شاهين الأقرب للشخصية السكندرية في السينما المصرية

محمد الحمامصي من القاهرة:استقبلت الإسكندرية بعثة لوميير الأول برئاسة quot; مسيو بروميو quot; فى يوم 8 مارس 1897، كما جاء فى تحقيق المؤرخ الأستاذ أحمد الحضرى و أعلنته جريدة quot; لاريفورمquot; وقد قامت البعثة بعد يومين فقط ndash; 10 مارس 1897 minus; بتصوير بعض الشرائط الأولى بالمدينة منها: ( ميدان القناصل ndash; محطة ترام شدس ndash; وصول ورحيل القطار لمحطة سان استيفانو : ترام الرمل فيما بعد ). وقد رافق البعثة أثناء التصوير مسيو quot; ديللوسترولوجو quot;، وهو واحد من الأجانب المقيمين بمصر، حيث أعلن عن حصوله على حق الامتياز الوحيد لعروض الأفلام فى مصر. وقد ظلت البعثة بالإسكندرية طوال ثلاثة أسابيع قبل انتقالها إلى العاصمة، وقد تم عرض الشرائط التي تم تصويرها بالمدينة والعاصمة بالتبادل كل ثلاثة أيام.. وجاءت البعثة الثانية، بعد تسع سنوات من مقدم البعثة الأولى للوميير، وفى شهر نوفمبر 1906، كان مقدم مسيو مسيجيش رئيسا للبعثة الثانية و التى وصلت إلى الإسكندرية، وهى تحمل أهدافا أخرى، وهى السعي لتصوير شرائط جديدة تصور الطقوس والعادات المصرية. كانت المحطة الأولى بالثغر، ثم الانتقال إلى وسط الدلتا وصولاً للقاهرة، ومنها الانتقال إلى صعيد مصر عبر نهر النيل، بعدها انتقلت إلى السودان لبداية رحلة جديدة.. وقد سجلت البعثة مجموعة كبيرة من الشرائط التي وثقت لأماكن وعادات وتقاليد مصرية، لكن أهم حدث نخرج به من تلك البعثة، هذه العلاقة المباشرة أو غير المباشرة مع الشريكين quot; عزيز ودوريس quot;، واقترابهما بشكل كبير لفن صناعة الشرائط السينمائية، لتبدأ مسيرتهما مع صنع أول شريط سينمائي على أرض الإسكندرية.

