الدين هي الكلمة الأولى والأكثر إستعمالا في حوار الأديان والحضارات،لذلك ينبغي الأتفاق على تعريف موحد لهذه الكلمة بين جميع المتحاورين أو المؤتمرين.
ناهيك عن وجوب الأتفاق التام بين أتباع الدين الواحد على تعريف تلك الكلمة،ولكن فيما يخصنا في الأسلام، لايوجد مفهوم محدد وثابت ومتفق عليه لمعنى كلمة الدين،بحيث لا يخرج القاريء بنتيجة حاسمة،مهما أبحر في المعاجم العربية سعيا للوصول الى مفهوم واضح وصريح.
يؤيد هذا الرأي، الشيخ د.يوسف القرضاوي في مقدمته لكتاب الدين والسياسة.
وينقل عن العلامة د. محمد عبدالله دراز،ثلاث إشتقاقات لكلمة الدين وكما يلي :
اولا:
تشتق الكلمة من فعل متعد بنفسه :( دان يدينه )،وهنا سيكون المعنى،مَلَكَهُ وحَكَمَهُ
وساسه، ودبره، وقهره، وحاسبه، وقضى في شأنه، وجازاه، وكافأه. فالدِّين في هذا الاستعمال يدور على معنى المُلك والتصرف بما هو من شأن الملوك؛ من السياسة والتدبير، والحكم والقهر، والمحاسبة والمجازاة. ومن ذلك: ( مَالِكِ يَوم الدين )،الفاتحة 4،أي يوم المحاسبة والمجازاة.
وفي الحديث: quot;الكَيِّسُ من دان نفسه، أي حَكَمَها وضَبَطَها. والديَّان الحَكَم القاضي.
ثانيا:
تشتق الكلمة من فعل متعد باللام أي ( دان له )،وهنا سيكون المعنى أطاعه،وخضع له.
فالدين هنا هو الخضوع والطاعة والعبادة والورع.وجملة الدين لله، يصح أن منها كلا المعنيين : الحكم لله، أو الخضوع لله.
وواضح أن هذا المعنى الثاني ملازم للأول ومطاوع له، (دانه، فدان له )،أي قهره على الطاعة، فخضع و أطاع.
ثالثا:
تشتق الكلمة من فعل متعدِ بالباء، ( دان به )
فأذا قلنا دان بالشيء كان المعنى أنه أتخذه دينا ومذهبا، أي إعتقده، أو إعتاده، أو تخلق بهِ والخلاصة إعتنقه.
ويخلص القرضاوي الى أن الذي يعنينا هما المعنيين الثاني والثالث..وبالأخص الثالث
فكلمة الدين التي تستخدم في تأريخ الأديان لها معنيان :
الأول يشير الى الحالة النفسية أي التدين.
والثاني يشير الى الحقيقة الخارجية أو الروايات المأثورة أو جملة المباديءالتي تدين بها أمة من الأمم، إعتقادا وعملا..وهذا هو المعنى المرجح والمستعمل حاليا..
لكن من جهة أخرى، لو تفحصنا إستعمال كلمة الدين في القرآن، فأننا نجد لها معاني عدة، مختلفة أحيانا، وكما في الأمثلة القليلة التالية :
أحيانا يراد بها الجزاء، مثل { مالك يوم الدين }، الفاتحة 4
وأحيانا يراد بها الطاعة، مثل {وأخلصوا دينهم لله }،النساء 164
وأحيانا يراد بها أصول الدين وعقائده،مثل :
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ }،الشورى 13
يقول القرضاوي : أن الدين كما جاءت به الرسل هو عبادة الله وحده وعدم الاشراك به والدليل:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }،الأنبياء 25
وأوصى الله أنبيائه بالائتلاف والجماعة ونهاهم عن الفرقة بقوله :
{ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا به } الشورى 13
لكن من جهة أخرى ليس مهما إختلاف الطرق والشرائع والمناهج :
{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } المائدة 48
وقد يراد بكلمة الدين، كل الاديان على إختلافها كما في :
{ لكم دينكم ولي دينِ } الكافرون 6
وقد يراد بالكلمة،الأسلام فقط كما في:
{ أفغير دين الله يبغون؟} آل عمران 83
{إن الدين عند الله الأسلام } آل عمران 19
{ ومن يبتغ غير الأسلام دينا فلن يقبل منه } آل عمران 85
وبالنسبة للآية الأخيرة تشير بصراحة ووضوح أن الأديان الاخرى مرفوضة حتى السماوية منها (طبعا هي آية مدنية متأخرة في وقت قوة المسلمين ).
وقد أوردها أحد كبار المشايخ المتحدثين في المؤتمر.
لكن القرضاوي لم يقبل هذا التفسير لهذه الآية في مؤتمر حوار الأديان، لأنه يناقض الغرض من ذلك المؤتمر فيقول:
(.. وقد ألزمني الواجب أن أرد على هذا الكلام الذي ينسف كل ماقيل في المؤتمر، بل جهود الحوار والتقارب بين الأديان والحضارات ) وأضاف :
(أن هذا الكلام يخالف صراحة ما جاء به القرآن، فالقرآن يعتبر أن هناك أديانا أخرى غير الإسلام، وإن كنا نعتبرها أديانا باطلة، ولكنها أديان يدين بها أصحابها ). إزاي يعني؟
ثم أضاف :
( فالدين يشمل ما هو حق مثل الذي بعث على محمد (ص)، وما هو باطل كالأديان التي جاء بنسخها والظهور عليها كما في قوله تعالى..هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله..التوبة 33،فالاديان الاخرى موجودة، لكن لم يعد لها أحقية بعد ظهور الأسلام. وأضاف أخيرا : إن مفهوم كلمة الدين ليس كمفهوم كلمة الاسلام كما يتصور الكثير من الكتاب المعاصرين، نعم يكونوا شيئا واحدا إذا أضفنا الدين الى الله أو الاسلام فنقول، دين الله أو دين الاسلام.لكن إذا ذكرت كلمة الدين مجردة من الاضافة أو الوصف، فهي أضيق مفهوما من كلمة الأسلام، لأن الدين في الحقيقة هو جزء من الأسلام)
ولا أدري إن كان هذا الكلام يسعد الحاضرين الآخرين من الأديان الأخرى؟
أم أن القرضاوي في محاولته لرأب الصدع الذي أحدثه الشيخ السابق قد زاد الطين بله؟
وبالنسبة للمراقب الحيادي، يستطيع التأكد،أنه برغم أهمية تلك المؤتمرات لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، أو على الأقل لتخفيف الغلواء والتشدد والتزمت والرفض للآخر المخالف، لكنها لم تجتاز العتبة الأولى بعد، أي الأعتراف المتبادل بين الجميع.
فهل يعترف الجميع بالجميع،بأول كلمة في الحوار وهي أنهم يمثلون دين؟
لا جواب واضحاً .
رعد الحافظ
التعليقات