بعد موافقة اسرائيل على ايقاف القتال من جانبها بيوم كامل أعلن اسماعيل هنية عن قبوله ايقاف القتال، وقال : لقد حققنا انتصارا كبيرا فى مواجهة اسرائيل فى غزة، وقال: ان الله منحنا نصرا عظيما، ليس انتصارا لفصيل او حزب بعينه لكنه انتصار للشعب كله!!

وفى اليوم التالى طلع علينا مسئول آخر فى حماس يهنيء الأمة العربية بذلك النصر (الساحق) على اسرائيل!!

من المعلوم ان الهجوم الاسرائيلى الذى استمر لمدة 22 يوما على غزة، خلف أكثر من 1300 قتيل وأكثر من 5000 جريح فى الجانب الفلسطيني، بينما قتل من الجانب الاسرائيلي 13 شخصا فقط بينهم عشرة عسكريين. بالاضافة الى التدمير الهائل الذى شمل أكثر من 4100 منزل دمرت بالكامل وتضرر أكثر من 17000 منزل ودمرت البنية التحتية لقطاع غزة. وكلنا شاهدنا ذلك من على شاشات التلفزيون وكانت مناظرالنساء والأطفال والشيوخ الهائمين على وجوهم يدفنون موتاهم وقد أرهقهم الجوع والعطش، وأنين الجرحى وصراخ الأطفال يفتت الأكباد. فعن أي انتصار يتحدث هؤلاء؟ هل يستغفلون الناس أم يستغفلون أنفسهم؟ أي حكمة هذه فى انتشار مسلحي حماس الذين ينقصهم التدريب والسلاح بين المدنيين العزل ويطلقون صواريخهم الهزيلة على اليهود الذين يملكون جيشا من أحسن جيوش العالم تدريبا وتسليحا وتساندهم أمريكا أقوى دولة فى العالم؟

المتتبع لتأريخ منطقتنا العربية يجد اننا قد خسرنا كل الحروب التى خاضتها جيوشنا بعد انتهاء الحكم العثماني فى البلدان العربية فى نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد كل هزيمة نعلن الانتصار ونحتفل به، ونهتف لقادتنا الأشاوس المهزومين.

حرب عام 1948

أول تلك الحروب كانت فى عام 1948 عندما دخلت جيوش ست دول عربية فلسطين لتحريرها من الصهاينة، وانتهت بهزيمة الجيوش الستة وتأسيس دولة اسرائيل التى ما زالت قائمة حتى الآن. وبسبب الضغوط من الأمم المتحدة وأمريكا والاتحاد السوفييتى، انسحبت اسرائيل تاركة شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة للمصريين والضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية. وحصلت اسرائيل على أراض أكثر من التى كانت مقررة لها من قبل الأمم المتحدة ورفضها الفلسطينيون.

حرب عام 1956

وفى عام 1956 وبعد أن استفزهم جمال عبد الناصر قامت الدول الثلاث : اسرائيل وبريطانيا وفرنسا بالهجوم على مصر، واحتلت اسرائيل قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء بدون مقاومة تذكر، وتوقف القتال عندما هدد الجنرال آيزنهاور بريطانيا بقطع بعض المعونات عنها، وكذلك الانذار السوفييتى باستعمال الأسلحة النووية فى حالة استمرار القتال. توقف القتال وانسحبت القوات البريطانية والفرنسية، وبعدها انسحب الصهاينة من سيناء وقطاع غزة، وسمح ناصر للقوات الدولية بدخول سيناء لتشكل حاجزا بين الطرفين. احتفل المصريون والعرب بهذا (الانتصار)، وأصبح جمال عبدالناصر زعيم العرب بلا منازع.

