ما الذي كان يعرفه الاسرائيليون عن مرض عرفات ولا يعرفه العالم؟

سلوى اللوباني من القاهرة: صدر كتاب quot;سنوات الاملquot; للسيد مروان كنفاني عن دار الشروق حديثاً. كتاب يتناول ما جرى داخل الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس عرفات التي كان كنفاني جزءا منها. فقد كان المستشار السياسي للرئيس الراحل ياسر عرفات لاكثر من 20 عاماً. الكتاب يحتوي الكثير من المعلومات والوقائع والاحداث.. كما وجه الكاتب النقد لحركتي فتح وحماس بناء عما يحصل الان.. وتناول في سرد مبسط شخصية الرئيس الراحل عرفات..

وضعه مروان كنفاني الذي دخل الحلقة الضيقة للزعيم الراحل
كتاب فلسطيني مثير للجدل يطرح أين أخطأ ياسر عرفات وأين أصاب
الشخصية المثيرة للجدل.. فتطرق الى طريقة حياته وعمله ومنهج تفكيره.. وخياراته وقناعاته ومشاعره وايمانه المطلق عن عفته عن الدم الفلسطيني.. وعطائه الدائم وصبره الواسع.. وعن ايضا شكوكه الدائمة وشغفه المطلق بالسلطة وعناده وحروبه الصغيرة... مما يعطي انطباعا للقارئ بان الرئيس عرفات كان متشبثا برأيه معظم الاوقات بالرغم من استشارته لمن هم من حوله. ومن الامور التي ذكرها الكاتب أيضا بان عرفات لم يتحدث ولو لمرة واحدة خلال تواجده الطويل معه عن احتمال مفارقته الحياة أو تعيين نائباً له في أي وقت من الاوقات. كما لم يوص بأية خلافة أو ولاية من بعده. واستشهد بمثال على ذلك عندما كان كنفاني يقدم برنامجاً تلفزيونياً مباشراً منذ عام 1994 وناقش في إحدى الحلقات تولى الرئاسة من بعد عرفات. يقول quot;ثار عرفات جداً فكيف أناقش خلافته على التلفزيون الفلسطيني؟ وهل أستعجل موته؟ ولكن لم يفلح كنفاني في تصحيح الانطباع الذي أخذه عرفات عن الحلقة ولم يقتنع بكلامه كما لم ينس ذلك له أبداً. كما تناول علاقاته بالرؤساء العرب فقد كان شديد الثقة بالرئيس حسني مبارك دون غيره من الحكام.. وكان يعتبر الحليف الاقرب اليه فيما يخص القضية الفلسطينية مصر والسعودية. كما ضم الكتاب عدة صور مميزة للرئيس عرفات والسيد مروان كنفاني... يتكون الكتاب من 6 أجزاء وبدأ كنفاني فصله الاول بوفاة الرئيس عرفات وتناول فيه الطريق لحصار عرفات والتاريخ الصحي له والايام الاخيرة من حياته. اما الجزء الثاني كان بعنوان الرحلة الطويلة وتناول من خلالها محطات في حياة عرفات في الاردن ولبنان وتونس ومصر وايضا الحرب العراقية الكويتية، كما تناول مسيرة السلام في جزء خاص وتحدث عن مؤتمر مدريد ومحادثات واشنطن واتفاق اوسلو واتفاق غزة اريحا، وتطرق الى عودة الرئيس عرفات الى الوطن وبدء تعثر عملية السلام والانتفاضة وما بعد عرفات.

حلم العودة
بدأ كنفاني كتابه بمقدمة مؤثرة لخص فيها قضية الشعب الفلسطيني من خلال سرد شخصي لتفاصيل نزوح عائلته من يافا الى عكا بعد أول مواجهات بين اليهود القاطنين في تل أبيب والفلسطينين المقيمين في شمال مدينة يافا. يقول كنفاني quot;لقد عدت مرة واحدة لمدينة يافا عام 1994 كان منزلنا وحيينا قد غرقا تحت بناء هائل ضم فندق الهيلتون أما مكتب والدي فكان مجرد جدران خارجية تستند الى أعمدة خشبية في بناء لم يتبق شيئا من معالمه الداخلية.. ولم أعد للمدينة مرة اخرى... لم نكن نعلم ونحن أطفال سعداء بانقطاع الدراسة والذهاب الى عكا باننا سوف نقضي ما تبقى من عمرنا ويدفع بعضنا حياته ثمناً في سبيل تحقيق تلك الرغبة المشبعة بالشوق والامل الغامرquot;. وكان الانتقال الثاني الى لبنان وكانت هي الليلة الاولى لهم كلاجئين في بلد غير بلدهم... quot;كانت الحقيقة الوحيدة التي وعيتها في ذلك العمر المبكر هي أننا قد أصبحنا خلال ليلة وضحاها فقراء مدقعين الامر الذي أصبح واقع حياتنا لسنوات طويلة قادمةquot;. أما الانتقال الرابع فكان الى مدينة دمشق وتحسنت في تلك الفترة أحوال العائلة عندما حصلت اخته الكبيرة على وظيفة مدرسة في دولة الكويت كما وجد أخوه غازي وظيفة هناك وغسان الذي عمل وهو في الثامنة عشر من عمره مدرساً في إحدى مدارس وكالة الغوث في دمشق قبل ذهابه الى الكويت. يقول كنفاني.. quot;غيب الموت معظم اولئك الذين غادرت معهم بلادنا في رحلة قاسية وشاقة كان يدفعهم خلالها ذلك الامل بانهم سوف يعودون يوما لوطنهمquot;.. فقد توفي اخوه غازي أثر حادث في موقع للعمل عام 1974 كما تم اغتيال غسان من قبل الاسرائيلين عام 1972 وتوفيت والدته عام 1967 ووالده عام 1984 وهاجرت اخته- ابنتها التي قتلت مع غسان- وزوجها الى استراليا، وبقي عدنان في دمشق واخته الصغرى سهى وزوجها وبناتها.. وهاجر اخوه نعمان الى الدنمراك واخوه حسان الى الخليج وتفرق اولادهم جميعا في مختلف بلاد العالم. تستخلص من مقدمة كنفاني كم العجز او الفشل الذي يشعر به بعد تلك السنوات الطويلة التي قضاها في تحقيق حلم العودة الا انه لم يتبق له الا تلك الذكريات من ذلك الزمن السعيد الزمن الذي اطلق عليه سنوات الامل.