صالة سينما في اسكندرية منتصف القرن الماضي

هذه الرحلة للسينما المصرية في مدينة الإسكندرية محور كتاب (الشخصية السكندرية في السينما المصرية) لمؤلفه سامي حلمي الذي يلقي الضوء علي مدينة الإسكندرية سينمائياً، حيث يقدم قراءة نقدية لمجموعة من أبرز الأفلام التي تناولتها كمكان وروح وشخصية ويوثق أيضا لقديمها وجديدها، وهو يمهد الكتاب بفصل عن quot; الإسكندرية عبر العصور quot;، يجول فيه بالقارئ في رحلة عبر تاريخ الإسكندرية منذ العصور الأولي وحتى العصر الحديث، ثم ينتقل إلي علاقة الإسكندرية بالسينما التي كانت أول محطة ذهبت إليها بعثات لوميير الأولي، وعبر بواباتها لكونها الميناء الهام الذي يطل علي البحر المتوسط، إضافة إلي طبيعة تكوين المدينة من تنوع جنسياتها، وبالطبع كان تاريخ المدينة عبر العصور يسبق اسمها في كافة المحافل الحضارية والثقافية. هناك أيضا حركة تجارة نشطة عريقة في تاريخها بينها وبين الموانئ الأخرى المطلة علي المتوسط، والتي أصبحت طوال تاريخها سوقا تجاريا في كافة أنواع البضائع، وعلي وجه الخصوص كل ما هو مستجد علي الساحة التجارية.
ويروي المؤلف فيها قصة السينما بداية من عام 1896 وحتى 1939، والتي بدأت مع عزيز ودوريس، اللذان كانا يمتلكان محلا للتصوير الفوتوغرافي بمحطة الرمل، وقد تميز كل من quot; عزيز بندرلي وأمبرتو مالافاس دوريسquot; عن أقرانهما من الأجانب الذين يحترفون التصوير الفوتوغرافي، وهو ما جعلهما يختصان بتصوير وتسجيل نشاطات السلطان quot; عباس حلمي الثانيquot; وحاشيته من تحركات ومناسبات وطنية واجتماعية ورياضية، مما جعلهما نجوماً في مجالهما وقد طورا من أدواتهما وانخرطا في هذا المجال الجديد علي الساحة من تطور للصورة الفوتوغرافية الثابتة إلي الصورة المتحركة علي الشاشة..وقد سعيا إلي صنع أول شريط سينمائي في مصر، وكان ذلك في عام 1907، وكان الفيلم بعنوان quot; زيارة جناب الباب العالي للمعهد العلمي بمسجد أبي العباس quot;، ويروي عرضاً لموكب الخديوي عند الوصول إلي ساحة المسجد وتفقده للمعهد العلمي به، واستقبال الجماهير له عند الوصول وتوديعهم له عند المغادرة.. لقد امتلك quot;عزيز ودوريسquot; ذكاء الصانع الماهر في هذا الشريط، الذي يختص بمباهج المناسبة الدينية، وعلاقة الحاكم بالجماهير، وهو ما أعطي أثراً طيبا لدي المشاهد بما يعرض عليه، ويمس مشاعره، وهنا تحقق لكل من quot; عزيز ودوريس quot; ما أرادا من نجاح لشريطهما الأول، والذي دفعهما إلي تكرار التجربة في شرائط أخري علي أرض الإسكندرية.. وبعد العرض الأول للشرائط الوافدة من باريس فى بورصة طوسون، وتحقيقها لمردودات إيجابية، من إقبال مشاهدين، وجني لأرباح كبيرة، لذا شهدت المدينة ازديادا ً فى عدد صالات ودور العرض السينمائي، بداية من سينماتوغراف لوميير 1897 بشارع محطة مصر وحتى عام 1912، تعاظمت دور العرض بوسط المدينة بشكل ملفت، فقد أقيم الكثير منها فى تسابق محموم من أجل جذب عدد أكبر من المشاهدين ومنها : quot; سينمافون عزيز ودوريس ـ سينماتوغراف باتيه، شانتكلير، أمباير. أمريكان كوزموغراف،تياترو مودرن، حديقة رشيد، سان استيفانو، سينما لوكس، سينما ماتوسيان، سينما إيطاليا. quot; إضافة إلى العروض السينمائية التي تقدم مصاحبة للفرق المسرحية بعد عرضها لمسرحياتها، وكى تجذب عدداً أكبر من المشاهدين كانت تعرض عليهم بعضاً من الشرائط السينمائية فى برنامج واحد.

