عبد الامير الخطيب من هلسنكي: ليس من السهل تبسيط و تسطيح تجربة الفنان العراقي على النجار، كما ليس من السهل تجاوز تجربة هذا الفنان كأحد المحاور التي أثرت بعمق في التجربة التشكيلية العراقية في عموم المشهد الثقافي، فمنذ أن بدأ حياته الفنية في منتصف الستينات من القرن الماضي دأب هذا الفنان أن يحافظ على رسالته الثقافية التي مفادها أن الفن العراقي يجب أن يلتحق بالركب العالمي و من ثم يصبح أحد الشركاء فيه.
دخوله معهد الفنون الجميلة، تدريسه لمادة الفن في مدارس مختلفة في بغداد و عمله المستمر في الفن دفعه لأن يحافظ على تلك الرسالة، و كذلك مساعدة أهله أعني عائلته الكبيرة له بالاستمرار في رسالته الفكرية بل أقولها بكل وضوح رسالته الانسانية الوطنية.
علي النجار دائم البحث دؤب في التواصل الى ما توصل ووصل الية الفن التشكيلي، وبحثه الجرئ والشجاع في منطقة هي واحدة من أكثر المناطق نزاعا و أكثر المناطق صعوبة.ضغطت علية من الجانب الآخر لكي يتواصل ولكي يكون في ذاته القوية أبدا، فالمعروف إن على النجار لم يكن من وعّاض السلاطين، كذلك لم يلجأ ويحتمي بالأسباب المعيشية على حساب الفن والثقافة الخالصة.عرف الفن من قرب و كان معظم الفنانين الرواد و المحدثين و حتى التقليدين يصابون بالترقب احيانا أمام تجربتةquot; المشاكسةquot; بكل ما تحوي الكلمة من معاني، يرسم كائنات بدائية في أحرج زمن كان يمربهّ تاريخ الحركة التشكيلية في العراق، الفترة التي طلب من الكل أن يرسم صور quot; القائد quot; و يمجد الدكتاتور، بقي علي النجار يرسم الطواطم و الكائنات البدائية التي تساور كلّ فرد في طفولتة و حتي في حالات النشوةاستمر على هذا بالرغم من اصابته بواحد من اكثر الامراض فتكا و أكثر الأمراض خطورة على صحة البشر، أقتلعت مثانته و كان يجلس بعدها بثلاثة أيام يرسم تجربتة و يعد لمشروع تشكيلي كبير عن تجربة المرض و ما يخلفة من آثار و جروح نفسية على لإانسان، خصوصا ذلك النوع من الأمراض التي نفقد الرغبة على الحياة لمجرد سماع اسمها.
بعيدا عن كل المهاترات و المزايدات و اللجوء الفارغ الى الاخر، عمل علي على تكوين تأريخة الشخصي الذي أعطى نتائج محمودة في الفن على المستوى العراقي والعالمي، فالعراقي المنتهك لا يؤرشف له بالشعارات و الاعلام بل عرف علي كما عرف أولائك الكبار أبدا كيف يحافظ على سمعة و إرتباط العراق بالعجلة الحضارية، عمل على أن يكون فنانا عراقيا له رؤية انسانية واسعة، لا ينظر الى الناس من خلال مفردات بسيطة هي مفردات الموروث و مفردات عمل عليها أكثر من تسعين بالمئة من الفنانين العراقيينالعمل التركيبي الذي عرضه في غاليري أور في مدينة مالموالسويدية سنة 2006 كان عملا جريئا متجاوزا كل التقاليد التشكيلية المتعارف عليها في التشكيل العراقي، اذ شكل علي هيئة رجل, ربما يكون هو, على قماشة تغطي سريرا واقعي ووضع لهذه الهيئة وفي المكان المعطوب انبوبة العملية الجراحية وملحقاتها، في حين نشر اعمالة الفنية على جدار الغرفة التي وضع فيها السرير، كانت رسومات و تخطيطات تعبر بحرقة عن آلامه و مخاضاته اثناء اصابته بالمرض و اثناء اجراء العملية له، لم يكن هذا العمل تقليدي على كل المستويات، فتجربة الفنان القصيرة نسبيا في السويد و تعرفة على التجارب العالمية من خلال متاحف السويد و أوربا مثل فن الانستليشن ( التركيب) أثار فية كل الحماس ان ينتج هذا العمل الذي اثّربيّّ بعمق.
