الروائي محمد العشري: عشوائية كاملة تسيطر على المشهد الروائي المصري الآن
محمد الحمامصي من القاهرة:تحمل التجربة الروائية للروائي الشاب محمد العشري تأكيدا علي تميزه وقدرته علي تشكيل ونسج عالم سردي له خصوصيته علي مستوي الرؤية والأسلوب، فهو علي مدار أربع روايات بدأت برواية غادة الأساطير الحالمة 1999 التي كانت كاشفة عن موهبة أصيلة، ثم توالت رواياته نبع الذهب 2000، وتفاحة الصحراء، وهالة النور 2002، استطاع ترسيخ عالمه والإضافة له، حاز علي جائزة نادي القصة في الرواية عام 1999، وجائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة في الرواية عام 2000 / 2001، وهو يواصل عمله مستكشفا طرائق جديدة في الكتابة ومهموما بقضايا الانسان في عالم يضج بالمتناقضات. وفي هذا الحوار معه نتعرف علي بداية وتطور تجربته ورؤيته للمشهد الروائي الجديد في مصر الآن.
** أولا نود التعرف علي بدايات الكتابة والظروف والمؤثرات التي أحاطت بها؟
** لاحظت أن اهتمامي المبكر كان منصباً على الرسم، والفن التشكيلي، أدركت فيما بعد أن الصورة لها أهمية كبيرة في رؤيتنا للحياة، والعالم من حولنا، وأنها تختزل في إطارها الصغير ما لا حصر له من التجارب، والرؤى. وظل ذلك التوجه مسيطراً علىَّ حتى فيما أقرأه إلى بداية المرحلة الجامعية، وبدأت أجرب كتابة القصائد الشعرية، صحيح أنها كانت مزيح من العمودي، والتفعيلة، والنثر، كنت أميل وأحس أكثر الكتابة النثرية، وأجد فيها حرية، تتشكل وقف ما تحتاجه الجملة، ما جذبني فيها أنني لم أكن مضطراً إلى كسر عنق كلمة، أو إجبار أخرى على الدخول في سياق ليس لها، لمجرد أن يستقيم الوزن، أو يُبنى الهيكل. أدركت أن عيب وميزة الكتابة النثرية في آن واحد، هو الحرية المطلقة في التعبير، والإعتماد على الإحساس الداخلي في الكتابة وتلقي الكلمة والجملة والقصيدة. أيضاً كنت أعتبرها طريقة للرسم بشكل آخر، لأنني لم أعمد إلى إكسباها شكلاً بنائياً محدداً، يدرجها ويصنفها إلى قصائد، كانت فضفضة ذاتية، لملأ الفراغ، لهو أرطب به جفاف دراسة المواد العلمية، وطريقة للغوص في طبقات الأرض البعيدة في دراستي للجيولوجيا. أظن أنه لولا الخيال، الذي اكتسبته من التأمل والفن والأدب ما كنت قادراً على فهم مناهجي الدراسية، خاصة أن منها ما يحتاج إلى خيال واسع لاستيعابها، حتى أقف على شكل وحدود تلك العوالم الحية، التي تكونت وعاشت واندثرت منذ ملايين السنين. لم أكتب القصة القصيرة والرواية إلا بعد ذلك بفترة، حين انتقلت إلى القاهرة، وأقمت فيها، وبدأت في التعرف على الكتّاب والشعراء من خلال أصدقائي التشكيليين، صاحب ذلك نشري لبعض قصائدي النثرية المبكرة في مجلة quot;الشعرquot;، وقت أن كان رئيس تحريرها الروائي خيري شلبي. واكتشفت أن نشأتي الريفية في قرية quot;البصراطquot; والتي كانت تطل شاطيء بحيرة المنزلة، في زمن مضى، فقد جففت مساحات واسعة من البحيرة، من أجل الزراعة والإستصلاح، وتركت أرضاً غير مستغلة إلى وقتنا الحالي، كان لهذه الحياة المطلة على الماء، ومراقبة الصيادين، والعيش في كنف أب حكاء بالفطرة، مع أسرة كبيرة العدد، واللهو في البراح الأثر الكبير، الذي استشعرته بعد ذلك، ووجدت أن الوقت والحياة البسيطة في منطقة كهذه أتاحت لي أن أقرأ كل ما تطوله عيناي، ودفعتني المعرفة إلى أن أبدأ في بناء مكتبة صغيرة خاصة بي، دون أن أدرك أن ذلك هو لبنة البناء، الذي يُشكل الوعي بعد ذلك.
