العلاقة التاريخية و المعقدة بين العراق و الكويت طيلة مسارات الحقب الماضية قد رسمت خطوطا و ملامحا لدورات متتالية من التوتر و عدم الإستقرار و إنقلابات المواقف الجائية و بطرق درامية لم يكن لها أية سوابق مماثلة في تاريخ العلاقات الدولية، و لعل خير من يرصد تلك العلاقة هو البوابة الإعلامية و التي من خلالها تتحدد المواقف و ترسم الظلال و تعرف إتجاهات الرياح، و رغم أن غزو الكويت في الثاني من أغسطس / آب 1990 كان قد جسد قمة الإنفجار بنتائجه و متبنياته و غوامض ملفاته و المآسي التاريخية التي تمخضت عنه و التي لا نزال حتى اللحظة نشهد تداعياتها قطريا و قوميا و إقليميا و دوليا إلا أن للبعض من الإعلاميين متنبنياته و مجساته الخاصة و التي تدخل ضمن إطار إستمرار مسلسل التأزيم للعلاقات الكويتية العراقية المتذبذبة إلا ما لا نهاية على ما يبدو!، فقد نشرت إحدى الصحفيات الكويتيات من اللواتي نفدر و نحترم مواقفهم و آرائهم مؤخرا مقالا مؤسفا يعتمد لغة التسطيح و يتجاوز على كثير من المسلمات و الحقائق التاريخية و يختزل سبب إقدام نظام صدام حسين البائد في العراق على غزو و ضم دولة الكويت بعوامل ( نسوانية ) بحتة!! أو ما أسمته الزميلة بجيش ( الماجدات ) المنتشرات في الكويت على حد زعمها و اللواتي كان لهن القدح المعلى في ترتيب سيناريوهات الغزو و إعداد ساحة العمليات له!! و للأسف فإن هذا الأسلوب السطحي في تفسير الأحداث لا يعتمد المنهجية العلمية و لا يحترم العقلية الحضارية و يصب في خانة التحريض العلني بين الشعوب الشقيقة و ينطلق من نفس منطلقات رئيس النظام السابق السطحية و غير المقبولة و المنافية للمنطق حينما أرجع سبب إقدام قواته على إحتلال الكويت لرغبة ( الكويتيين بجعل سعر الماجدة العراقية عشرة دنانير )!! حسبما قال وقتها!!!، أي أنه بعد سبعة عشر عاما على هزيمة الغزو و تغير كل المعادلات الدولية و نهاية النظام الصدامي في العراق و تغير الأوضاع بالكامل يعود اللامنطق ليفرض رؤيته للأمور و يشيع من أجواء الضبابية و التشويه الشيء الكثير، لقد رصدت الزميلة الكويتية بعض الظواهر السلبية في بلدها و التي مردها لتصرفات و سلوكيات و ممارسات فردية بحتة لتعود و ترسمها بصيغة يفهم منها بأن ( النساء العراقيات المقيمات في الكويت حاليا يمارسن أدوارا مشبوهة ربطتها بأوضاع كويت ما قبل الغزو )!! وهي معادلة غريبة فاقدة للتوازن و لأبسط مستلزمات المنطق السليم !، إذ أنه لو كانت هنالك سلوكيات منحرفة معينة فإن أصحابها من يسأل عنها و ليس عبر حشر القضايا و ربط الأمور و المقدمات و النتائج بشكل عبثي يصب في خانة و مصلحة المتربصين بأمن المنطقة و سلام و تآخي شعوبها، و إذا كانت الكاتبة تتوخى مصلحة بلدها فعليا فعليها توخي الدقة و الحذر في عرض المعلومة وتشريحها، لقد تابعت شخصيا مقالات سابقة لنفس الكاتبة تتعرض فيها لبعض الجاليات العربية الكبرى المقيمة في الكويت تتهمها فيها بحملها للأمراض الوبائية الخطرة!! و بكونها تعالج على حساب النظام الصحي الكويتي!!، كما سبق لها أن حذرت من غزوات نسائية للكويت!! و يمكن إدخال تلك المقالات في أبواب الطرافة و النكتة، أما إعادة نفض الغبار عن مصطلحات و كلمات إنتهت صلاحيتها و طويت ذكرياتها فإن في الأمر معالجة مؤسفة للغاية، و أعتقد أن السيدة الكاتبة تعلم جيدا و هي التي أعتقلت لشهور طويلة في معتقلات نظام صدام خلال الغزو بأن الغزو العراقي كانت له أسباب و عوامل لا علاقة أبدا لنساء العراق بها! و إن مخططات التوريط الدولية و طبيعة العلاقة السائبة مع النظام العراقي وقتها بالإضافة لأسباب أخرى لا يمكن تفسيرها عبر مقال عابر قد لعبت أكبر الأدوار في تقرير ما حصل..! فلا فائدة أبدا و لا جدوى من إستعداء الشعوب و رسم أوهام و ملفات غير حقيقية، فتلك اللغة ينبغي أن تكون من الماضي و العلاقة الوثيقة بين شعبي العراق و الكويت هي أمر طبيعي يرسمه الجوار و الدم و المصالح المشتركة... أما الحديث عن ( رقص العراقيات الجنوني و إستهتارهن بالقوانين ) فتلك قضايا فردية لا يصح أبدا أن تكون منطلقا و بوابة للتهجم على الشعوب الصديقة و الشقيقة، و هي سقطة مؤسفة ينبغي تجنبها، في الفم ماء كثير و ليس كل ما يعرف يقال، و نساء العراق في النهاية هن شقيقات لنساء الكويت فالثقافة واحدة و المصير واحد و النظر للمستقبل بإيجابية هو الطريق الصحيح لتجاوز الكثير من المطبات و حقول الألغام التي لم تزل قائمة في الميدان العراقي / الكويتي... أتأمل أن تكون الرسالة قد وصلت!.

داود البصري

[email protected]