استمر الفنان علي النجار في بحثه، كما كتب عن فنانين تشكيلين يحتلون مساحات متقدمة في عالم التشكيل اليوم، ولم ينس ان يكتب عن فنانين عراقيين لهم الأثر الكبير في الحياة التشكيلية، و قال كلماته بصدق عن تجارب الفنانين الذين كتب عنهم، الى جانب هذا لم يهدأ و لم يترك الفرشاة و تجربتة الذاتية في البحث التشكيلي، ففي كل مشاركة عالمية يطرح لنا على النجار تجربة مفاجئة متواصلة مع تجاربة الماضية لكن باختلاف الرؤية، فالمعاصرة شئ أساسي في تعامل علي مع أشيائه بل حتى تعامله مع الاخرين، هناك شئ إسمه التواصل فقراءة النجار للمنجز الفكري و البصري ليست قراءة سهلة على الاطلاق، لان تجربته غنية وعميقة، و اطلاعة واسع علي مجمل المشهد التشكيلي العربي و العالمي. علي النجار لم يترك زاوية في التشكيل تغيب عنه، يلح دائما الى كل من حوله على ان يترجموا المقالات عن السويدية، الانكليزية، و حتى متابعاته الى الصحافة و مايكتب عن الفن متابعات فيها الكثير من الفضول، و هذا ما قد يتعب بعض المقربين منه لان ليس لهذا الفنان من حدود الى المعرفة و ليس ما يوقفة امام مايريد.
عملة التركيبي الأخير الذي شارك به في معرض الثقافة الثالثة في كل من هلسنكي وكوبنهاكن كان عملا مثيرا متحديا كل التقاليد و الأعراف التشكيلية العربية، فموضوع العمل كان تحديا كبيرا الى المشاهين بل كل من حضر و رأى العمل و التحدي لا يكمن في موضوعة العمل الجنسية حسب إنما طريقة العرض التي تدعوا الآخرين الى التعجب و التساؤلات الكثيرةجلس علي النجار أولاقل تفرغ لهذا العمل لفترة طويلة، لانه عمل مع فريق العمل منذ البداية على بناء مشروع معرض الثقافة الثالثة،خطط، مسح، أعاد التخطيط، رسم أشيائه، لونها، مزق الكثير منها، أعاد بناء أفكاره، أعاد صياغة تصوراته، دخل صومعة الذات بعيدا عن تدخلات كل الاشياء و الآخرين، امتنع عن الرد على التلفون و مشاهدة الانترنت، وهكذا دامت صراعاته لفترة ليست قصيرة لينتج هذا العمل الذي أخبرني عن تفاصيلة قبل المعرض بأربعة أشهر، فبكل خبرة المحترف عرف علي ما سيفعلة، ما يحتاجة لبناء المشهد التشكيلي الذي ركبة لنا في معرض الثقافة الثالثة جداران متحركان وضعهما الفنان على شكل مثلث متساوي الاضلاع مع جدار قاعة العرض، ترك لنا الفنان فتحة في الرأس المدبب للمثلث، وكأن المشاهد يدخل غرفة مثلثة فتحتها دعوة الى كل من يريد الدخول، على جدران هذه quot; الغرزة\ المخدعquot; وضع الفنان تخطيطاته و أعماله الملونة أيضا من الداخل و من الخارج، التخطيطات و الأعمال الزيتية كلها لرموز و مفردات جنسية، حيوانات منوية، أعضاء تناسلية، الوان ما بعد الممارسة، الوان الحيض و ليس هناك من شئ خفي، فالمشاهد يرى على جدران هذا المنشأ صور موحية للممارسات الجنس أو دلالاته.