** وكيف هي المراحل التي مرت بها تجربتك الروائية؟
** نشرت روايتي الأولى quot;غادة الأساطير الحالمةquot; في عام 1999 عن الهيئة العامة لقصورالثقافة، وحصلت على جائزة نادي القصة في الرواية لنفس العام. الثانية quot;نبع الذهبquot; صدرت في عام 2000 عن الهيئة العامة للكتاب. بعد أن أصدرت أول روايتين كنت أتجول بشغف في عالم الصحراء، وأشعر بإمتلاء كبير، وتخمة، نتيجة إقبالي الشديد على هذا العالم بكل ما فيه، وتفرغي لإكتشافه، لذا أردت أن أدعم ما نشرته من روايات، وأستمر في مشروعي الروائي، فكتبت رواية quot;تفاحة الصحراءquot;، حاز مخطوطها على الجائزة الأولى للرواية في المسابقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة، وبعيداً عن انتظار الدور في سلاسل النشر الحكومي، لجأت إلى النشر الخاص، ونشرت الرواية في عام 2001 عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة، أيضاً صدرت طبعة ثانية منها في بيروت منتصف مارس من هذا العام عن quot;الدر العربية للعلوم- ناشرونquot;، والأخيرة quot;هالة النورquot; في عام 2002عن مركز الحضارة العربية. وهناك رواية جديدة بعنوان quot;خيال ساخنquot; ستصدر في طبعتها الأولى أول يناير 2008 في بيروت عن quot;الدار العربية للعلوم- ناشرونquot;، بالإشتراك مع منشورات quot;الإختلافquot; بالجزائر.
** ماذا عن طبيعة المعالجات التي تحملها رواياتك؟ وما أهم الملامح التي تتمتع بها؟
** أميل إلى كتابة الرواية القصيرة، رغبة الإختزال، والتركيز على إبراز عالم الرواية دون أن يضيع في متاهة السرد الموسع. ربما اكتسبت ذلك من الكتابة النثرية. في روايتي الأولى quot;غادة الأساطير الحالمةquot;، كانت فاصلة هامة في تغيير مساري في الكتابة، فقد دخلت في كتابتها من منطلق القصة القصيرة، بعد أن كتبت الكثير من القصص ونشرتها في أماكن مختلفة، الرواية في بنائها تتكون من36 فاصلة روائية قصيرة، تُسلم كل وحدة إلى الأخرى، وتعتمد على الأسطورة ومزجها بالواقع المعاش، هي في الأصل رسائل مبتكرة لقصة حب فتى وفتاة، أرادا أن ينأيا عن جمود الواقع بالتحليق في الأسطورة، تلك الرسائل تنهل من ألوان وشطحات الفن التشكيلي، لأنني اعتمدت إلى رسم كل فاصلة في مشهد، ثم كتابته بعد ذلك، وأجمل ما سمعته وقرأته عنها قول الناقد الدكتور محمد حسن عبد الله: quot;أنها رواية شرقية خالصة، تخلصنا من التبعية للغرب، وتصحح مسار الرواية العربية، لأنها تعتمد على منطق شرقي أصيل، وهو الخلاص بالحبquot;.
في روايتي الثانية quot;نبع الذهبquot;، قبل أن أبدأ في كتابتها، كنت قد بدأت عملي الجيولوجي في شركة للبحث والتنقيب عن البترول في صحراء مصر، واكتسبت خبرة الحياة في الصحراء، وبدأت أرصد كل ما يحيط بي في تلك الحياة الجديدة، الأرض المنسطبة الواسعة، والخلاء من كل جانب، الفصول المناخية الأربع، التي تمر عليك في يوم واحد، فالحياة في الصحراء قاسية، تحتاج إلى مران صعب، ورغبة أكيدة في اقتناص حياتك والإمساك بها جيداً في صدرك، حتى لا تصبح عرضة للموت من أبسط خطأ تقع فيه، وأنت بين عمال وفنيين ومهندسين يجعتمون على رغبة واحدة، هي اكتشاف البترول، وتحكمهم أجواء نفسية متغيرة ومتابينة. لم أقصد أن أصور لك وحشية الصحراء القاتلة، لكنها بالفعل كذلك، وإن لم تكن بك رغبة في اكتشاف المجهول، وإن لم تكن مخاطراً بطبعك فلا تفكر في الذهاب إلى الصحراء. ذلك ما اكتشفته من أول وهلة، فالسماء فضاء لصيد الصقور، والأرض العميقة فضاء آخر لصيد النفط من أعماقه البعيدة. أنها أجواء اقتناص خالصة. تلك الحياة هي التي دفعتني إلى كتابة الرواية، رغبة في تدوين ذلك العالم الجديد، الذي أحياه، وأتجول فيه بكل مخاطره، وسحره، وجاذبيته، خاصة أن تلك المنطقة كانت قريبة من نبع ماء يتمثل في بحيرات مدينة الفيوم، بحيرة quot;قارونquot; التاريخية، وبحيرةquot;وادي الريانquot; الصناعية، الواقعتين على الجهة الصحراوية من تلك المدينة.
