عباس بيضون

يمكننا أن نستند الى شهادة وزير الثقافة طارق متري لمعرفة سبب منع مسرحية ربيع مروة laquo;ولكم تمنت نانسي أن يكون ذلك كذبة نيسانraquo; من قبل رقابة الأمن العام laquo;انه العودة بالذاكرة الى أيام الحربraquo; فذلك بحسب الرقابة يثير النعرات لم يستطع وزير الثقافة أن يحول دون المنع. لم يكابر قال هذا بوضوح وحين لم يستطع كوزير تصرف كمثقف وكمواطن. قال رأيه في بيان عممه على الصحف. أوضح رأياً مقابل رأي وحجة مقابل حجة. لم يبال بألعاب السلطة الخفية ومضمراتها ونكاياتها. لم تكن هذه مناورة ولا مكابدة. كانت موقفاً في وجه موقف، موقفاً من الثقافة لكن أيضاً من السياسة والصراع الراهن laquo;الحديث عن الماضي بلغة الوقائع، كما تفعل المسرحية، بدل اختراعه كما يفعل بعض الساسة وكتاب الإثارة. يسهم في شفاء ذاكرتنا المجروحة. والمسرحية مهما استحضرت من خلافات الماضي وصراعاته لا تثير الشقاق والعداء بالقدر الذي تفعل الحملات الإعلامية المنظمة التي يشهدها بلدنا على نحو غير مسبوق والتي تتوسل لغة التجريح وتشويه السمعة والإدانة والتخوين والتخويفraquo; يمكننا أن نضع خطوط تشديد تحت اختراع الماضي وتحت إثارة الشقاق والعداء بالحملات الإعلامية المنظمة. لكن ليسمح لنا طارق متري بأن نضيف الى التخوين والتخويف إثارة النعرات والتحريض الحربي. المقابلة في محلها تماما ولا أعرف إذا كانت رقابة الأمن العام تنكرها. لا أعرف كيف سترد الرقابة على بيان الوزير الذي لا يمكنها أن تعامله كقاصر وكمواطن غير دار بما يخبأ له وكبريء لا يدري مرامي الكلام. وجوده في الوزارة لا يتيح لها أن تلقي عليه أمثولة، لكن كونه كاتبا ومثقفا لا يتيح لها أن تعلّمه مغازي الكلام وكناياته. ستقول الرقابة إنها قامت بعملها وسيكون الأمر هكذا لو استند فقط الى لائحة بعدد من الممنوعات كما هو الأمر في بلدان كثيرة، لكن الأمر يتعدى ذلك الى فلسفة للإعلام وفلسفة لتقديم الواقع وتشخيصه. أي أننا باختصار أمام موقف من الثقافة ووظيفة للثقافة ومنهج للثقافة، وهذا أمر لا يناط بالطبع بالأمن العام، كما أنه في بلد ديموقراطي لا يناط بأحد فالدولة الديموقراطية لا مذهب ولا ثقافة ولا تعليم لها. في بلد ديموقراطي لا تفعل الدولة سوى تنظيم النقاش لا توجيهه، ورقابة الأمن العام هنا توجه وتعلم المسرحيين والكتاب كيف يقدمون التاريخ وكيف يتعاملون معه. ذلك ما تفعله الدول الكليانية التي تقيم من نفسها معلما وتقيم الدولة على أساس عقائدي، في الدول الكليانية، شيوعية أم نازية أم قوموية توجه الدولة الكاتب والفنان الى تجميل الواقع والغض عن مخازيه وتقديم البطل الإيجابي وحجتها أن لا يبث الفن في الناس يأساً وخيبة لا يجدهما في نفسه، لكن في الواقع والحقيقة، توجه الدولة الكاتب والفنان الى تمويه الواقع والتآمر على الحقيقة. فهل تجيز رقابة الأمن العام لنفسها حقاً أن يملى على الكتاب والفنانين توجيهها وتعليمها وفلسفتها في الفن والثقافة. ذلك ببساطة أمر يتعدى الديموقراطية وقد يكون من رواسب وعي قديم وعهد آخر.
أتبنى بيان طارق متري. أتبنى بالدرجة نفسها اعتداده بالمواطن والمثقف وجرأته على الوزير الذي فيه. أتساءل كيف سيكون رد رقابة الأمن العام عليه. هل سيكون هو ذاته ردها على اقتطاع نصف فيلم رنده الشهال laquo;المتحضراتraquo; الذي أدى الى حجبه: الخوف من الواقع وإبعاد شبحه عنا، وماذا لو فعلنا فهل لن نجد أمامنا سوى ما هو أسوأ. إذا قالت إنها تقوم بعملها فإن في وسعنا أن نسألها عن تاريخ هذا العمل وإذا كانت فعلاً تعرف في أي سنة وأي يوم وأي ظرف نحن. سنعرف من جوابها كم هي متأخرة عن اللحظة ومتأخرة عن الواقع. إنها تحمي اللبنانيين من ذكرى حرب فيما هم في وطيس حرب أخرى، لم تغد دموية، هذا صحيح لكنها حرب كاملة. هل دار في بال الرقابة أن ما فعله ربيع مروة وفادي توفيق كان بتحريض من الحرب الحالية، لقد استعادا أرشيف الحرب الماضية ليضعانا في مرآة أنفسنا، ليُريانا الى أين نمشي بأقدامنا، ليُفهمانا الحقيقة الفعلية والعمق الفعلي لكل هذه الحملات المليونية، ربما هكذا نرى، قبل أن نقع، الهاوية المعدة لنا والتي لا نزال مسرعين إليها.