تعد الفنانة المغربية جميلة العرايشي من اللواتي يتعاملن مع موضوعات اللوحة، ألوانها وخطوطها وحركية الإيقاع وفيكوراتها المموهة دائما، من خلال بساطة الرؤيا، بل من بدائيتها أحيانا، ولكنها بدائية فيها الكثير من عمق المعالجة مما يضفي هذا على ألوان ومكونات وجو اللوحة فعالية التأثير على المشاهد، ليس التأثير على عينه فقط وإنما على مشاعره بغية الوصول إلى اللغة المشتركة بينهما. وهذا هو جوهر الهدف الذي من اجله تحاول الفنانة أن تكتشف الآخر، أنها تبحث عن ذلك الآخر الذي هو دائما مموه وضائع بين زحمة الأشياء والألوان في واقع مكتظ.
وفي المغرب فان هنالك وضوح ساطع لزحمة الأشياء ومكونات الواقع والطبيعة وجمال البحر وضوء الشمس الباهر دائما والذي يحتضن والإنسان وأشياءه بحنان ودفء. ولكن وسط كل هذا نكتشف حقيقة هي ضياع الإنسان، بالرغم من إن هذا الضياع ليس كليا، ولكن هكذا ما نراه واضحا في لوحات الفنانة العرايشي.
وبالرغم من هذا الضياع إلا أن الفنانة تحاول دائما أن تكتشفه من خلال التعامل بصدق وبراءة في الوصول الى لغتها الفنية وأسلوبها الخاص انطلاقا من إيمانها من كون الفن هو لغة للتخاطب مع الذات أولا ً والآخر ثانياً.
وتعامل الفنانة مع الأشياء ومكونات الحياة والآخر وعكسها في اللوحة يؤكد بدائية النظرة الفنية الغنية بالتساؤل المقلق أحيانا لأن الفنانة كونها امرأة لا تمتلك الكثير من الأجوبة الواضحة على تعقيدات المجتمع ألذكوري، او مايقوم به الانسان من تشوبه للطبيعة.
ويدفعها غموض هذا الواقع، إلى استخدام البرادوكس في تعاملها الفني مع مكونات اللوحة، أي رؤية عكس هذا التعقيد والغموض الحياتي والاجتماعي، وذلك من خلال اللجوء إلى الطبيعة بألوانها الشفافة وحركة إيقاعها الهارمونية أو العنيفة او المشوهة أحيانا من اجل خلق عالم هارموني فيه الكثير من الجمالية وبهذا فانه مضاد لخشونة هذا الواقع.
مما حتم على الفنانة استخدام لون البحر الممزوج بضوء الشمس الذي هو عادة أكثر سطوعا في المغرب، فتلجأ الفنانة إلى استخدام الألوان الزرقاء المتوسطية التي تعكس أحاسيسها بصدق كامل.
أن شفافية الألوان المسخدمة في بعض لوحات الفنانة العرايشي وذلك الضوء الباهر الذي تحاول الفنانة تأكيده، تكون أحيانا ممزوجة بتلافيف وخطوط
وانحناءآت لا يمكن فهمها إلا من خلال ربطنا لمكونات لوحة الفنانة، موضوعها، ألوانها وحركتها وإيقاعها، مع الألوان الزرقاء التي تمنحها حركة البحر وإيقاع أمواجه او تلك السماء الصافية التي لا يمكن إلا ان تكون سماء مغربية.
إذن تحاول الفنانة أن تعكس الطبيعة وحركية ألوانها من خلال بصيرتها التي هي انعكاس لأحاسيسها الداخلية سواء تميزت بهدوء المشاعر أو عنفها، وهذا ينعكس على التعامل مع أشياء الحياة والطبيعة سواء في حالة قبول من قبل الفنانة أو في حالة رفض غاضب أحيانا.
وبالرغم من تجريدية تلك اللوحات لمتأثرة بألوان البحر المتوسط، إلا أننا نكتشف بين تلا فيف ألوانها وجود لفيكورات وإشكال مختلفة ذات ملامح بشرية أو كائنات غير معروفة، وهذا متأت من أن الفنانة لا تبغي أن تظل لوحتها تجريدية وغير مفهومة أو غامضة، وإنما تحاول أن تعطي ملامح إنسانية ضمن تجريدية مكونات اللوحة وألوانها حتى يمكن أن تخلق نوع من التواصل مع الآخر. أن هذه الموضوعة (مع الآخر) هي التي تقلق الفنانة جميلة العرايشي، لكن التواصل مع موضوعات الفنانة يتم دائما من خلال استخدام تلك الألوان الشفافة والمعبرة والتي تؤثر في العين والبصيرة.
و تتعمد الفنانة أحيانا في الكثير من لوحاتها أن تملأ مساحتها بمكونات وخطوط وإيقاعاتتوحي باكتظاظ الموضوع لدرجة أنها تقتصر أبعاد اللوحة إلى بعدين فقط، وهذا متأت من محاولة تأكيدها على زحمة الأشياء الحياتية والبشرية والطبيعية في الحياة المغربية التي من السهل على العين الفنانة اكتشافها.
أن استخدام الألوان بشفافيتها المتوسطية والتنوع وعدم التزام الفنانة بقوانين أبعاد اللوحة ينحو بها أن تهدف إلى إبراز وتأكيد جمالية بدائية.
وإذا كان أسلوب مثل هذه اللوحات بألوانها الصارخة تؤثر في عين المشاهد، فان لوحات أخرى للفنانة رسمتها بأسلوب يختلف تماما عن الأسلوب الأول، وهو أسلوب يؤكد التعامل الخشن مع اللوحة ومكوناتها وخاصة عندما ترسم الفنانة الواقع الحياتي المغربي، ويتحقق هذا من خلال استخدام الألوان القاتمة وخشونة ضربات الفرشاة وإيقاع حركة خطوط اللوحة، وبالتأكيد فان هذا متأت من طبيعة الموضوع الواقعي المتناول.
وبالرغم من أنها أحيانا تقترب من الفوتوغرافية في تناول الواقع لكنها واقعية وفوتوغرافية مؤسلبة ومكثفة في استخدام الخطوط والألوان الحارة لتعكس طبيعة الواقع الخشن أصلاً.
وبالرغم من تناول الفنانة جميلة العرايشي الطبيعة والحياة الواقعية المغربية ببساطة وبدون تعقيد في المعالجة، فإنها لا تحاول أن تأكد على الموضوع أو الفكرة بكامل التفاصيل، وإنما بشكل مموه، وحتى وان استخدمت الفيكر ـ الإنسان إلا انه سيكون بملامح غير واضحة وبلا تفاصيل كثيرة.وبالرغم من هذا فإنها تحاول دائما أن تقسم عملها بين النظرة التجريدية وبين الواقعية ـ الطبيعة.
أن الجهود العصامية الفردية التي تحاول الفنانة العرايشي بذلها تجعل تعاملها مع اأشياء ومكونات الحياة بروح شفافة وصدق متناه وبدائية في التعامل ممزوجة بنظرة فنانةواعية مأخوذة بجمال الطبيعة وحركة ألوانها الغنية المملوءة بالرموز، ومأخوذة أيضا باكتظاظ الحياة في محاولة لاكتشاف لغة التواصل مع الشريك الآخر في الحياة.
التعليقات