْ بها لا تؤكد من أصابها بالخراب ومن أشعلَ النار فيها؟ ومن قام بالتحقيق ودَوَنَ هذه الفقرات؟


وبالرجوع الى التصريحات الرسمية الكويتية، فان تسرب النفط من ألأبار سبّبَ في خلق بحيرات نفطية تحوي مابين 25 الى 50 مليون برميل من النفط الخام، كما قدّرَها وزير البترول الكويتي(2). وهو أمر يثير التسائل بغياب البيانات الأحصائية المستقلة المصدر.


كما أن اللجنة الخاصة بصندوق التعويضات التابع للأمم المتحدة UNCC كانت قد أستلمتْ أدعاءات ومطالبات باطلة لخسائر في حدود 334 مليار دولار أمريكي وهو مبلغ أعتبرته اللجنة نفسها على أنه مطالبات تفوق الخيال والواقع، ولم تستطع اللجنة أِلا توثيق 52.1 مليار دولار منها، لمعرفتها أن هذه الأرقام كما وردت في السجلات ليست حقيقية (3). وهو أقل شيئ أستطيع ذكره في هذا المقال الموجز.

وعلى ضوء تصريحات المسؤولين الكويتيين خلال الأعوام الماضية التي لم تُبشر بالنية لأعادة النظر في مسألة التعويضات وسدتْ الأبواب الدبلوماسية والقانونية لمناقشتها بحجة أن المسألة تعود الى قرار قضائي دولي أتخذهُ مجلس الأمن الدولي في جلساته عام 1991، فما على وزارة الخارجية العراقية أِلا أن تطلب دعوة مجلس الأمن لدراسة طلب الحكومة العراقية لخيارات ومقترحات عدة مازالت عالقة.


أن الظروف الدولية الجديدة مواتية للحكومة العراقية للتحرك على الصعيد الدولي ( أِن تطلب الأمر )لأزالة أستحقاقات مجحفة.وأغلب الظن أن الدول الخمسة الدائمة العضوية ستنظر نظرة عطف وتفهم كبير أمام وضع جديد لحليف سياسي جديد في منطقة الخليج العربي، وفي ضوء ظروف أقليمية ودولية تختلف كلياً عن تلك الظروف والأوضاع التي كانت سائدة في التسعينات و لعبت فيها عناصر أجنبية معروفة للطرفين ونجحت في تكريس الانقسام وتعميقه بين العراق الجديد والكويت.


وأعود بالقول مجدداً بأن تقريب وجهات النظر بين الطرفين سيعتمد على النوايا السليمة للطرفين وتخطي الخلافات القديمة المزمنة ونسيان الماضي الأليم ودفن التجربة المريرة التي مرَّ بها وقاسى منها الشعبان العراقي والكويتي.


أن وضع موضوع ألغاء الديون في جدول أعمال المؤتمر الأقتصادي في الكويت هو في غاية الأولويات للجانب العراقي. وستعتمد المحادثات الثنائية على صدق النوايا وتتطلب مجهوداً حقيقياً وتفهماً لأسباب مطالبة العراق بألغاء الديون.

ضياء الحكيم

[email protected]
الملاحظات :

1. During the Air amp; Ground war of Hanuary ndash;Febaurwary 1991، 700 oil wells were damaged، of which more than 600 were set on fire.
2. The Kuwaite Oil Minister estimated these lakes to hold 25 to 50 million barrels of oil.
3. The UNCC had received claims for $354 billion and after verifications approved
$52.1 billion.