تمزق عاطفي في فيلم العاشقان لجيمس غراي
كلاسيكية كلينت ايستوود التي ترشحه للسعفة الذهبية

قصي صالح الدرويش من كان: يذهب النقاد الفرنسيون إلى ترشيح الفيلم الفرنسي quot;حكاية عيد الميلادquot; لنيل جائرة السعفة الذهبية، وهو ترشيح قد لا يشاطرهم فيه زملاؤهم من غير الفرنسيين، خصوصا وأن كاترين دونوف بطلة الفيلم لم تكن في مستوى التألق الأدائي المعروف عنها. وسنعود إلى مراجعة نقدية لهذا الفيلم الذي أخرجه آرنو ديبليشان في الأيام المقبلة. حتى الآن يتوزع ترشيح النقاد لجوائز المهرجان بين الفيلم الإسرائيلي quot;فالس مع بشيرquot; أو الفيلمين البرازيلي والأرجنتيني باعتبارهما يمثلان حيوية سينما أميركا اللاتينية اليوم أو الفيلم التركي quot;ثلاثة قرودquot; مع أنه ينتمي إلى موجة السينما الجديدة، وهناك أيضا الفيلمان الأميركيان اللذان عرضا حتى الآن، ونعني فيلم quot;العاشقانquot; لجيمس غراي وفيلم quot;المبادلةquot; لكلينت ايستوود، دون أن ننسى الفيلم البلجيكي quot;صمت لورناquot; للأخوين جان بيير ولوك داردين والذي يستبعد اختياره للسعفة الذهبية ما لم تحدث مفاجأة لأن الأخوين داردين سبق وحصلا عليها مرتين، علما بأن فيلمهما هو بالتأكيد أحد أجمل أفلام المهرجان هذه السنة. وطبعا هناك أفلام منتظرة، خاصة الفيلم الأميركي الثالث quot;تشي غيفاراquot; والذي يستغرق عرضه نحو أربع ساعات ونصف، وقد سبق لمخرجة سودربرغ أن نالت السعفة الذهبية عن فيلم quot;جنس أكاذيب وفيديوquot;.

في فيلم quot;العاشقانquot; يتابع جيمس غراي مسيرته السينمائية التي بدأها بفيلم quot;أوديسا الصغيرةquot; حيث أثبت موهبة كبيرة. وفيلمه الجديد يبتعد عن أجواء المافيا والعنف التي سادت أفلامه الثلاثة السابقة. غراي يقول إنه استلهم السيناريو من قصة دوستويفسكي quot;الليالي البيضاءquot; التي تتحدث عن رجل أحب بشكل أفلاطوني امرأة تعرف إليها في الشارع وتعاني اضطرابات نفسية. والفيلم يعرض حالة التمزق العاطفي التي تعصف بالشاب الثلاثيني ليونار الذي يعيش حالة كآبة وبطالة بعد صدمة عاطفية مدمرة جعلته يعود إلى منزل والديه حيث يواصل هموده إلى أن يلتقي بابنة شريك والده اليهودية ساندرا وهي فتاة لطيفة وجميلة تحاول التقرب إليه بمباركة الأهل من الطرفين، ويبدأ ليونار بالتجاوب معها إلى أن يلتقي بجارة له في العمارة نفسها، ميشيل الجميلة والمزاجية والتي تعيش قصة حب عاصفة مع رجل متزوج وثري.

ميشيل تثير إعجاب ليونار الذي يسعى إلى التقرب منها ليتحول بالنسبة لها إلى الصديق الذي تسر له بمكنونات صدرها ومخاوفها من كذب وعود حبيبها المتزوج، وهذا الوضع يمنع ليونار من الاعتراف لها بحبه ويدفعه إلى محاولة نسيانها عبر العودة إلى ساندرا ليعيش معها علاقة حب وجنس وألفة، لكن ميشيل تطارده باتصالاتها وأحاديثها عن شجونها إلى أن تقرر إنهاء علاقتها مع عشيقها المتزوج والتي جعلتها تمرض من شدة الحب. هكذا يجد ليونار أخيرا الفرصة ليعبر لها عن مشاعره الدفينة فتكاد لا تصدق في البداية ثم يتبادلان القبل والجنس فوق سطح العمارة رغم البرودة الشديدة. وتبدأ بين الاثنين علاقة يقرران معها السفر بعيدا من العائلة ومن ساندرا. ويوم الرحيل يقوم بتهريب حقيبته كي لا يواجه والديه ويحمل معه الخاتم الذي كان اشتراه لميشيل، لكن هذه الأخيرة تصل إلى الموعد متأخرة لتعلن له أنها ستعود إلى عشيقها السابق الذي ما زالت تحبه والذي قرر الارتباط بها والانفصال عن زوجته.

