سلوى اللوباني من القاهرة: كل من يريد أن يستكشف قانوناً من قوانين العلم.. أو ينتج لوناً من الوان الادب.. أو يستنبط أصلاً من أصول الفلسفة.. . أو يخرج ضرباً من ضروب الفن.. محتاج الى الحرية.. فالحرية من أهم الافكار الدالة على مستوى الفكر الانساني والفلسفي قديماً وحديثاً كما ذكر د. ياسر مصطفى في كتابه quot;دراسة حول الحرية والتنوير في مصر خلال النصف الاول من القرن العشرينquot; صادر عن دار الهدى للنشر والتوزيع. ويعود اهتمام المؤلف بفكرة الحرية لانها تعتبر أدق وأخطر المشكلات التي تشغل اهتمام كل المفكرين في ظل ما يحدث في وقتنا الحالي. حاول المؤلف من خلال كتابه دراسة العلاقة بين الحرية والتنوير واختار فترة النصف الاول من القرن العشرين 1900-1950 لانها فترة ماجت بتيارات فكرية متعددة فكان هناك ثلاث تيارات كبرى وهي التيار المحافظ والتيار المعتدل والتيار العلماني. ويقول أن الحرية الفكرية التي سادت تلك الفترة من تاريخنا الفكري والثقافي أدت الى تقدم العلم والثقافة وتوفير مناخ صحي تحققت فيه حرية الصحافة وحرية البحث العلمي.واستعرض المؤلف في الفصل الاول من الكتاب مفهوم التنوير في قواميس اللغة والفلسفة اما في الفصل الثاني تطرق الى حرية الفكر والاعتقاد، والى الحرية السياسية في الفصل الثالث وفي الفصل الاخير تناول الحرية الاجتماعية كما دون في الخاتمة نتائج دراسته.
حرية الاعتقاد
واختار المؤلف مصر لانها تتمتع دون غيرها من البيئات الثقافية الاسلامية بمتنفس من الحرية يتمثل في حرية الصحافة وعشرات المساجلات التي دارت بين المحافظين والمجددين على اختلاف نوازعهم واتجاهاتهم. اضافة الى أن هجرة المفكرون الشوام والاتراك الى مصر منذ ارسال البعثات العلمية في عهد محمد علي لنشر ارائهم وغرس افكارهم هو ما جعل البيئة المصرية اكثر ثراء ونضجاً في عرض الافكار ومناقشة القضايا وتحليل الاشكاليات. وايضا الصلة المنعقدة بين المفكرين في مصر والمفكرين التنويريين في اوروبا سواء عن طريق البعثات العلمية أو الترجمة المباشرة لاعمالهم. ولم يعرض المؤلف عرضا تفصيليا لرأي كل من المفكرين التنويريين بل عرض الفكرة في تكاملها مع الافكار الاخرى. ويشير المؤلف الى أن بداية القرن العشرين كان قد حمل كل جديد في الفكر والثقافة اضافة الى أن مبادئ حرية الاعتقاد كانت سائدة انذاك مما ادى الى خروج الكثير من الاطروحات والمناقشات حول قضايا مثل الدين والعقيدة، والموقف من الايمان والالحاد، والقضايا المرتبطة بالاتجاهات الفكرية المختلفة حول علاقة الدين بالدولة، والدين والفلسفة، والدين والعلم ثم الرد على ادعاءات المستشرقين حول القران والسنة. ومطارحات فكرية مثل مطارحة الامام محمد عبده مع رينان والمناظرات الفكرية مثل مناظرة الامام محمد عبده وفرح انطوان. كما يقول كان للصحافة دور هام في اثراء الحياة الفكرية في مصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين وتمثلت بتأسيس وانشاء العديد من الصحف كما ان مناخ الحرية اتاح لخليل مطران واقرانه واتاح من بعد ل انطوان الجميل وزملائه الاستجابة لداعي العمل في الصحافة اذ وجدوا من الحكومة المصرية والشعب المصري تأييدا ومودة وتعاونا.
