منير بولعيش من طنجة: في 15 نوفمبر القادم ستحل الذكرى الرابعة لرحيل المبدع (محمد شكري)، الذكرى التي ستثير مرة أخرى ـ و لا بد ـ الكثير من الأسئلة عن المصير الذي آلت إليه تركة محمد شكري و وصيته بتأسيس مؤسسة محمد شكري لدعم الكتاب الشباب.

هامش 1:
خراب الأبراج مثل شموخها، فتنة للدنيا و شغل للناس، و كل موت عظيم، هو بالضرورة تفريخ لظواهر طفيلية و شاذة، تعرف كيف تقتات من لحم الجثث، و كيف تحول مجد الكبار إلى دكانة على حسابها الخاص.
في الواقع لا أعرف العدد الكامل لمريدي محمد شكري: النبهاء و الأغبياء، و لا أريد أن أعرفه، لكن أربع سنوات على رحيل الكاتب الكبير أسقطت الكثير من ورق التوت و الكثير من أقنعة الورق التي كانت تداري بها نتانتها في حضرة الشيخ، ذلك أن جثة أي كاتب و مهما كان مجده تتساوى في الأخير مع باقي الجثث في إفراز التحلل و العفن!!
بطانة السوء، هي قدر كل كاتب كبير، تتحرك أينما تحرك و تميل كيفما مال، لذا ليس من الغريب أن تتكالب بعد رحيله على تمزيق جثته و تشويهها في محاولة يائسة من أجل إزاحته عن ركح لن يكون إلا له.

هامش 2:
شخصيا أعتبر أدب محمد شكري، حالة متقدمة من الكتابة يمتزج فيها السردي بالشعري و الفلسفي في بوتقة واحدة، هذا النفي المتعمد للأجناس بعضها في بعض، خلق نصوصا (أفكر هنا في زمن الأخطاء و وجوه و غواية الشحرور الأبيض) لا يمكن أن تقرأ على أنها سيرة ذاتية مغلقة، بل كملحمة نصية متفرعة، خاصة مع استنجاد الكاتب بما يمكن تسميته ـ إذا جاز هذا التعبير ـ بـ(الكتابة البورتريهاتية) التي أضفت على النصوص حالة من التشظي و التفكك التي لا ينظمها سوى صوت محمد شكري الطاغي على كل الفصول، و بصيغة أخرى، نصوص محمد شكري ـ رغم تجنيسها ككتابة أوتوغرافية ـ هي في واقع الأمر نصوص في مهب التجريب.
هذا من الجانب الفني، أما من الجانب الشخصي، أعتبر محمد شكري واحدا من أهم أصول شجرة الأنساب التي شكلت وعيي و طريقة نظري للعالم و الوجود، كما أعتبر نصوصه بمثابة الكلمة المفتاح، أو العتبة الضرورية التي تؤهلني أن أتغلغل في أفضية و تاريخ مدينة بحجم طنجة، بما تمثله للمخيال الكوني من فن و أسطورة و قدرة على الإدهاش، و مع هذا لا أريد أن يفهم من كلامي بأنني أحاول إضفاء قداسة ما على إسم محمد شكري، أو بالأحرى على أدبه، قداسة قد لا يكون يستحقها، لكن تراثه ـ كما نعتقد ـ لا بد و أن تعاد قراءته، خاصة بعد انطفاء الظاهرة التي كان يمثلها وجوديا و حياتيا، واثقين من أن أدب الرجل، قد تعرض لحالات شنيعة من سوء الفهم و النوايا، مرده تلك الأحكام المسبقة التي ظلت ملازمة له حتى وفاته، و التي كان بنفسه يعمل على تغذيتها و نشرها بوعي أو بدونه، و التي حولته أقرب ما يكون إلى صورة (البطل الشعبي) الذي تجد فيه المجتمعات الخاملة تنفيسا عن مكبوتاتها و عقدها، لذا فإن أي استرجاع لأدب محمد شكري اليوم، يجب أن يراعي الموضوعية الكاملة، خاصة مع توافر مسافة أربع سنوات من الغياب، كافية من أجل رؤية أوضح و مقاربة جديدة للنصوص.

هامش 3:
لا أعرف من قال أن (المدن كالنساء)؟
المدن بالنسبة لي، لا تشبه في آخر الأمر إلا مجانينها: براغ لا تذكر إلا بكافكا، بوينس أيرس لا ترى إلا بعيون بورخيس، القاهرة لا تستشرف سوى من مرقب نجيب محفوظ، ذلك أن كل حواضر العالم، تجعل من مبدعيها سفراء يتكلمون باسمها و يتغنون به، و قلما نجد مدينة تتنكر لمبدعيها كمثل طنجة، التي جعلت من موت محمد شكري قلبا لصفحة بئيسة طالما أرقت الكثير، و إخراسا لأجراس الفضيحة التي وحده من كان يعرف كيف يقرعها في وجه من تعودوا وضع الصباغ، فوق ملامح مدينة دمرتها التجاعيد و الكدمات!!