بدلا ً من عرض برامج انتخابية شاملة وواقعية وذات مساس بالإحتياجات الحقيقية للناخبين، لجأ بعض المرشحين لعضوية مجالس المحافظات العراقية إلى وضع أهدافا ً وتعهدات ٍ غير ذات صلة بحياة الناس اليومية وسعيهم من أجل توفير لقمة الغذاء الكريمة لعوائلهم وأطفالهم، وجرعة الدواء وسرير المشفى لمرضاهم، ومقعد الدراسة بمراحلها المختلفة لأولادهم. وإذا كان بعض الأحزاب الرئيسية قد لجأ إلى التركيز الإعلامي المكثف على مشاركة أقطابه ومرشحيه في المناسبات الدينية ndash; وهو أمر ينبغي أن لايكون ذا علاقة بمؤسسات خدمية كمجالي المحافظات غير معنية بدين الناس وعلاقتهم المباشرة مع خالقهم بقدر اعتنائها بمتطلبات حياتهم الدنيوية المعاشة ndash; فقد لاذ مرشحون آخرون quot; مستقلون quot; او غير مستقلين بمسائل شعارية وهتافية مستهلكة تكاد أن تعيد الناس إلى زمن ولى لم يأكلوا خلاله غير الهواء، فيما كانت تتسرب مداخيل النفط من تحت أقدامهم إلى جيوب القريب والبعيد.


في كربلاء، رفع مرشح أو اثنان شعاراً يقول : سنعمل على الحفاظ على عروبة كربلاء. ويأتي هذا الشعار- الهدف منسجما ً مع توجهات quot; عودوية quot; ( نسبة ً إلى حزب العودة العفلقي المحظور ) تحاول ndash; بصور مختلفة ndash; الإيحاء بضياع عروبة كربلاء وغيرها من مدن العراق بعد عودة المعارضين العراقيين السابقين وكذلك المهاجرين والمهجرين من مختلف المنافي وبخاصةٍ المنفى الإيراني، وسيطرة بعضهم على المفاصل الرئيسية لنظام الحكم، خاصة بعد الإنتخابات النيابية السابقة.ولاأعتقد أن هذا المرشح العودوي أو ذاك يقصد بضياع عروبة كربلاء تزايد أعداد الزوار الإيرانيين. فهؤلاء يأتون ويذهبون، كما كانوا يفعلون من قبل، منذ تأسيس الدولة العراقية مطلع القرن العشرين، وحتى خلال حكم الرئيس المعدوم السابق. وطوال عمرها، كانت كربلاء وغيرها من المدن الدينية في العراق مليئة بالزوار الأجانب، من إيران وباكستان وآذربيجان وتركيا والهند وبلاد أفريقيا وغيرها من البلاد المسلمة، حتى ان أهالي هذه المدن وخصوصا ً كربلاء كانوا يجيدون العديد من اللغات الأجنبية. ورغم ذلك لم يتحدث أحد عن ضياع العروبة. أكثر من ذلك كان يتعين حتى على من يقيم في هذه المدن المقدسة من المسلمين الأعاجم أن ينصهر في بوتقتها اللسانية بغض النظر عن لكنته الخاصة. ومازلت أذكر ذلك الصوت الذي كنت أسمعه في صغري خلال زيارتي لكربلاء مع عائلتي، لذلك الكادح الأعجمي الذي كان ينادي على بضاعته الساخنة:
سـَمـّون هار.. سمـّون هار.. أل كهربا.. أل كهربا ( صمّون حار.. صمّون حار عالكهربا.. عالكهربا )!
شأن كربلاء والمدن العراقية المقدسة الأخرى شأن أية مدينة أممية مفتوحة، يمكن للمرء أن يسمع فيها كل اللغات وكل اللهجات دون خوف على ضياع الهوية. ففي لندن مثلا ً، لم نكن نرى قبل عقد أو أكثر لافتات عربية إلا في شارع quot; أجوَر رود quot; أو شارع العرب كما يحلو للكثيرين تسميته. أما اليوم فحيثما شرّق الإنسان أو غرّب في هذه المدينة الكبرى وجد العربية طاغية على المحال التجارية والمطاعم والمقاهي والمطبوعات وسحنات الوجوه ولهجات الألسن دون أن يصيح إنكلو- سكسوني واحد على أكثر تقدير : ياناس.. يا عالم.. quot; سكسونية quot; لندن في خطر!


هل زرتم مدينة قم الإيرانية؟ حتى في تلك المدينة الأعجمية في التصنيف العرقي تنتشر العربية انتشارا ً واسعا ً، فمن زقاق quot; گذرخان quot; حيث أصوات الباعة العرب من عراقيين وغيرهم لاتحتاج إلى ترجمة، إلى رفوف المكتبات التي تنوء بحملها الثقيل من كتب العرب قديمها وجديدها، إلى الإذاعة والتلفزيون العربيين، لاأحد يحذر من خطر على هوية، مادام المجتمع وفيا ً لهويته وثقافته ولغته.


صدقوني، حتى هذا العبد الفقير، الشروقي والمعيدي والسومري، لو عاد إلى مدينته الجنوبية مزاحما ً الرفاق العودويين على عضوية مجلس أو طاولة تحرير جريدة أو بسطية أمام دكان، لتعالت صيحات التحذير والإنذار قارعة الآذان والأسماع عن عودة من عاش بضعة صباحات ٍ مشرّدا ً في إيران و quot; إنجلستان quot; لتهديد عروبة الشطرة وتعريض تماسكها القومي للخطر!
الأجدى للمرشحين وضع أهدافا ً وخططا ً ملتصقة بهموم الناخبين الحقيقية. والأجدر بالناخبين التصويت لمن لا يـُبعد أذهانهم عن أولوياتهم اليومية المعاشة. وكل ما عدا ذلك دعوة غير صادقة للحجّ والناس راجعة!

علاء الزيدي

www.elaphblog.com/alzeidi