** ماذا عن quot;تفاحة الصحراءquot;، وquot;هالة النورquot;؟
** في روايتي quot;تفاحة الصحراءquot; الأجواء ملغّمة، فالخلفية التاريخية تستند على أحداث الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية، وحدودها مع ليبيا، وتمركز الحرب في منطقة quot;العلمينquot; المصرية، والتي يعمل فيها الآن بعض شركات البترول بالبحث والتنقيب، هجوم م نوع جديد، تقوم به الشركات العالمية، وتطحن المنطقة برحاها الإستعمارية، كما انتقلت في الماضي القريب الآلة الحربية الأوروبية في المنطقة دون منطق يستند إلى وجودها فيها. عملت في هذا المكان لفترة، وكنت أفكر كثيراً في تلك الحياة التي مرت على المنطقة، وتلك الحرب التي قتلت من قتلت، وأبقت من أبقت، وعن البدو، الذين عاشوا فيها، والحيوانات، والطيور، والإنسان، والمقابر، والجثث التي خلفتها الحرب، وظهور مهنة quot;جامعي الجثثquot; من الصحراء، مقابل قروش زهيدة، كيف يعيش ذلك البدوي الأعزل في وسط الألغام، والأبواق العالية التي تطالب بخرائط تلك الألغام، لذا بحثت كثيراً في طبقات ذلك العالم الساخن، بينما الشركات تأتي بشركات أخرى متخصصة تمسح لها الأرض وتنزع منها الألغام، حتى يتسنى لها البحث فيها، وتسلية أفرادها بصيد quot;الغزالquot; البري، كأنهم في منتجع سياحي للتسلية. توصلت إلى أنه لا توجد خرائط لتلك الألغام، لأن معظم ما وضع من ألغام زرعها وخلفها quot;منتجمريquot; وراءه في فراره من ثعلب الصحراء quot;روميلquot; بداية من ليبيا إلى quot;العلمينquot;، فأين له من الوقت، ليخطط ويضع خرائطاً وهو يفر من عدو يهجم عليه، ولا يترك له الوقت للمناروة. هي رواية تختلط فيها الحياة، والموت، والصيد، والبترول، والألغام، والحيوانات، والطيور، والحشرات، وتأثير كل ذلك في روح الإنسان.
روايتي quot;هالة النورquot; تستند على خلفيتين علميتين، الأولى استشراف المستقبل، نظرية علمية جديدة لا ننتبه لها، تعني بالبحث عن مصدر بديل للطاقة، بعد انتهاء زمن البترول، لأن قيام وانهيار الحضارات الكبري كان في الأساس مصدره أزمة في موارد الطاقة، لذا أردت أن أنبه، أو شعلني هذا الهاجس لفترة، وظهر بعد ذلك في الرواية، وجدت أن الحل بسيط جداً، وهو الرمل النقي، بتفاعله مع هيدروجين الهواء الجوي، ينتج عنه طاقة كهربائية عالية، تحتاج إلى محركات من نوع خاص، لتحويلها إلى طاقة حركة. بعيداً عن المصطلحات والتسميات العلمية، النظرية صحيحة تحتاج إلى من يساندها ويدعمها ويدفعها للتحقق. الخلفية الثانية تقوم على استكشاف الفضاء، حيث أنني كتبت عن كوكب جديد quot;عاشرquot; يضاف للمجموعة الشمسية المعروفة، أسميته كوكب quot;العاشرquot; (ما اكتشفته الرواية المنشورة في عام 2002، تحقق علمياً بعد ذلك في عام 2005 وأعلن العلماء وجود كوكب (SEDNA يقوم سكانه ndash; في الرواية - بنقل الرمال الموجودة على الأرض إلى كوكبهم للحصول منه على الطاقة. الرواية ليست خالصة لروايات الخيال العلمي لكنها كما وصفها أحد النقاد quot;خلطةquot; روائية تنهل أيضاً من الواقع، وأزمة البطالة بين الشباب، وعمل مندوبي المبيعات، والفساد الإداري، وترصد ممارسات جنسية تتم في الخفاء، وتصريحات المسئولين المضللة لحل أزمة العمل. وتأخذ من الأسطوري من خلال تجول بطل الرواية على ظهر quot;قنطورهquot; (كائن أسطوري نصفه الأعلى إنسان، والأسفل حصان) بين الكواكب المعروفة ليصل إلى الكوكب الجديد.