طه حسين والتجرد من العواطف القومية
ومن المفكرين الذين تناول فكرهم في كتابه تحت الاتجاه المحافظ هم المنفلوطي، حسن البنا، العقاد، زكي مبارك، امين الخولي، محمد رشيد رضا، محمد فريد وجدي، عبد العزيز جاويش، اما من الاتجاه المعتدل الكواكبي، احمد زكي، احمد امين، محمد عبده، مصطفى عبد الازق، زكي نجيب محفوظ، ومن الاتجاه العلماني قاسم امين، محمد حسين هيكل، احمد لطفي السيد، طه حسين، محمود عزمي، سلامة موسى.ويستشهد على الحريةالفكرية التي كانت سائدة في تلك الفترة بعدة كتب ظهرت في تلك الفترة ومنها كتاب الدكتور طه حسين quot;في الشعر الجاهليquot; وكتاب quot; الاسلام واصول الحكمquot; للشيخ علي عبد الرازقquot; وهما الكتابين الذين اقاموا الدنيا واقعدوها في نفس الوقت. فاخذت الاقلام تنتقد وتتصدى لهما واخرى تناصرهم وتنادي بحرية الفكر والبوح. وذكر المؤلف انه لم يجر كتاب من الشر على صاحبه مثلما جر كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين فقد اتخذ فيه المعارضون لارائه مادة خصبة للنيل من سمعته والحط من مكانته. في كتابه اتبع المنهج الفلسفي الديكارتي للبحث عن الاشياء في اول هذا العصر. والقاعدة لهذا المنهج ان يتجرد الباحث من كل شئ كان يعلمه من قبل وان يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن خلوا تاما اي يتجرد الباحث من كل شئ يعرفه ويعلمه مسبقا وان يدرس اي موضوع وهو خالي الذهن من اي ثوابت وقناعات قديمة. وكان قائما كتابه على الانفتاح على المناهج الحديثة والاطلاع على الثقافات الاوروبية. وطبقه على دراسة الادب العربي ويقول طه حسين حين البحث عن الادب العربي يجب ان ننسى عواطفنا القومية وكل مشخصاتها وان ننسى عواطفنا الدينية القومية ويجب ان لا نتقيد بشئ ولا نذعن لشئ الا مناهج البحث العلمي الصحيح. كانت بداية الهجوم عليه في مجلس النواب المصري حيث قدموا اقتراحا بمصادرة واعدام كتابه وتكليف النيابة العامة برفع الدعوى على مؤلف الكتاب والغاء وظيفته الجامعية. كما واجه الكثير من الانتقادات من قبل علماء الازهر والسلفيين بصفة عامة اضافة الى الهجوم عليه من كثير من المعارضين وبالمقابل هناك من دافع عنه. وقد نتج عن هذه المعركة الفكرية العديد من الكتب ومنها quot;تحت راية القرانquot; لمصطفى صادق الرافعي، الشهاب الراصد لمحمد لطفي جمعة، نقد الشعر الجاهلي محمد فريد وجدي، نقض الشعر الجاهلي محمد الخضر حسين، محاكمة فكر طه حسين لانور الجندي وغيرها الكثير. وقد اسفر هذا الكتاب في الشعر الجاهلي الى وضع اصول جديدة لمنهج التغيير الاجتماعي بمظاهره المختلفة، وعن تجديد البحث العلمي والادبي، واسفر عن ضرورة فصل الدين عن العلم واصلاح الازهر وضرورة توحيد التعليم وتطويره.
علي عبد الرازق ولا خلافة في الاسلام
الف كتابه quot;الاسلام واصول الحكمquot; عام 1923 وحاول فيه نفي المفهوم التقليدي ل الخلافة في الاسلام مدللا على ذلك بآيات من القرآن الكريم واحاديث السنة الشريفة واراء الفقهاء والعلماء في تلك القضية. وقد الف الشيخ كتابه مثبتا انه لا خلافة في الاسلام بهدف قطع الطريق على مطامع الملك فؤاد في ان يكون خليفة جديدا للمسلمين فجاء الكتاب لينفي صحة اعتقاد بعض المسلمين بان السلطان خليفة للرسول عليه الصلاة والسلام. بالرغم من حرية الفكر والاعتقاد التي كانت سائدة انذالك الا ان هيئة كبار العلماء بالازهر الشريف اجتمعت ليحاكموا الرجل في اعتقاده وحددوا 7 اتهامات ضده. اضافة الى محو اسمه من سجلات جامع الازهر والمعاهد الاخرى وطرده من وظيفته وقطه مرتباته في اي جهة كانت وعدم اهليته للقيام باي وظيفة عمومية دينية او غير دينية. ومن بعد قرار الازهر تبدأ صيحات الهجوم على الشيخ واقلام اخرى تناصره وتؤيده مدافعة عن حرية الفكر والاعتقاد.
في نهاية الكتاب اتساءل ما الفرق بين هؤلاء المفكرين وبين مفكرين عصرنا الحالي؟ وهل بالفعل كان هناك مساحة من الحرية في منتصف القرن العشرين؟ الجميع واجه انتقادات وردود افعال متباينة منها ما يواجه فكره وينتقده ويتهمه بالكفر والبعد عن الاسلام ومنها من يقف معه ليؤكد حرية الاعتقاد.. .اضافة الى ان اضطهاد المفكرين ليس بجديد الم يتم احراق كتاب احياء علوم الدين للغزالي في الاندلس؟ واحراق كتب ابن رشد بعد صدور الحكم عليه بالنفي خارج قرطبة.. الجميع تعرض لمضايقات السلطة او رجال الدين!!!
التعليقات