حاورتها سماح الشيخ:علياء أرصغلي مخرجة فلسطينية، ومديرة لمؤسسة شاشات التي تعنى بتنمية القطاع السينمائي خاصة سينما المرأة، وحاصلة على دكتوراه في الدراسات السينمائية. ايلاف حاورت المخرجة عن مواضيع السينما والمراة

هل هناك سينما للمرأة وسينما للرجل؟
هناك تيارات نقدية وأكاديمية سينمائية تدرس سينما المرأة، لتبحث ما إذا كان هناك لغة سينمائية خاصة بالمرأة مختلفة عن لغة الرجل، وهل سردها السينمائي يختلف أيضاً، وهذا ليس في السينما فقط، بل في الأدب والفن التشكيلي وغيره من الإبداعات. نرى أن الاهتمامات والهواجس الإبداعية التي تعبر المرأة بها عن عوالمها تختلف عن طريقة الرجل. سرد الرجل يهتم أكثر بالعام، بينما المرأة تنطلق من الخاص إلى العام. غادة الطيراوي، ليانة بدر، ديمة أبو غوش، وغيرهن من المخرجات الفلسطينيات يثبتن هذا عبر تجاربهن، لديكِ مثلاً فيلم ناهد عواد (25 كيلو متر) يوضح معاناة المخرجة في الوصول من رام الله إلى بيت ساحور لزيارة أهلها بسبب الحواجز الإسرائيلية. فيلم إيناس المظفر مثلاً آخر، فهو لا يحكي عن جدار الفصل العنصري بل عن اللقاءات الحميمة بين إيناس ووالديها عند الجدار، وكيف تغيرت حياتهم بسبب الجدار. وهذا ما يميز أعمال المخرجات الفلسطينيات تحديداً، فالتعبير عن الهم الفلسطيني العام يأتي من خلال الخاص. لهذا تلقى أعمال المخرجات الفلسطينيات رواجاً عالمياً لأن فيها تناول أكثر حميمية ومصداقية عبر سرد الرواية الفلسطينية بشكل أكثر فعالية من السرد التقليدي، ومن المعروف أن القصص الشخصية تؤثر في الجمهور الغربي أكثر من الموضوع العام والمعاناة العامة.

المخرجة علياء أرصغلي


هل كان سبب اختلاف سرد المرأة السينمائي وحميميتها الاختلاف البيولوجي عن الرجل؟
لا أظن أن هناك شيء بيولوجي، المحيط الاجتماعي هو الذي يخلق تجربة مختلفة. خروج المرأة وزيادة معرفتها زادت من اختلاف تلقّيها، إنها تجربتها الذاتية التي تتحكم في أداتها التعبيرية عن ما تلاقيه يومياً، تجربتها اليومية تماماً مختلفة. كذلك التباين بين سرد فتاة القرية عن فتاة المدينة، وهذه البلد عن تلك. إنها التجربة اليومية المختلفة. هل أستطيع أن أخرج بعد منتصف الليل كالرجل؟ وإذا خرجت هل سأشعر بما يشعر به هو؟ محدودية تجربة المرأة تؤثر على سردها، قد تحدّ من تعبيرها وقد تفتح لها آفاقاً جديدة لكل ما لم تجرب.

إذا تقاربت طرق السرد بين المرأة والرجل وتلاشت الخصوصية الجنسوية، هل يرقى العمل السينمائي؟
على العكس تماماً. كل ما استطاع الإنسان أن يقدم الشيء الخاص الحميمي كلما أوصل الهم العام بطريقة أفضل. تناول العموميات أشبه بترديد الشعارات التي لم نجنِ من ورائها شيئاً، وما علاقة هذا بمصداقية التجربة الإنسانية؟ ما يرقى إلى الإبداع هو ما يخرج من الدواخل العميقة للمبدع، لأن في ذلك تماس مع دواخل الآخرين، لا أحد يعيش في عزلة، عندما نعبر بشخوصنا وذواتنا فقط، نلمّ بالأبعاد الأخرى بشكل أعمق.

هل قدمت المخرجة المرأة ما يرضاه الرجل، هل قالت قوله، على المستوى الفلسطيني مثلاً؟
لم يعد يحدث هذا، لا أظن. وإذا لماذا ازدهرت سينما المرأة الفلسطينية ووصلت أقاصي الأرض؟ ولماذا تُرجمت أعمال الأديبات الفلسطينيات إلى عشرات اللغات؟ المرأة أصبحت تحترم ذاتها أكثر مما يظن الآخرون، وفاجأت الرجل كثيراً خاصة لدينا.