بخيبة مدمرة وأمام البحر يرمي ليونار الخاتم فوق الرمال، لكن سرعان ما يستعيد سكينته ويقفل عائدا إلى منزل والديه هادئا صامتا مبتسما ليقبل ساندرا أمام الجميع ويعطيها الخاتم وسط سعادة الأهل والأصدقاء.

لقد أبدع جواكيم فونيكس في دوره متنقلا بين حالة الهمود التي تجعله في حالة قريبة من التخلف وبين حالة النشاط والحب والاشتعال والخيبة. جواكيم الذي شارك في فيلم غراي الماضي quot;الليل ملكناquot; يستحق بالتأكيد الترشح لجائزة أفضل ممثل. كما أن التصوير جميل وشريط الأحداث جاء موفقا في الانتقال بين خيبة الانهيار وحرارة الحب، لكن المسار الذي أخذته الأحداث كان كلاسيكيا خاصة الخاتمة التي أفقدت الفيلم حرارته وقدرته على التشويق بحيث يبدو من الصعب ترشيحه للفوز بالسعفة.

أما الفيلم الذي صنعه كلينت ايستوود فكان كلاسيكيا على درجة رفيعة من النجاح مع أن السيناريو ظل ملتزما بالأحداث الحقيقية التي جرت في العشرينات من القرن الماضي وبهذا ظلت الأحداث معروفة غير قادرة على التحرك. وظل المسؤولون عن التحقيق بحادث اختفاء الطفل محكومين بالتقصير والانحراف وبالاعتداء على البطلة أي المرأة التي خطف طفلها وأعيد إليها بعد أشهر طفل آخر، إذ تم إبعادها إلى مستشفى للأمراض النفسية بسبب إصرارها على أن الطفل ليس ابنها المفقود لتعاني تعذيبا واضطهاد الأطباء والممرضات مثل بقية النزلاء في المستشفى، لا يواسيها سوى الرجل الإيجابي الذي دافع عنها وهو القس الذي لعب دوره جون مالكوفيتش والذي كان يتصرف بذكاء وشجاعة. هكذا عانت شخصيات الفيلم من المسؤولين في الشرطة والأطباء والقس من جمود منعها من التطور، جمود طال أيضا المجرم الذي خطف الأطفال وقتل بعضهم ودفع بعضهم إلى القتل أيضا، هذا المجرم ظل جامدا في صورته الثابتة لم يتغير حتى بعد الحكم عليه بالإعدام ورفض الاعتراف للأم التي استدرجته بحقيقة ما حدث مع ابنها وبحقيقة مصيره.

الشخصية المتطورة والمتحركة كانت الأم الضحية التي أصرت على محاولة معرفة الحقائق ما أعطاها ديناميكية وقدرة على الفعل, وبالتأكيد تألقت أنجلينا جولي بهذا الدور الاستثنائي الذي يؤهلها وبجدارة لتصدر قائمة المرشحات لجائزة أفضل ممثلة، على الرغم من تألق العديد من الممثلات القادرات على المنافسة في عدد من الأفلام التي شاهدناها.

رغم عمره المتقدم والذي قارب الثمانين، يستمر كلينت ايستوود في إبداعه كمخرج ماهر في رصيده 19 فيلما تتنوع مواضيعها من الكاوبوي إلى العاطفية والدرامية، ناهيك عن الأفلام التي مثلها كنجم ساطع ما زال وسيما متألقا في نجوميته, وليس غريبا أن يحصل على جائزة السعفة الذهبية، مع أن بعض النقاد الفرنسيين يستنكرون مسبقا مثل هذا الفوز، باعتباره قد يكون جائزة تقدير وهناك من يلمح إلى الصداقة التي تجمعه مع رئيس لجنة التحكيم شون بين الذي يدين له بجائزة الأوسكار التي نالها عن فيلم quot;ميستيك ريفيرquot;, هذا التلميح استفز شون بن الذي أبدى ضيقه من أسئلة على هذه الدرجة من السخف مشيرا إلى أن الجائزة ستكون من نصيب من يستحقها.