غلاف الكتاب

وفى سنوات لاحقة، ومع بداية السينما الروائية الصامتة ثم الناطقة أقدمت شركات السينما الأمريكية على إنشاء دور العرض سينمائي بالمدينة، لعرض إنتاجها فقط وتوزعت فى أنحاء متفرقة من المدينة، كما أقيمت أيضا دور عرض تتبع هيئات حكومية، مثل مستشفى الميترانيتيه، المستشفى اليوناني، جامعة فاروق، هيئة النقل المشترك. ومن الهيئات الأهلية كنيسة سانت كاترين،كنيسة الجزويت، كنيسة القلب المقدس، المدرسة الإنجليزية، كلية فيكتوريا، كلية سان مارك، معهد دون بوسكو. بالإضافة إلي دور العرض الخاصة خريستو وشركاه، باليولدج وشركاه، بريكلس ديمتريو، إيلى لطفى،فؤاد حجار.
ومع ازدياد عدد صالات العرض السينمائي التي كانت تتسابق فى عرض شرائطها وهو ما تطلب المزيد منها، والتي كانت فى صورتها الأولى شرائط سينمائية تلاحق مناسبات و احتفالات وطنية ورياضية. وقام بتصوير هذه الشرائط مجموعة من مصوري الفوتوغرافيا الأجانب المقيمين بالإسكندرية، فإلى جانب عزيزودوريس، أورفانيللى، توجو مزراحى، كان هناك مجموعة أخرى تتلمذوا على يد هؤلاء الأساتذة، ومنهم دافيد كورنيل، جوليو دى لوكا، برونو سالفى، بريما فيرا، كليليو، توليو كيارينى، لاريتش، وآخرون.. انضم إليهم من المصريين الرواد quot; عبد الحليم نصر، ومحمود نصر، ومحمد بيومى quot;، ونجد أن الشرائط التي صورها رائد السينما المصرية محمد بيومى كانت مغايرة لما قدمه الأجانب المقيمون، فقد سجلت شرائطه الوثائقية أحداثاً وطنية هامة منها : عودة الزعيم سعد زغلول من المنفى، و احتفال لجنة الوفد بالإسكندرية بالنحاس باشا، و نقل أعمدة مسجد المرسى أبى العباس، و افتتاح نادي الصعيد بالإسكندرية، وغيرها. ونشير بأن بعضاً من هؤلاء المصورين كان يصنع شرائط إخبارية وأحداثاً محلية بالإسكندرية لصالح بعض من وكالات الأنباء الأجنبية.

يكشف المؤلف النقاب عن أن الجالية الإيطالية والأجانب المقيمين من أصول إيطالية كانوا الأكثر انخراطا فى العمل السينمائي، سواء كانت فى البدايات، من عروض وتصوير لشرائط تسجيلية ووثائقية، ثم الانتقال إلى مرحلة تالية وصنع أفلام روائية وهو ما كان يشغل فكر أستاذ هذا الفريق quot;أمبرتودوريسquot;. والمدهش أن الجميع كان على دراية بأن تحقيق هذه الخطوة لا يتم إلا من خلال إنشاء ستوديو سينمائي، وهو ما حدث بالفعل، ففي عام 1917 أقدم quot; دوريسquot; ومعه بعض المقيمين من أصول إيطالية على الاتصال والتفاوض مع quot; بنك دى روما quot;، وهو أحد البنوك الأجنبية العاملة في المدينة من أجل تمويل المشروع الذي أقيم على مسطح كبير تصل مساحته إلى ستمائة متر مربع بمنطقة النزهة ( مكان سينما الحضرة الآن )، حيث تم بناء الأستوديو بمواصفات تتناسب مع التصوير فيه عبر الضوء الطبيعي، لذا سيطرت المساحات الزجاجية على معظم جدران المبنى وغطيت بالستائر وأطلق عليه quot; ستوديو سيتشيا quot;.
وقد تولى الإدارة والإشراف الفني quot; أمبرتو مالافاس دوريس quot;، وانضم إلى الفريق أحد أهم مديري التصوير فى المدرسة الإسكندرية السينمائية وهو quot; ديفيد كورنيل quot;, إضافة إلى مساعد له هو quot; ألفيزى أورفانيللى quot;، وقد يكون أيضا مشاركاً لهم في المشروع وهو ما سنأتي له لاحقاً. وقد فشلت المحاولة الأولى لصنع أفلام من خلال ستوديو النزهة، وهو ما أدى إلى إفلاس الشركة.
لكن أهم حدث استتبع فض هذه الشركة كان ظهور اسم quot; الفيزى أورفانيللى quot; الذي كان له بعض المستحقات، إما مقابل أعمال قام بها، أو كان له نصيب في الشركة ولم يحصل عليه. لكنه من خلال مفاوضاته مع باقي الشركاء حصل في نهايتها على معدات وأجهزة الأستوديو مقابل تلك المستحقات.. تلافي quot; الفيزيquot; كل أخطاء التجربة الأولي، وكان الأستوديو الخاص به مكتملا بكل عناصر منظومة العمل السينمائي. وسعي إلي صنع أفلام مضمونة النجاح وجني الأرباح، حيث الهدف كان الاقتراب من المشاهد والتعامل معه بلغته دون تعال، فكان موفقا في اختيار موضوعات الأفلام وتواجد الأبطال من النجوم الذين يقومون ببطولاتها فنجح الي حد كبير. وكانت البداية فيلم quot; مدام لوريتا 1919 quot; مع المخرج quot; لاريتشيquot;.