هل هناك أي تهميش يمارس على أعمال المخرجات، أم تلقى أعمالهن رواجاً لأن مقدمة العمل امرأة؟
لا تهميش ولا ترويج. العمل الناجح يقدم نفسه، والجمهور أصبح يقدر المرأة العاملة في السينما أكثر يوماً بعد يوم.

هذا يعني أن الجمهور يتعامل مع نتاج المرأة المخرجة بحيادية؟
في المهرجان الثاني لسينما المرأة في فلسطين، أقمنا جولة عروض في الجامعات ومنها جامعة الأقصى بغزة، وعرضنا أفلاماً لمخرجات فلسطينيات، ورحب الجمهور جداً. في البداية كانت شريحة كبيرة لا تعلم بوجود هذا التيار السينمائي النسوي الفلسطيني القوي. هناك تقدير كبير من المجتمع الفلسطيني واهتمام بمبدعاته خاصة في المجال السينمائي، عربياً أيضاً هناك مهرجان للمرأة في القاهرة يشمل أفلاماً لمخرجات من العالم العربي والإسلامي. وعلى المستوى العالمي هناك خمسين مهرجاناً سينمائياً نسوياً، هذا يعني هناك اهتمام.

من فيلم هيدي مش عيشة


وهل تمنح السينما المرأة مساحة أكبر من التلفزيون للتعبير عن قضاياها؟
أظن أن السينما هي أداة تعبيرية أفضل من التلفزيون كإمكانات إبداعية خاصة للفيلم الروائي، من تقنيات وإضاءة وكاميرا. لكن كفيلم وثائقي يبقى التلفزيون منبراً للفيلم الوثائقي. مع الأسف التلفزيون الفلسطيني لم يستطع أن ينتج أفلاماً وثائقية على مستوى عالي، أو يوظف السينما بشكل جيد، لأن موارد التلفزيون الفلسطيني ضئيلة. انظري للتلفزيون المصري الذي أنتج أروع الدراما، والتلفزيون السوري الذي أنتج أفلاماً شاركت في مهرجانات عالمية. الإمكانيات هي التي تحد من القدرات في أي مجال.

برأيك هل ما قدمنه رائدات السينما العربية خدم المرأة على وجه العموم؟
هناك حركة سينمائية نسائية قوية في العالم العربي، لا نستطيع أن نقول أنها لا تخلق تغييراً في الثقافة والمجتمع، هناك أفلام نوعية قدمت فكراً حقيقياً.

حدثينا عن تجربتك كمخرجة في التعامل مع الطاقم الفني الذكوري ومدى تجاوبه.
الطاقم الفني، الذكوري والنسوي، هو طاقم مهني تحكمه علاقات مهنية. الكل يبدي رأيه في تخصصه، وللمخرج أو المخرجة القرار. إذا كان الطاقم مهني فسيستجيب حتماً.

المهرجانات والتكريمات.. هل احتفت بالمرأة المخرجة كما ينبغي؟
أظن ذلك. مؤسسة شاشات مثلاً أقامت مهرجانات وأعطت ثلاث جوائز في أول مهرجان، كانت جائزة الفيلم الفلسطيني للمخرجة سلافة جاد الله أول امرأة فلسطينية تحمل كاميرا، وصوّرت لأحداث أيلول الأسود. الإعلام لدينا والإعلام عموماً يهتم بالمخرجات، يعطي صفحات جرائده ويخصص إذاعاته ومحطاته الفضائية والأرضية للحديث عن أفلامهن وعقد لقاءات معهن وتناول أخبار نتاجهن.

في ظل الدعم المحدود للسينما الفلسطينية، كيف تنتج المرأة أعمالاً وتخلق ذاتها كمخرجة؟
هناك الكثير من الفرص، وفرص العمل. بأقل تكلفة وبكاميرا صغيرة تستطيع المرأة أن تنتج فيلمها، المونتاج على الكومبيوتر قلل أيضاً من التكلفات العالية، كثير من الأفلام التي حققت نجاحات مذهلة وحصلت على جوائز كانت تكلفتها بسيطة. الصورة التقليدية للإنتاج وتكاليفه تغيرت، تظل الفكرة والإبداع في التناول.