على جدار القاعة وضع الفنان و بشكل مدروس حيواناته الاولية البدائية التي كان و لايزال يبحث فيها، صورتان وضعت فوق بعضهما بالأوان المبهجة المفرحة لحيوانات طوطمية تدعو الى التصور البدائي الأولى، من داخل المثلث وحين يستدير المشاهد ليرى ان هناك تخطيطات موضوعة على الجدران المتحركة بالوان مختلفة عن التي وضعت على الجدران من الجهة الثانية.
في البداية و كدعوة إعلانية وضع علي النجار لافتة طويلة من قماش شفاف و هو دلالة اخرى، رسم على هذا القماش الشفاف طفل في حركة quot; ولد تواquot; لكن الطفل يبدو ناضجا في عمر شهور رسمه الفنان بتقنية عالية أعني حرفية رسام، هذا الطفل خارج من مهبل ناضج، فنرى فتحة العضو التناسلى الأنثوي كاملة و نرى الطفل الناضج كاملا أيضا.
وسط الرسومات و المفردات الجنسية وضع الفنان رموز دورة الحياة، فدورة الحياة بالنسبة للفنان معالجة بصرية، ورؤيتة لهذا العالم هي رؤية فنان بالتأكيد، لذا لم يضع حلولا أثناء تناول المعالجة البصرية، بل كان شأنه شأن كل الفنانين العالمين الآخرين متسائلا عن مصير هذا الذي يحدث، عن ولادة ناضجة في عالم يحيا البينية الثقافية.
عمله هذا كان مشاركة بموضوع المعرض الجماعي للثقافة الثالثة، فمن أي زاوية نظر الفنان الى هذه القضية، انه يرى أشيائه بشكل معاصر تماما، وكانه ابن هذا العالم التشكيلي،فالمثلث له دلالة الثلاثة اعني الثقافات الثلاث، و الموضوع هو الجنس، الذي باعتقادي استخدمه الفنان كغطاء لما أراد أن يقوله في رسالته الفنية الفكرية.
لم تغب عن ذهن الفنان قضية الحاضر أبدا في تناوله لهذا الموضوع، كما رفض أن يكون مجرد رسّام، فاستطاع بجدارة خبير أن يكون من عمله مشهدا تشكيليا، أثار الكثير من الناس المتتبعين و غير المتتبعين لهذا الفنان. فلم يكن من الصعب أبدا على مجرب و خبير بامور الفن مثل على النجار أن يخوض غمار تجربة جديدة على الفنانين المبتدئين.
تجربة عمل الانستليشن لعلي النجار ليست تجربة عابرة، و كنت متأكد من أن البعض سوف لن يفهم ما أراد أن يقوله النجار بعمله هذا، فالفنان علي النجار ليس بالرجل التقليدي، لا على الصعيد الاجتماعي و لا على الصعيد الثقافي و الثقافي، ودخولة المعترك الثقافي منذ بداية الستينات من القرن الماضي و من ثم استمراره و اصراره على مواصلة المسيرة مع ما توصل الية العالم.
تأكيداتة المتكررة دائما في احاديثة و في ما يكتبة و ما يرسمه على ان الطريق ليس بالسهل هو نوع من اصرار كبار الناس على خلق حياة افضل للاخرين.و ما قوله( دخول المنطقة الثقافية يتطلب الولوج باستمرار في المعاصرة و الحداثة، وكذلك الاستمرار في الاطلاع على اخر متطورات مجال الاختصاص، وقوله ايضا: الانغلاق في التقنية و الوقوع قسرا في زاويتها يضيع الاتصال بالاخر، وباخر المنجزات الفكرية.
علي النجار صاحب ذات قوية، قادرة على التحررو الانعتاق السرمدي، تعامله مع معطيات الحياة و مفرداتها ليس بالتعامل السهل، فانه يقف عند كل شئ وقفة طويلة، وقفة الرجل المتأمل المدرك لمعاني الحياة الضاهرة و الخفية، متصوف في الفن، متوحد مع ذات الفن كمن خلق لنفسة صومعة و اكتفى بها.