(لايستيقظون صباحا)
- سيدة سوزانا..! أنت معلمة وتربوية في مدرسة متخصصة بالشباب الجانحين 14- 16 سنة، لكم نظامكم الخاص الذي تحدثنا عن جوانب منه سابقا، ولمستُ من حديثنا انك تفضلين المدارس المتخصصة على السجون لهؤلاء الشباب..! هل تعتقدين أن سجون الأحداث لن تستطع إعادة تأهيلهم مثلكم؟
- اعتقد انه يجب بذل الأموال مبكرا لإعادة تأهيل الجانحين، وان نترك جانبا حبسهم في السجن العادي، أو سجن الأحداث وما شابهها،كما إن هذه الأخيرة ولكي تتمكن من مساعدتهم فإنها تحتاج إلى أموال وربما أكثر مما نحتاجه نحن، لايجب أن يذهبوا إلى سجن الأحداث ويجلسون فيه فقط،بل يجب تعليمهم ومن ثم تأهيلهم، التحاقهم بالمدارس ثانية، وإيجاد عمل لاحقا لهم، يجب إيجاد مكان لهم في المجتمع،بدلا من أن نجعلهم يتخبطون في النظام: مرة معاهد مغلقة، ومرة مدارس متخصصة..الخ ولا توجد نتائج واضحة لهذا، خصوصا الجيل الثاني من الأجانب الذين قدم آبائهم من أماكن حروب أو نزاعات، يحتاجون لرعاية نفسية مميزة.
- حسنا..! الجميع يعلم إن الدنمارك وبالنسبة لعدد السكان والدخل القومي هي بلد غني، بل غني جدا،ولكني قرأت إن الكثير من المراكز الاجتماعية تعاني من مشاكل في قلة التخصيصات المالية، خصوصا في السنوات الأخيرة،هل حقا إن احد دوافع الجنوح عند هؤلاء الشباب هي الحصول على أموال أكثر، وما أهمية الأموال في عملكم اقصد التخصيصات المالية؟!
- نعم جزء مهم من هذا هو quot; الأموال quot;....
المشاكل الإجرامية لها علاقة بالمشاكل الاجتماعية،كما إن نسبة الثلثين من مجرمي الدنمارك عاطلون عن العمل،وحين تفقد العمل تفقد ماهيتك الشخصية، العمل يعني الكثير في تحديد الشخصية،أول سؤال يسأله الدنماركي للآخر: quot; كيف أنت في العمل؟quot;، ليس مهم كثيرا نوع العمل، بل المهم أن تكون عاملا.
في الآونة الأخيرة هنالك فوارق كبيره بين الأغنياء والفقراء وهذا بسبب الأموال،نعم حصلت الطبقة الوسطى على رواتب أعلى ولكن هنالك من حصل على اقل،والفارق صار كبيرا،هذا الفارق كلما اتسع ينتج quot; الجريمة quot;،وهو مايمكن ملاحظته في بلدان أوربية أخرى،وفي أمريكا،على ضوء هذا نستطيع أن نقول quot; إن الأموال تعني الكثيرquot;.
نستطيع أن نقول تقريبا إن 80% من الدنماركيين وضعهم جيد، و20% وضعهم سيء،أو ينحدر إلى الأسوء،وذات النسبة تنعكس على الشباب الدنماركي،20% لايستطيعون على الإطلاق الاعتماد على أنفسهم في تحديد مايلائمهم،وهم بحاجة إلى مساعدة، في عدمها يضيعون في الشوارع ومن ثم عالم الجريمة،ولا يحصلون على دراسة.
- افهم من هذا انه يتوجب على الدولة والبلديات أن تخصص منح مالية اكبر للمراكز المتخصصة؟!
- هم يخصصون أموالا لكي تساعد في التعامل مع الجرائم الخطيرة وغيرها، وهذا مهم ولكن الأهم... العلاج الحقيقي كما أرى، هو أن يكون هنالك توزيع عادل للثروة في المجتمع.
- مهلا أنت تدخلين السياسة الآن؟!!
- السياسة تدخل في كل شيء، اسمع...! سأقول لك شيء quot;الوضع الاقتصادي للبلد عموما جيد جدا، وكذا أغلبية سكان الدنمارك،ولكن حينما نتحدث عن المال،من حق المرء أن يغضب،حين نسمع quot;إننا لانملك أموالا كافية quot; من اجل أن تصبح المدارس أفضل بعدد طلاب اقل في الصف،لدينا الإمكانية الاقتصادية التي تساعد على ذلك ولكن طريقة توزيع الثروة خاطئة،أنا احصل على راتب عالي جدا ومقتنعة بنسبة الضريبة العالية التي ادفعها،ولكن quot;عاملة المبيعاتquot; في الأسواق تستلم راتبا قليلا ولذا لاأرى من الإنصاف أن تدفع ضريبة عالية كالتي ادفعها.
- حسنا فلنعد إلى الشباب الجانحين في مدرستكم، وخصوصا فيما يتعلق بالنتائج ونسبة النجاح في إعادة التأهيل؟
- نعم،حقيقة أغلبهم،أصبح قادرا على الاعتماد على نفسه وتمكنا من تأهيله، واستطيع أن أقول بكل ثقة إن نسبة نجاحنا 80%.
- ماذا عن 20% المتبقية؟!!