حرب عام 1967

أما حرب الأيام الستة كما تسميها اسرائيل، أو النكسة، كما يسميها العرب، فقد بدأت يوم 5/6/67
وانتهت فى 10/6/67. ابتدأت بعد أن طلب ناصرمن قوات الأمم المتحدة الانسحاب، وبعد ستة أيام كان اليهود قد احتلوا قطاع غزة وسيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان السورية، ودمرت الطائرات العربية فى مطاراتها، وقتل الآلاف من الجنود المصريين اثناء انسحابهم غير المنظم عبر صحراء سيناء، وبدلا من الاعتراف بالهزيمة قالوا عنها انها (نكسة)!

حرب عام 1973
مات جمال عبد الناصر كمدا فى عام 1969، وخلفه السادات الذى بدأ باعداد الجيش المصري للحرب القادمة مع معرفته بنتيجتها سلفا. وكان يوم السادس من اكتوبر 1973 عندما قام الجيش المصري بهجوم مباغت على اليهود في يوم الغفران، واستطاع عبور قناة السويس فى ست ساعات ودفع القوات الصهيونية الى الوراء، وانتشر على الجانب الشرقي من القناة. وتقدم الجيش السوري وحرر القنيطرة وجزء من هضبة الجولان. وبعد اسبوعين على بدء الهجوم اضطر الجيش المصري الى التراجع وعبر قناة السويس الى الغرب وأصبح الطريق مفتوحا الى القاهرة بعد أن اجتازت القوات الاسرائيلية القناة. وفى الجولان أعادت اسرائيل احتلال القنيطرة وأصبحت قواتها على مسافة 35 كيلومترا من دمشق حينما فرضت الأمم المتحدة قرار ايقاف القتال.


في ليلة الخامس عشر من أكتوبر تمكنت قوة إسرائيلية صغيرة من إجتياز قناة السويس إلى ضفتها الغربية وبدأ تطويق الجيش الثالث من القوات المصرية. عبرت فيه قوة إسرائيلية إلى الضفة الغربية للقناة مشكلة ثغرة في صفوف القوات المصرية عرفت باسم quot;ثغرة الدفرسوارquot; و قدر اللواء سعد الدين الشاذلي القوات الإسرائيلية غرب القناة في كتابه quot;مذكرات حرب أكتوبرquot; بوم 17 أكتوبر بأربع فرق مدرعة و هو ضعف المدرعات المصرية غرب القناة. فى 23 اكتوبر كانت القوات الاسرائيلية تحيط بالجيش الثالث مما أجبر الجيش المصري على وقف القتال. وفى 24 تشرين الأول (اكتوبر) تم تنفيذ وقف اطلاق النار.

ان الجيش المصري أبدى بطولة رائعة وبسالة نادرة خاصة عند عبوره القناة، وكذلك فعل الجيش السوري عندما طارد الصهاينة فى بداية المعركة، ولكن النصرالنهائي كان بجانب اسرائيل لأن جيشها مدرب أحسن تدريب ومزود بأحدث الأسلحة تؤيدهم أمريكا التى أقامت جسرا جويا لنقل الأسلحة والمعدات الى حليفتها وربيبتها اسرائيل، كما وأن الصهاينة يدركون أن خسارة أي حرب مع العرب معناها انتهاء الدولة العبرية ولذلك استماتوا فى القتال.

ومرة اخرى ادعى المصريون ومعهم باقى العرب بالنصر، واعتبر المصريون يوم 6 اكتوبر عيدا للنصر. ولا أدرى كيف اعتبروه نصرا وقد خسروا شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، كما خسر السوريون الجولان بما فيها القنيطرة.

