مع إعلان وقف إطلاق النار بين اسرائيل و حرکة حماس، بادرت الاخيرة وکما توقع الکثيرون الى التحدث عن نصرها المزعوم في تلك الحرب المدمرة التي کانتquot;حديث الدنيا و شاغلة الناسquot;طوال إندلاعها و هو امر يبدو انه صار مألوفا منذ حرب عاصفة الصحراء أو حرب تحرير الکويت حيث ألحقت هزيمة شنعاء بالجيش العراقي و أخرج من الکويت قسرا، لکن دکتاتور العراق الراحل صدام حسين أصر على أنه قد حقق نصرا مبينا على دول التحالف التي قادت الحرب ضده وقد برر نصره بطريقة في منتهى السذاجة و السخف عندما خاطب لفيف من الضباط العراقيين متسائلا بما معناه: لو لم يتمکن 32 شخصا من صرع شخص واحد، فهل يعني ذلك أن ذلك الشخص قد هزم؟ وقد فسر الدکتاتور العراقي معنى النصر أو الهزيمة في بقاءه شخصيا في الحکم وليس التبعات السلبية الناجمة عن تلك الحرب، صدام حسين، کان لا ينظر الى تلك القرارات الدولية التي کبلت العراق و أنهت سيادته على أراضيه، کما لم يکن ينظر الى فرق التفتيش التي کانت تبعثر أثاث غرف نومه في قصوره الرئاسية، وإنما کان يتحدث عن أنه مازال باق وذلك يکفي. هذا التبرير الواهي و السمج للنصر، يبدو أنه صار في المنطقة تقليدا متبعا و مستحبا للبعض ممن خاض حربا ضروسا ولم يتمکن من حسمها لصالحها مفسرا معنى النصر ببقاءهquot;الفسيولوجيquot; وليس تلك التبعات المعنوية البالغة السوء التي تخلفها الحرب. حزب الله اللبناني مثلا، عندما خاض حربه الخاسرة ضد اسرائيل في صيف عام 2006 و ألحق خرابا و کوارث کبيرة بلبنان و شعب لبنان، خرج هو الآخر على نفس الطريقة الصدامية ليزف نبأ نصره المزعوم على العالم متناسيا حجم الکوارث التي ألحقت بلبنان و شعبه من جراء مغامرته الجنونية تلك معتبرا بقاء قادته سالمين معناه خروجهم منتصرين!!


لو نظرنا الى نتائج الحروب التي دارت في أية بقعة خارج منطقتنا فإن نتائجها النهائية لم ترتبط إطلاقا بالبقاء الفسيولوجي للقادة، بل وأن اولئك القادة قد تحملوا تبعات هزيمة جيوشهم و استقالوا من مناصبهم من جراء ذلك لکي يوضحوا بجلاء فشلهم السياسي و العسکري، کما حدث في حرب جزر المالفيناس بين بريطانيا و الارجنتين في الثمانينيات من القرن المنصرم حيث أعلن الرئيس الارجنتيني استقالته من منصبه بعد هزيمة الجيش الارجنتيني في تلك الحرب.


النصر أو الهزيمة في عرف دکتاتور العراق و حزب الله البناني و حرکة حماس، يتمثل فقط ببقاء أو الفناء الفسيولوجي للقادة وهو عرف کما يبدو لا يخضع مطلقا للمعايير المنطقية المتعامل بها دوليا أو حتى عقليا وانما يشذ عن کل ذلك و يطرح معايير غريبة و لا تحتملها العقول الانسانية بأي شکل من الاشکال، بيد ان المشکلة الاساسية ليست أبدا في العرف المشوه و الممسوخ لهؤلاء وانما في تلك الصفوف المتراصفة التي تنتظر دورها لدخول المسلخ و لا تحرك ساکنا من أجل تغيير قدرها الردئ!

نزار جاف