الحصار..
فرض الحصار على الرئيس عرفات لاكثر من سنتين ونصف وقد أفرز هذا الحصار تأثيرات مدمرة على شخص الرئيس عرفات كما ذكر كنفاني. فقد بدأ حصار الرئيس عرفات صبيحة يوم 27 /8/2001 عندما هز انفجار مدوي منطقة المقاطعة في مدينة رام الله.. يقول كنفاني انه كان بامكان عرفات تجنب هذا الحصار أو على الاقل أن يزيد من إمكانيات رفع هذا الحصار أو تخفيفه ولكنه فشل quot;كنفانيquot; كما بدا واضحا على اتاحة الفرصة لذلك. وضح كنفاني تأثير هذا الحصار حتى من الناحية السياسية على عرفات فتحالفاته القوية التي امضى عمره السياسي في حبكها لم تعد تجدي أيضا في مواجهة الخناق الذي كان يطبق عليه اثناء حصاره من عدة جهات. كما لم يعد اثناء فترة حصاره الطويلة يتمتع بالتوافد اليومي لصناع السياسة في العالم أو حتى ينعم بالاستقبال الودود من غالبية زعماء مختلف اقطار الارض. ولم يبق له سوى تلك المناسبات القليلة للقاء مع مسؤولين من الدرجة الاولى لدول لا تملك حولا ولا قوة في سوق السياسة والتاثير الدولي. اما التأثيرات الصحية والنفسية فقد بدأت تظهر عوارض عديدة على عرفات بعد مضي حوالي عام ونصف من حصاره مثل نوبات البرد والارهاق.. كما اصبح اقل تحملا وصبرا.. وازدادت نوبات غضبه وشعوره بالكابة.. كل ذلك بغياب اقل اسباب الراحة والصحة لرجل في مثل سنه ومركزه على حد تعبير كنفاني. كما بدأ يفقد الشهية للطعام مما تسبب في هزال جسمه وتناقص وزنه وابتدأت تتثاقل حركته النشيطة والدائبة وتراخت خطواته السريعة في المشي اليومي وطالت مدة التأمل والصمت والاسهام وابتدأت تتصاعب محاولات التركيز والتذكر. لا يستبعد الكاتب بان موت عرفات كان خلفه مؤامرة من قبل الاسرائيلين فعندما ساءت حالة عرفات في منتصف اكتوبر عام 2004 وكان التدهور حاداً وسريعاً وتبع ذلك بعدة أيام غيابه عن الوعي لعدة دقائق... بدأت الاتصالات من قبل أطراف عربية وأطراف دولية لمحاولة انقاذ حياة الرئيس ونجحت المحاولات في اقناع امريكا ومن ثم اسرائيل بتحقيق خروجه من المقاطعة.. يقول كنفاني ان تلك الموافقة الاسرائيلية المفاجئة -على الرضوخ لشروط عرفات من حيث خروجه وعودته بعد علاجه- فيما بعد كثيراً من الشكوك.. فاسرائيل كانت متأكدة متاكدة لاسباب مقنعة لديها بان عرفات لن يعود.. فما الذي كان يعرفه الاسرائيليون حينها ولا يعرفه العالم عن مرض عرفات وتدهور حالته؟؟

الامر يحتاج الى معجزة
في نهاية كتابه وضح كنفاني أن أخطر ما يمكن أن تتعرض له القضية الفلسطينية من أخطار هو استمرار الوضع الحالي الذي يعاني الى جانب التمزق الفلسطيني، من ترك الامور للاسرائيلين وحدهم، لفرض واقع جديد على الارض الفلسطينية وفرض حلول سياسية مجحفة بحق الفلسطينين بينما ينشغل الفلسطينيون في عجز قتالي وسياسي واضح عن التصدي لهذه الاخطار. ولم يخف الكاتب خوفه من خلال سطوره بأن قراءته للواقع تقول أن السلطة الفلسطينية لن تتمكن في المدى المنظور ولا حركة فتح ولا الرئيس عباس أو أي رئيس فلسطيني آخر من خارج حركة حماس من استعادة السيطرة أو الوجود في قطاع غزة. فقد تكرس الانفصال الجغرافي والسياسي والنفسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.. وسوف يحتاج الامر الى معجزة لايجاد مجرد صيغة جديدة لعلاقة سليمة بين هذين الجزءين المتبقين للفلسطينين!!

[email protected]