حرب عام 1980-1988

بسبب استهتار محمد رضا بهلوي شاه ايران بالدين الاسلامي وعدم احترام المشاعر الدينية لشعبه واعترافه باسرائيل واقامة العلاقات الدبلوماسية معها (كانت ايران ثالث دولة اعترفت باسرائيل سنة 1948)، وقسوة شرطة الأمن (السافاك) على المواطنين الايرانيين وأسباب غيرها أدت الى قيام انقلاب مصدق سنة 1951 وتأميم النفط، وفشل الانقلاب فى سنة 1953 وعاد الشاه الى السلطة. وأخيرا نجح رجال الدين بالاستيلاء الكامل على السلطة فى شباط 1979 وأصبح الخميني مرشدا أعلى للثورة. وكان يبغض صدام حسين الذى طرده من النجف التى أقام فيها سنين طويلة، ولكن صدام بعث اليه ببرقية تهنئة أجابه عليها الخمينى بما اعتبره صدام اهانة له لأنه ختمها بقوله (والسلام على من اتبع الهدى)، وهى العبارة التى ختم بها الرسول (ص) رسالته الى النجاشي ملك الحبشة يدعوه فيها الى الاسلام. وأخذت الأمور تتأزم بين الدولتين وتبادلتا رشقات المدافع على المناطق الحدودية. وبسبب الرهائن الأمريكيين المحتجزين من قبل الحرس الثوري الأيراني، فقد أغرت الولايات المتحدة صدام بالهجوم على ايران، وفعلت الشيء نفسه دول الخليج التى قدمت له الأموال، وسقط صدام فى الفخ، وشن هجوما جويا وبريا كاسحا فى ايلول/سبتمبر 1980 فكانت حربا جنونية قتل فيها مئات الألوف من المدنيين والعسكريين من الطرفين. ولما كانت غاية أمريكا واسرائيل هي تدمير البلدين الجارين، فقد أسرعتا بتقديم المعونة لكلا الطرفين ليستمرا بافناء أحدهما الآخر. وتوقف القتال الشرس فى 20 آب/اغسطس 1988، بعد 8 سنوات من القتل والتدمير. وعاد الطرفان الى مواضعهما الأصلية، وتخلى العراق عن نصف شط العرب. وأعلن (القائد الضرورة) عن الانتصار الذى حققه جيش العراق وقادته على (الفرس المجوس)، وأخذ يحتفل ويرغم العراقيين على الاحتفال بذكرى ذلك الانتصار فى كل عام حتى سقوطه المهين سنة 2003.

حرب عام 1982

كان المسلحون الفلسطينيون فى جنوب لبنان بقيادة ياسر عرفات، يطلقون النار من حين الى آخر على القرى الحدودية الاسرائيلية، وقامت اسرائيل عدة مرات بانذار الحكومة اللبنانية الخاضعة لسورية، دون جدوي. وأخيرا قامت اسرائيل بغزو لبنان سنة 1982 وبدأت بقصف جوي وحشي على المدن والقرى اللبنانية وقتلت الألوف من اللبنانيين والفلسطينيين، ثم اضطرت سوريا الى الانجرار نحو مواجهة جوية مباشرة، فدمرت اسرائيل أنظمة الدفاع الجوي السوري فى البقاع فى لبنان وأسقطت أكثر من 90 طائرة مقاتلة خلال يوم واحد، وانسحبت سوريا من المعارك. وتدخلت الدول الكبرى والأمم المتحدة، وسمحت اسرائيل لياسر عرفات وصحبه بمغادرة لبنان الذى دمر بسببهم.

حرب 1990/1991

لم تكد تمضي عامين على انتهاء الحرب الدموية مع ايران، حتى صمم بطل (البوابة الشرقية) على (تأديب) الكويت لتخفيضها سعر البترول مما أصاب العراق بخسائر قدرت بأربعة عشر مليار دولار سنويا. وكانت الكويت قد دفعت الى صدام حوالي 40 مليار دولار اثناء حربه مع ايران.


ومرة أخرى خدعه الأمريكان عندما قالت له السفيرة الأمريكية فى بغداد بتأريخ 25 تموز/يوليو 1990 بأنه لارأي للأمريكيين بالنزاعات العربية/العربية، ومرة أخرى صدقهم (سيف العرب) واعتبر قول السفيرة ضوء أخضر له، ودفع قواته التى سيطرت على الكويت فى يومين واستقبلهم الأربعون ألف فلسطيني الذين كانوا يعملون هناك بالترحاب والرقص فى الشوارع.