** وروايتك الجديدة quot;خيال ساخنquot;؟
** بعد هذه الروايات الثلاث عن وفي عالم الصحراء، أردت أن أعود إلى الكتابة الأسطورية، عالم الرواية الأولى quot;غادة الأساطير الحالمةquot;، من خلال بحث عن الذات، وأساليب تحققها في الحياة منذ نِشأتها إلى الآن، حيث يمكن للعاشق أن يغير ف ناموس الكون ونظامه، ويفهم طبيعة تكوينه، من خلال تجربة عشق تتشكل وفق أساطير عديدة، تبدأ بجولة في نهر النيل، حيث يتحرك الأبطال في أرض بعيدة نحو المجهول، وهو يطلّون على التاريخ القديم، وتعود بهم الأحداث إلى حياتهم ووقتهم الراهن، لتتحقق أسطورتهم الذاتية، وفق قناعتهم، وتوجههم، في نمط حكائي ذي بناء خاص. هذا هو عالم روايتي الجديدة quot;خيال ساخنquot;، التي ستصدر في بيروت مطلع العام الجديد، أردت أيضاً أن أغير النمط السائد في أن يكتب كلمة ظهر الغلاف ناقد كبير مخضرم، فكتب الكلمة الناقد الشاب عادل ضرغام، حتى يتثنى لي ولجيلي أن نغير الفكر السائد، وأن نتجه مع نقاد من أعمارنا نحو المستقبل.
** ماذا عن رؤيتك لكتاب جيلك وما ملاحظاتك؟ هل أضاف هذا الجيل للرواية المصرية؟
** كتابة الرواية تحتاج إلى مغامرة، ليس بالمعنى المجازي، لكنها تحتاج إلى مقامرة مع الحياة، هذا ما توصلت إليه وكنت على قناعة به منذ البداية، ففي رواية quot;نبع الذهبquot; كنت أتجول في الصحراء ليلاً بلا رفيق، عدة كيلومترات حتى أصل إلى ماء البحيرة، وأترك نفسي لأهوال نفسية كبيرة، تكاد أن تفترسني. وفي quot;تفاحة الصحراءquot; ركبت عربة مع بدويين، وخرجت عن المسار المرسوم للحركة، أي دخلت في حقل الألغام، حتى أكتشف ما تخبئه الصحراء، وكنت في كل لحظة وكل حركة أوقن أننا على وشك الإنفجار، ولا مهرب من ذلك. الآن حين أفكر كيف فعلت ذلك، لا أصدق. هذا ما جعلني أوقن أنني مغامر كبير، حتى وإن بدا شكلي هادئاً، لا يدل على ذلك. وفي رواية quot;هالة النورquot; عدت من الصحراء مسافة 400 كيلومتر في عربة الإمدادات الغذائية ليلاً، جالساً إلى جوار سائقها وتابعه، إضافة إلى فترات طويلة قضيتها في الصحراء، أتنفس هواءها، وأستمع إلى حكاياتها وأناسها، وأحتك برمالها، وحيواناتها، وحشراتها. ولذلك استطعت أن أكتب هذه الروايات في وقت قليل، قياساً بآخرين، لأن التجربة الحياتية الثرية، هي التي تدفع الكاتب إلى كتابة الرواية، ولهذا يذكر البعض أن الرواية الجيدة تُكتب بعد الأربعين، ربما الغرض من هذه المقولة هو اكتساب خبرة الحياة. هناك تجارب روائية شبابية عديدة مميزة، منها من له خصوصية، ومنها ما يشترك مع آخرين في عالمه، التجارب الحقيقة هي التي تعمق الكتابة، وتولد فيها نوعاً من الصدق الفني. ما أضافه جيلي للرواية المصرية أنه خلصها من التوجه الآيديولوجي، ورغم أنه جعلها ذاتية أكثر، إلا أن تلك ميزة تحسب له، وليس كما يدعي البعض، فالكتابة عما نعرفه ونعيشه مهما كان قيمته أو هامشيته أفضل من الكتابة الموجهة لخدمة نظام أو فكر، أن يكون الإنسان وذاته في مواجهة المجتمع والحياة هو المحور الرئيس أظن هذا ما يفعله كُثر جيلي من الشباب.