يوثق المؤلف بعد ذلك لمسيرة محمد بيومي، والأخوان لاما، وتوجو مزراحي، محمود خليل راشد في مجال السينما. فخلال العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي، نجد العديد من المبدعين وصناع السينما الذين قدموا نشاطا ملموسا بالثغر، عبر استوديوهات أقاموها بالمدينة ( سيتشيا- ألفيزي ndash; لاما ndash; توجو)، والي جانب هذا كانت هناك محاولات لأفراد في نفس المضمار، وهو ما أدي إلي ازدياد في صالات ودور العرض السينمائي، ولم تتوقف حركة الأفلام الوافدة من الخارج، لذا تطلب كل ذلك تواجد منظومة إدارية واعية تعمل نحو تنظيم الحركة السينمائية، وهو ما أسفر عن ظهور شركات إنتاج وتوزيع أجنبي ndash; مصري، وهي شركات يمتلكها أفراد أو تجمع لأكثر من فرد، كانت لديهم الأموال وخبرات السوق التجاري لأنهم يعملون في مجالات تجارية وصناعية متنوعة، لكنهم وجدوا في النشاط السينمائي المتزايد فرصة لإضافة أنشطة وأرباح أخري، إضافة إلي البريق والاهتمام بهذا النشاط الجديد داخل أوساط المجتمع بكافة شرائحه الاجتماعية. وقد تخصصت بعض من هذه الشركات في توزيع أفلام لدول بعينها، وشركات أخري لأكثر من دولة منها: فلاديميراندرياس، رياما اليشنسكي، واندريه صليب، ومنتخبات بهنا فيلم.
في ظل هذا الزخم السينمائي الكبير بالمدينة تناولت بعض من الصحف التي تصدر بها هذا النشاط مثل: جريدة لايفورم باللغة الفرنسية، والأهرام بالعربية، ومجلة اللطائف المصورة. ثم ظهرت علي الساحة المجلات المتخصصة بفن السينما علي وجه الخصوص كمجلة سنجراف جورنال ومجلة سينما بالفرنسية، ومجلة معرض السينما بالعربية. وكان القاسم المشترك في هذه الإصدارات، رائد النقد السينمائي quot; السيد حسن جمعهquot; الذي كان يقيم بالإسكندرية ويعمل بمهنة التدريس، حتى أثارت الأنشطة السينمائية بالمدينة اهتمامه، واقترب من العاملين بالمهنة وعلي وجه الخصوص quot; الأخوان لاما quot;، كما أنشأ quot; السيد حسن جمعه quot; ناديا للصور المتحركة عام 1923 ومعه مجموعة من المهتمين بهذا الشأن، كان من أبرزهم quot; زكريا محمد عبده quot; الذي عمل بالنقد السينمائي إلي جواره.. وفي ختام هذا القسم من كتابه يوثق سامي حلمي للأنشطة السينمائية بالإسكندرية، من خلال شركات الإنتاج والتوزيع والجمعيات والإصدارات التي ظهرت في تلك الحقبة.

