نهاية

تخترق عالمي بجسدها الكبير... تنحني وتلقي لي بقبلة باهتة في الهواء... أبكي فلا ينتبهون لي.. أبكي فتحملني تهدهدني وتدس فى فمى زجاجة لبن تسجن لسانى... وظللت بين يديها للأبد أبكي وتهدهدني على طريقتها وأنا أحاول لعلها تفلتني.

****
في بابها الذي فتحته لي رأيت أصابعي الصغيرة تمسك بالمقبض تحاول أن تفتحه لتهرب فتمسكني وتشدني بقوة تربطني في السريروتسبني كلما مرت من أمامي... أبتلع ذكرياتي محاولة أن أنتصر على قلبي الأسود الذي تنعتني به عائلتي فأسلم نفسي إلى أحضانها وأدخل بيتها وأجلس.
برزت بداخلي الطفلة التي كنتها... ورأيتني أجرجر ورقة رسوبي في الإبتدائية.. ومضات من ركلة أبي و تجهم ملامح أمي ثم باقي المشهد كان من بطولتها حين هربت من أبي فأرتطمت بها لتحملني من جلبابي فأشعر بملابسي الداخلية تنحشر داخلي وتؤلمني أصمت لعل ابنتيها اللتين يطلان بوجهيهما من وراء وجهها يمضيان ويتركانها بصمت القُداس تضربني...يختفي أبي وتذوب صورة أمي ورغم ذلك أري ابنتيها.. أغلق عيناي فيطالعاني بوضوح شديد. أرفع عيني للصليب الكبير quot;كان.. كن... يكون.... quot;ثم سقطت عيناي على شهادتي المخطوطة باللون الأحمر.
ذهبت لتحضر لي شيئاً لأشربه وهي تلق في طريقها بجمل الترحيب والود المشكوك في جذره كالجذر الميت الذي كان ينمو إلى جوار بيتنا فألمح من شرفتى في الليل أطياف الملائكة تتسرب بعيداً... تسقيه وتختفي مع سكون الضفادع المستحيل كسكون يوم العيد الذي يدقون فيه الأجراس فيوقظونني من نومي أرتدي ملابسي وأرحل بسرعة للنادي حتى يفاجئني العقرب بمعانقته للمساء فأعود للبيت...لعلها رحلت الآن... أطير بقدمي فوق درجات السلم.. أضغط زر الجرس.. تهوي يداي على العتبة والمطر يسقط فوقي كلمات quot;قلة الأدبquot; quot;وساخة بنات quot;... أشعر بحفيف الملائكة... ثم أبصر الصليب الكبير المغطى بالدم... وأرسم في عيناي كلمة الخلاص التي كتبتها على ظهر شهادة رسوبي.
عندما أنتهت حفلتها المعتادة قطعت البسبوسة ودعتني ضاحكة لآكل معهم... شيئاً بداخلى صرخ... آكل لأمح هزيمتى... وضعت قطعة في طبقي وهممت لأضع الأخرى فتراجعت مع أنحسار صوتها وهي تنهاني... كان طيف مصباح السلم يلق بظلاله عليها وهي تقبلني فيختفي وجهها في كتفي ثم يعود يواجهني بتحد وهي تهمس quot;يا بخت من بكاني وبكي عليهquot;
حاضر يا عمتي......... حاضر يا عمتي... حاضر يا غُمتي...... الله يلعنك يا عمتي... كوابيس كالشيطان طاردتنى ليلتها... أنحبس في غرفة سوداء... تتجمع حولي الأشباح ثم قفص كبير للإتهام.................. أجيبي أيتها الفتاة اللعينة هل تقابلين إحسانها وتربيتها لكِ بالجحود... محكوم عليكِ باللعنة... محكوم عليكِ بفراق ملائكتك.. علقوا قلبها الأسود وعذبوه.
صحوت أصرخ خائفة كعادتي حين ألقاها حيث أختبأ في الحمام أو المطبخ أهدهد عروستي الصغيرة حتى لا تبكي ..أقبّلها وأخبّأها في الثلاجة لتصبح هي إنتصاري الوحيد... لتكن هي الشخص الوحيد الذي لم يري لحظات هزيمتي خاصة حينما تنتهي قسوتها فتهتف لي في أذني quot;متقوليش يا عمتي قولي يا ماما quot;.. لا أكاد أتبين ملامحها من دموعي فأرى سؤال كبير بداخلي عمن حقاً يستحق اللعنة.
شربت ما أعدّت لي لأشربه وأخرجت الكارت حتى لا أتذوق ذكرياتي من جديد على عتبات هذا اليوم الذي رأيت فيه بعد تخرجي مباشرة اسمي على لافتة مكتب هندسي مع مجموعة من زملائي لم نلجأ في تأسيسه لأحد.
كان الكارت على مبعدة ملليمتر واحد من منفضة السجائر حيث ألقت به وهي تلوك لبانتها المعتادة وبدأت تتحول في عيناى إلى لبانة كبري تمتلأ وتفرقع... تمتلأ وتلق في وجهي بكلماتهاquot;ايه يعني اللي هتبقيه quot; quot;البيه مساعد رئيس الجمهوريةquot; quot;طول عمرك خايبة وتاعبة روحك واللي حواليكي quot;.. رأيت دماء الصليب تجف...... يتحول خشبه المائل للحمرة إلى لون بني صافي وأنا أصرخ تحته في ملابس المجدلية بأنه لا خلاص... تؤلمني على العتبة بدعواتها لأتزوج شاب مثل خطيب ابنتها فيهتدى حالى.. طلتا عليّ ابنتاها في تلك اللحظة وهما يتثائبان أغمضت عيني حتى لا أراهما فبدئا يشقان ظلامي بإنفراجه شفتيهما عن الضحكة اللعينة... سحبت الكارت وحملت قلبي الأسود معي ورحلت.

روائية مصرية
صدر لها رواية بعنوان quot;امرأة فى آخر عمر الأرضquot;
تحت الطبع رواية بعنوان quot;بِرْنِحِحْquot;
[email protected]