كُنّ هامساً عندما تتحدث عن الحب.. هكذا قال الأديب العظيم وليم شكسبير. فتعالوا نهمس عن الحب ونسمع همساته التي تصرخ فينا بدون توقف وكأنها دالة متصلة على الدوام. تعالوا نفتش عن معاني الحب في أعماقنا فنبحر في أغوار النفس البشرية المملوءة بالأسرار لنتعرف على طاقة الحب الكامنة فينا والتي وهبها الله سبحانه للإنسان تولد معه بقيمتها العظمى لا تستطيع قوة مهما كانت أن تنتقص منها شيئاً.


في الحقيقة أن معظم فلسفات ومعارف الإنسان ومحاولاته لم تصل بعد إلى تعريف حقيقي لتلك الطاقة الكامنة في أعماقه، لم تصل إلى معاني تشبع فكره ويقتنع بها عقله. فمازال سلطان الحب أقوى من سلطان العقل، وقوة الحب أقوى من سلطة القانون، وسيطرة الحب أقوى من كل الأعراف والتقاليد.. حتى يمكن القول أن الحب أقوى من الحياة ومن يقرأ التاريخ يكتشف كم من مرة انتصر فيها الحب على الحياة.


والحب هو الحب.. أي أن الحب هو الدالة والدالة العكسية في آن واحد. فلا يوجد من الحب أنواع وأشكال مختلفة مثل باقي الطاقات الأخرى كالتواضع، أو التسامح، أو الإخاء وغيرها من الطاقات.. فهناك مثلاً الإنسان المتواضع جداً، وهناك الإنسان المتسامح بقدر،... أما الحب فهو دائماً الحب. فلا يوجد حب صغير وحب كبير، حب قوي أو حب ضعيف فالحب هو الحب بيد أنه متعدد الاتجاهات فالإنسان يحب خالقه، ويحب وطنه، وأهله، ويحب الجمال، ويحب بل ويعشق نصفه الآخر.


تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن الرجل يظل يبحث عن المرأة المختبئة في وجدانه حتى يجدها وتعود إليه فيستقر كيانه الإنساني وتتزن قواه، والمرأة تظل تبحث عن اتجاه الرجل الذي يبحث عنها فتذهب في اتجاهه مسرعة في خطواتها حتى تجد فارسها الذي ينتظرها.


في الواقع أنه في علاقة الرجل بالمرأة هناك الاستحسان، الاستلطاف، التوافق، الانسجام، الإعجاب، الانجذاب، اللهفة، الشوق،... والكثير من المصطلحات التي تحدد العلاقة بين الرجل والمرأة، غير أن هناك علاقة واحدة تجمع في داخلها كل العلاقات السابقة إلا وهي علاقة الحب.


فإذا حللنا الحب إلى عناصره الأولية سنجد كل المشاعر الطيبة والأحاسيس السابقة هي من مكوناته، بالإضافة إلى عنصر الحب ذاته وهو صاحب اليد العليا والسر غير المنطوق به في علاقة الرجل بالمرأة.


فالرجل إذا أحب امرأة فهو يحبها ليس فقط لأجل جمالها أو رقتها، أو جاذبيتها أو كمية الأنوثة التي تمتلكها بل لأنه فقط يحبها.. فهي جزء منه خرجت ثم عادت إليه تحت تأثير قوة جاذبية الحب الكائنة في أعماقه. والتاريخ خير شاهد على قصص الحب الحقيقي التي لم يلعب الجمال أو غيره من الصفات إي دور فيها وذلك لأنه متى توافرت طاقة الحب صغرت وتضاءلت كل الصفات الأخرى التي تغري الرجال.

فإذا كان الحب من أجل الجمال والأنوثة والصفات الأخرى التي يطلبها الرجل فلن يكون الحب حباً وإنما إعجاب ورغبات ليس إلا ! وهنا يتطلب الأمر نوعاً من الضبط حتى لا تتحول الرغبات إلى كبت يولد الحرمان ويؤثر سلباً على المزاج العام للإنسان ويفقده القدرة على الحياة المستقرة الهادفة.


إن الحب هذا الذي يؤثر ويتأثر به كل من الرجل والمرأة هو حب ثلاثي الأبعاد (الجسد، والنفس، والروح) فإذا تحرك الحب في الأبعاد الثلاثة بنفس السرعة كان حباً حقيقياً لا غش فيه وإذا تحرك بسرعة مختلفة في اتجاه ما دون الاتجاهات الأخرى كان حباً ناقصاً. فالحب الحقيقي يبدأ بعلاقة الروح بالروح وهي العلاقة التي توًلد حالة الارتياح أو النفور في أول لحظة لقاء وهذه العلاقة خفية لا يمكن دراستها إلا إذا توفرت لدينا معلومات كافية عن ماهية الروح وطبيعتها، في نفس الوقت تتحرك طاقة الحب في البعد الثاني وهو علاقة النفس بالنفس فإذا تجانست العلاقة وتوافقت وتقاربت المسافات النفسية بين الطرفين وجدنا أن طاقة الحب تتحرك بنفس المعدلات في البعد الجسدي.


مسكين شباب اليوم ! فقد فرضت المجتمعات العربية تحت تأثير ضغط القوى الأصولية حالة الطوارئ ومنع التجوال على علاقات الحب الحقيقي لأنها اختزلت الحب في بعد واحد هو الرغبات والشهوات والغرائز الجسدية، فأصبحت نظرة الحب بين الشباب في اتجاه الجسد فقط وتحولت مسارات الحب الروحي والنفسي إلى مسار الجسد فقط الأمر الذي أحدث للمرأة حالة من الفزع وأفقدها الشعور بأنها كائن كامل متكامل مثلها مثل الرجل ودفعها هذا الشعور الأليم إلى محاولة إخفاء هذا الجسد متحدية بذلك طبيعتها، وانعكس ذلك على الشباب سلباً. أرى أن الموضوع يحتاج إلى عدة مقالات وليس مقالة واحدة وذلك لأن الحب كالحرب من السهل أن تشعلها.. من الصعب أن تخمدها.

د. إميل شكرالله

* أستاذ الرياضيات بالجامعات المصرية
[email protected]