ثم فرض الحصار على العراق وطلبت الأمم المتحدة وكل دول العالم عدا اليمن وكوبا بأن يخرج الجيش العراقي من الكويت. ثم أنذره بوش الأب بتدمير العراق ان لم يخرج، ولكن صدام ظل يراوغ حتى قرب موعد انتهاء الانذار فبدأ بسحب جيشه من الكويت على طريق البصرة، وقامت الطائرات الأمريكية بكل شراسة بقصف الجيش المتقهقر على ما سمي ب(طريق الموت) فى الصحراء وتدميره، فكانت مجزرة لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.

أرسل صدام ضباطه لمفاوضة الأميركان وخولهم حق الموافقة على كل طلبات الأمريكيين مهما كانت طالما وافقوا على بقائه فى الحكم. وتم له ما أراد، وصب جام غضبه على أهل الجنوب الذين انتفضوا عليه عندما خدعهم بوش وأوهمهم بالمساعدة، فكانت مجزرة أخرى للعراقيين قتل فيها الألوف، تبعتها مجزرة ثالثة قضى فيها على عشرات الألوف من الأكراد فى شمال العراق ومسح مئات القرى من الوجود. وما أن هدأت الأمور قليلا الا وأعلن صدام انتصاره على أمريكا وكل الدول التى اشتركت معها فى الهجوم على العراق، وأضاف بذلك يوما جديدا لأيام انتصاراته!.

وكما هدد بوش، فقد دمر البنية التحتية للعراق تدميرا شاملا، ووصل عدد وفيات الأطفال حدا لا يصدق بسبب ندرة الأدوية والماء الصالح للشرب والغذاء، وهاجر من استطاع من العراقيين بلدهم ليصبحوا لاجئين فى معظم أنحاء العالم. وبالرغم من تلك المصائب واصل صدام بناء القصور واقامة الحفلات الباذخة بالأموال التى استلمها عن النفط العراقي المصدر باشراف الأمم المتحدة ووزع كوبونات النفط على من يؤيده من رؤساء الدول والكتاب والصحفيين. وعاد مرة أخرى يراوغ ويخادع الأمريكيين ويوهمهم بامتلاكه لأسلحةالدمار الشامل واستمر بذلك حتى حلول عام 2003 فأنذره بوش الابن بأن يغادر العراق مع ولديه والا سيدمر العراق. ولكن بطل القادسية لم يصدق بأن الأمريكان سيغزون العراق فرفض المغادرة بالرغم من نصيحة عدة زعماء عرب، فبدأ القصف الأمريكي وعاد القتل والتدمير مرة أخرى، وفى التاسع من نيسان دخل الأمريكيون بغداد ووصلت دباباتهم الى منتصف بغداد وعلى بعد أمتار قليلة من وزير الاعلام محمد سعيد الصحاف الذى كان يقول للصحفيين بأن الأمركيين محصورين فى دباباتهم وهم يذبحون على أسوار بغداد، وان العراق سينتصر حتما عليهم!!

حرب عام 2006

بدأت عندما اختطف حزب الله جنديين اسرائليين ورفض اعادتهما الى اسرائيل. وبدون التطرق الى التفاصيل المعروفة لضيق المجال نكتفى بالقول بأن تلك الحرب كلفت لبنان مالا يقل عن أربعة مليارات من الدولارات ومئات القتلى والجرحى، وخراب ودمار للبنية التحتية يحتاج اصلاحه الى سنوات عديدة. اسرائيل طبعا خسرت ولكن خسارتها لا تعد شيئا بالنسبة الى خسائر لبنان. ومع ذلك فان حزب الله مصر بأن النصر كان حليفه.

ما ذكرت هى حقائق مرة ومآس متتابعة منذ تأسيس اسرائيل فى قلب الوطن العربي. لقد خدعنا حكامنا، سواء ممن انتخبناهم أم الذين فرضوا أنفسهم علينا ولم يطلعونا على الحقائق كما هي، وها نحن ندفع الثمن.

عاطف العزي