- هذا سؤال جيد، أنت تقصد النسبة التي لم نستطع إعادة تأهيلها.........،قسم منهم يلتحقون بمستشفيات العلاج النفسي المتخصصة،لوجود مشاكل نفسية كبيرة لديهم وقد يحصلون حين ينتهي علاجهم على دراسة تناسبهم يتخصصون بها،، أو يذهبون إلى مراكز الشباب المغلقة لارتكابهم جرائم أخرى،أو يظلوا على نظام الإعانات الاجتماعية،أو يحالون على التقاعد في سن مبكرة،و قسم آخر يختفي لانعرف أين..!
- ذكرتي سابقا إن إحدى الطرق في أن تكون المدارس أفضل، هو بعدد طلاب اقل في الصف، وفي مدرستكم هنالك 10 طلاب فقط بوجود معلمين في الصف الواحد، إلى أي حد يجب أن يكون عدد الطلاب اقل؟!
- مهلا أنا لااقصد مدرستنا..! لأنها متخصصة، ولكني قصدت المدارس الاعتيادية،من الصف التمهيدي قبل الصف الأول الابتدائي،لدينا في العاصمة كوبنهاكن في بعض المدارس صفوف عدد الطلاب فيها مابين 28- 30 تلميذ وهذا كثير لن يستطع معلمان من تعليم وتربية هذا العدد،يجب أن يكون العدد اقل.
- قرأت عن هذا quot; إن بعض الأحزاب السياسية الدنماركية تطالب بان لايكن عدد الطلاب في الصف الواحد أكثر من 22 طالب.
- نعم... مدارسنا في الدنمارك كبيرة وعدد الطلاب كثير في الصف الواحد،يجب أن يحصل الطالب الواحد على وقت كافي من المعلم ليتابعه،وخصوصا من لديهم مشاكل إجرامية... quot;لايستطيعون التعلم بسرعة لذا يجلسون في صفوفهم وينزون بعيد عن الطلاب الآخرين ويتعزز لديهم الاعتقاد يوما بعد آخر بان المدارس غبيةquot;.
- أريد أن أعود ثانية إلى موضوع عوائل quot; الشباب الجانحين، الأجنبية منها أو الدنماركية،مالذي يمكن أن تفعله لمساعدتكم وبالتالي مساعدة أبنائهم؟!
- هذا الأمر ليس بسيطا هنالك أمور يمكنهم المساعدة بها وأخرى لايستطيعون، فهم بأنفسهم بحاجة إلى مساعدة، على سبيل المثال فيما يخص العائلة الأجنبية: إذا ماكان الشاب من عائلة عراقية عانت ماعانته من ويلات ورهاب، في هذه الحالة يجب مساعدة العائلة وإلا لن نوفق من تأهيل الطفل quot; الشاب quot; الجانح... وبصراحة بعض العوائل تحصل على المساعدة، ولكن هذا الأمر صعب جدا، إذ انه يتطلب مبالغ كبيرة، وفي الآونة الأخيرة صارت البلديات تقلص مساعداتها المالية كثيرا وطوال الوقت لما يسمى quot; الوقاية الاجتماعيةquot;، المرشدون الاجتماعيون يشكون دوما من نقص الأموال لبرامجهم.
وفيما يخص عوائل هؤلاء الشباب الدنماركية فهو من الصعب علينا أن نتعاون معهم، لأنهم هم أنفسهم لديهم مشاكل كبيرة كالإدمان مثلا،هم بحاجة لمساعدة......
كما إننا لانطلب الكثير،نحن نطلب منهم فقط المساعدة في إيقاظ أبنائهم صباحا ليذهبوا إلى المدرسة!
- مهلا quot; سوزانا quot; سيبدو غريبا وربما مضحكا لقارئ العربية أن تكون إحدى المشاكل لهؤلاء الشباب الجانحين هو الاستيقاظ صباحا..!!
- لا.. أبدا هي مشكلة كبيرة نواجهها في مدرستنا، الكثير من طلاب صفي لايستطيعون القدوم إلى المدرسة لعدم استيقاظهم صباحا على الرغم من رغبتهم الصادقة في ذلك،لاتنس إن آبائهم يعانون مشاكل أيضا.
ولحل هذه المشكلة تقدمنا بطلب إلى البلدية،بتوظيف متخصصون يذهبون إلى بيوت هؤلاء الشباب ويقومون بمهمة الإيقاظ بالإضافة إلى انه من الممكن أن يرافقوهم إلى المدينة ويتحدثوا معهم ويعلموهم شيء عن الحياة والتصرف على نحو ملائم،ولكن البلدية للأسف قالت إنها لاتملك مبالغ إضافية لهؤلاء الموظفين المتخصصين.
لو تحقق مانشدناه من البلدية لكان أمرا رائعا،نعم قد يبدو أمرا مكلفا ماديا ولكن لو نظرنا إلى المستقبل فانه توفير.
- أريد أن نختتم هذا اللقاء بسؤال كبير: وهو مالعمل لكي نتجنب الجريمة،أو نعالجها، وماهي الطريقة المثلى للتعامل مع هؤلاء الجانحين سواء كانوا أعضاء في عصابات إجرامية أو غير، وهل هنالك تجارب لبلدان أخرى نجحت في هذا التعامل،وهل هو رأيك الشخصي، أم انه رأي زملائك أيضا من متخصصين في مدرسة خاصة بمجرمين صغار..أقصد: quot; جانحين صغار؟!!
يتبع
ضياء حميو
[email protected]
التعليقات