** برأيك هل واكبت الحركة النقدية المشهد الروائي الجديد؟
** للأسف لم تواكبه كما يجب، خاصة في مصر، صحيح أن هناك أسماء نقدية كبيرة استطاعت أن تتابع المشهد الروائي مثل فاروق عبد القادر، وصلاح فضل، ومحمد حسن عبد الله لكن ستجد المشكلة في منفذ النشر المناسب، الأغلب الأعم من كبار النقاد ممن يملكون منافذاً واسعة للنشر لا يلقي بالاً لذلك إلا فيما ندر مثل جابر عصفور ورجاء النقاش، وغيرهما. وهناك أسماء نقدية شابة تحاول أن تمسك بالدفة، مثل يسري عبد الله وعادل ضرغام وآخرون لكنها جهود فريدة لا تواكب عدد الإصدارت الجديدة. نحن في حاجة ماسة إلى جيل شاب من النقاد، على دراية موسعة بمتطلبات النقد الحديث، إطلاعه ومواكبته للتكنولوجيا الحديثة، وطرق السرد الجديدة، التي تنهل من تلك التقنيات، وتضمّنها في السرد. إضافة إلى منافذ جيدة للنشر اليومي أو الأسبوعي، تتيح لهم الإستمرار. أظن أن أغلب النقاد خاصة الشباب ينصرفون عن المتابعة لعدم توافر مكان مناسب لنشر نتاجهم النقدي. حتى أصبح ما يقوم بالنقد الإنطباعي والمتابعة هم الكتّاب أنفسهم ممن لديهم نافذة للنشر. رأي الروائي إبراهيم فرغلي كان في محله، حين قال في إحدى حواراته: quot;الكثير من الروائيين الشباب نجح في النشر، وفشل في الوصول إلى القارىءquot;، لغياب دور الناقد، وتعامل الناشر المصري مع الكتاب الأدبي بإستخفاف دون خلق سوق حقيقة، وترويج إعلامي مناسب، ويخفي دافعه وراء ذلك. في رأيي أنه يفعل ذلك من أجل الجور على حقوق المؤلف كاملة. خارج مصر الوضع مختلف، إلى حد كبير تستطيع أن ترصد أسماء كثيرة تتابع وترصد الكتابات الجديدة، سواء من النقاد الكبار أو الشباب. إضافة إلى الناشر الملتزم إلى حد ما بخلق سوق للكتاب، وترويجه.
** كيف تري المشهد الروائي المصري عامة اليوم وما تقييمك له؟
** مزدحم جداً، يكتنفه ضباب إعلامي، وصخب، الرواية المصرية والعربية عموماً في أزمة، رغم الصخب المحيط بها، هذا أقل ما يوصف به. هناك أعمال روائية متميزة تصدر كل يوم دون أن تجد من يكتب عنها أو يتحمس لها، أستطيع أن أسرد لك أسماء روايات كثيرة صدرت خلال هذا العام أو ما قبله، وهناك كتابات ضعيفة المستوى تجد أقلاماً كثيرة تكتب عنها في أماكن مختلفة، الأمر لا يخضع لمعايير، هي عشوائية كاملة تسيطر على المشهد الروائي كما تسيطر على الحياة العامة في كل شيء. لا يوجد توجه عقلاني عام يحكم الحياة الثقافية، نحن نعيش في مجتمعات تعاني الكثير من المشكلات، أهمها عدم الإكتراث، وترك الأمور تقود بعضها البعض بتخبط وعشوائية. أزمة الرواية المصرية الآن أنها تحولت إلى سلعة لدى بعض الكتّاب، مما حمّلها مسئولية أن تخضع لآلية السوق، وهو ما عرّاها من الفن والعمق، وهو ما دفع الكثير من الكتّاب الجدد إلى الإستسهال، وملأ كتاباتهم الروائية والقصصية بالفضفضة في الجنس، والسياسة، والتعدي على الدين، على حساب القيمة والمضمون، دون توظيف جيد، أو أن يتم ذلك بشكل فني راقٍ يدغدغ الحواس ويغذيها كطبيعة الفن الأصيل ومعياريته، من أجل تربية الذوق وتسليته في آن واحد. المضيء في المشهد هو توجه الكثيرين من الكتاب إلى خلق عالم مواز من خلال شبكة الإنترنت يمكنهم من خلاله التواصل مع قراء ونقاد ودارسين في أماكن متفرقة من العالم، وأظن أن ذلك هو طوق النجاة للجاد وللكثيرين منهم، خاصة لمن لا يجد إلتفاتة حانية من نقاد بلده.
التعليقات