ويؤرخ سامي حلمي في كتابه هذا لأهم سمات وملامح الشخصية السكندرية، عندما نستعيد تاريخ مدينة الإسكندرية، ومن خلال تعاقب العصور المختلفة، التي شهدت فيها المدينة التوسعات العمرانية سواءً كان هذا على الشريط الساحلي أو فى الداخل... نجد أن المدينة قد انقسمت إلى جزأين: الحي الإفرنجي وانحصرت مناطقه فى (المنشية ndash; محطة الرمل، وصولاً إلى كامب شيزار ndash; الإبراهيمية وحتى جليم ndash; زيزينيا ndash; سان استيفانو وغيرها).وفى بعض العصور كانت هناك مناطق ملاصقة لترعة المحمودية يقطنها الطبقات العليا.

أما الحي الشعبي: فيبدأ من رأس التين، السيالة، المكس، وصولاً إلى بعض المناطق فى محرم بك، الداخلية، وحتى باكوس وغبريال وكان يقطن بها الطبقات الدنيا.. ومع ازدياد الإعمار بالمدينة والتوسعات فى الأحياء المتلاصقة مع حركة توافد السفن، محملة بالوافدين على الميناء تشكلت ملامح وسمات الشخصية السكندرية إلى جزأين، أولاً: السكان الأصليون، وثانياً: السكان الوافدون.

ويخصص المؤلف جزء من كتابه لابن بحري، حيث يري أنها شخصية سكندرية صريحة متواجدة بشكل أساسي في المدينة القديمة، لها علاقة بالبحر، وهي شخصية مقدامة شجاعة، أخذت من البحر ثورته في بعض الأحيان وهدوء أمواجه في أحيان أخري.
أما المثقف السكندري، فهي بحسب المؤلف، شخصية وليدة حي الأثرياء، أو الأحياء الراقية فى منتصف المدينة، ترتدي الملابس الأوروبية (قميص ndash; بنطلون ndash; أو بدلة كاملة) تلم بمعرفة أكثر من لغة أجنبية إلى جانب العربية.. وقد يكون البعض منهم من شريحة متوسطة، إلا أنها تتواجد عبر أجواء وثقافات دافعة ومختلفة، وبداخلها الحلم فى التغيير لما هو أفضل، لما تمتلكه من انفتاح على الثقافات والمجتمعات الأخرى، كما أن لديها الحافز فى أن تصنع تاريخها بيدها.. والأقرب لهذه الشخصية فى أفلامنا المصرية، نجده عند المخرج القدير يوسف شاهين... وثلاثية لسيرة ذاتية: ( إسكندرية ليه ndash; حدوتة مصرية ndash; إسكندرية كمان وكمان). قدم فيها شاهين شكلاً من خلال شريحة للطبقة المتوسطة فى المجتمع السكندري.. بداية من العشرينيات من القرن الماضي، حيث التعايش ما بين فئات المجتمع المختلفة بكل مكوناته المصرية الصميمة، والأجانب الوافدين فى تآلف ومحبة ووئام، من خلال تعاقب أجيال بداية من العشرينيات وحتى أوائل السبعينيات.
ففى فيلم quot; ميرامار quot; لكمال الشيخ ndash; نجدها عند منصور باهى وأيضا سرحان البحيرى. وهى عند quot; محمد كامل القليوبى quot; فى فيلم quot; البحر بيضحك ليه quot; عبر بطل الفيلم ndash; حسين ndash; المثقف المتمرد على واقعه، حيث أن المثقف أحد معالم ومكونات مدينة الإسكندرية، وسوف نجدها في أفلامنا المصرية عبر إبداعات كثيرة فى تاريخنا السينمائي.

وحول الشخصية الوافدة، يقول سامي حلمي: كانت لطبيعة موقع وتكوين مدينة الإسكندرية كمرفأ وميناء، دائماً ما كانت تستقبل الوافدين من الخارج بالترحاب ليتنسموا نسيمها. هناك من جاء لقضاء بعض من الوقت للتمتع بأجواء المدينة والتعامل مع مواطنيها فى سلام، وآخرون ينسجمون معها لا يستطيعون الفكاك من أسرها ؛ فيستقروا بها ويصبحوا من أبنائها، وجزءاً من سكانها.. وعبر العصور شهدت المدينة تطوراً كبيراً، من اتساع رقعتها، وازدياد معمارها، مع تعدد الأنشطة التجارية والصناعية. وقد دفع هذا بعضاً من سكان المحافظات الأخرى داخل الجمهورية، للوصول إلى المدينة، والبحث عن وسيلة لأكل العيش، خاصة بعد أن يحطوا بها ويشعروا بعدم الغربة، والتواصل مع سكانها ومعمارها ودروبها.

ونجد أن النموذجين قد تم تناولهما فى الأفلام المصرية، سواءً كان الوافد من الخارج أو الداخل، مثال: العامل الفلسطيني عند quot; يوسف شاهين quot; فى فيلم quot; اليوم السادس quot;، الذي جاء إلى المدينة في ظرف ما، ليستقر فيها لبعض الوقت، ثم يعود أدراجه إلى وطنه الأصلي.. وهناك quot; بسيمة عمران quot; فى فيلم quot; الطريق quot; فقد جاءت إلى المدينة هرباً من خطيئة أسفرت عن حمل، وكانت الإسكندرية هى الملاذ والملجأ للتغلب على مشاكل قد تحيط بها، وفى المدينة الساحرة، يكون الميلاد للابن (صابر) وبداية لرحلة البحث عن الأب فى quot; سيد الرحيمى quot;.
ويجمع فيلم quot; ميرامار quot; ما بين النموذجين: quot; فميريانا quot; صاحبة البنسيون هي امتداد للوافدين من الخارج الذين استقروا فى المدينة وأصبحت وطناً جديداً لهم. أما quot; زهرة quot; ndash; تلك الريفية البسيطة ndash; فهى وافدة من الداخل حيث جاءت إلى المدينة بحثاً عن الرزق وعن العالم الجديد. إنها المدينة الحاضنة والمرحبة بكل وافد.
ويري المؤلف أن الشخصية السكندرية تكونت ما بين شخصية أصلية وأخري وافدة لكن الجميع انصهر في بوتقتها دون تمايز فيما بينهم، ثم يستعرض الملامح والسمات التي تميز كل فئة من حيث المظهر الخارجي، وكيف تم تناولها من خلال الأعمال التشكيلية.
أما الجزء الثالث في الكتاب والذي جاء تحت عنوان الإسكندرية ( المكان والشخصية ) في الأفلام المصرية، فيشير فيه إلي بعض المشاهد التي لا تنسي في الأفلام المصرية والتي جسدت المدينة ونقلت الواقع السكندري بتفاصيله. ويفرد المؤلف سامي حلمي في القسم الأخير من كتابه، لمبدعو السينما المصرية، موثقا لأبرز الأفلام التي قدمت الإسكندرية كمكان مميز له خصوصيته وسحره، بداية من فيلمquot; البحر بيضحك quot;لاستيفان روستي، وحتى يلم البحر بيضحك ليه للمخرج محمد كامل القليوبي عام 1995، ويختتم هذا الجزء بالتطرق للأغنية السينمائية والإسكندرية، وما قدمه مدير التصوير الرائد وحيد فريد للأغنية والاستعراض من خلال الاستثمار المثالي للموقع عبر مدينة الإسكندرية.

الكتاب : الشخصية السكندرية في السينما المصرية
المؤلف : سامي حلمي
تحرير : محمد عوض و سحر حمودة.
الناشر : مكتبة الإسكندرية 2007.
عدد الصفحات : 146 صفحة
المقاس : 20 * 20 سم.