كشف أن انتصار 73 قدم صورة خادعة للذات العربية
باحث فلسطيني: مسرح نكسة 67 أصل المسرح السياسي
المسرح السياسي في مصر ودوره في تشكيل منظومة القيم الدرامية في الفترة من 1967 إلي 1981 موضوع الدراسة التحليلية التي حصل بها الباحث الفلسطيني (توفيق موسى علي) علي درجة الدكتوراه من معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، وأكد فيه أن المسرح العربي قبل 1967 لم يعرف ما اصطلح علي تسميته بالمسرح السياسي بالقوة التي عرفه بها منذ أن عمقت الهزيمة إحساس المؤلف والفنان المصري بمسئوليته تجاه جمهوره وعروبته، حيث كان يتوجس قبل الهزيمة من معالجة القضايا السياسية ويستبدل بها قضايا أخرى اجتماعية أو تاريخية، إلي جانب أن المسرح السياسي لم يكن معروفاً بالشكل الذي ظهر عليه بعد النكسة رغم شيوعه قبل ذلك بكثير في المسرح العالمي.. وأوضح أن هذا لا يعني أن المسرح المصري لم يهتم بالتحولات والتغيرات السياسية قبل ذلك، بل يكاد يكون سياسياً في كل مراحله ولكنه بعد 1967 جعل من السياسة هدفه وموضوعه الأول في المعالجة والمناقشة دون إغفال حقيقة اهتمامه بالسياسة منذ نشأته.ويري الباحث أن الفترة من تعتبر الفترة من1967 إلي 1981 من أحلك الفترات التي مرت بها الأمة العربية وخاصة مصر لما فيها من أحداث وتحولات أثرت علي البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع المصري، وقد ربطت كاتب الدراما بمجتمعه وقضاياه فخرجت أعمال مهمة ستظل وثائق فنية تحمل ملامح الواقع ودلالات التحول والأحداث وذلك من خلال صياغات وقيم درامية متنوعة.
ولاحظ الباحث من خلال رصده حركة التغير الاجتماعي والقيمي في المجتمع المصري منذ منتصف الخمسينيات وحتى الستينيات أن كتاب المسرح في تلك الفترة قد تعرضوا من خلال مسرحياتهم لتلك المتغيرات وضرب أمثلة بمسرحيات (الناس اللي تحت) و(الناس اللي فوق) لنعمان عاشور، و(المحروسة) و(السبنسة) و(كفر البطيخ) لسعد الدين وهبه، و(الطعام لكل فم) لتوفيق الحكيم و(القضية) و(الأرانب) للطفي الخولي، و(الفتي مهران) لعبد الرحمن الشرقاوي.
وقال أنه نتيجة للتطورات التي حدثت للمجتمع المصري في تلك الفترة كان لابد أن تبدأ الحركة المصرية بداية واقعية، لأن هذه الحركة ولدت في جو عنيف من الثورة ضد الاستعمار الإنجليزي، وضد وضع اجتماعي ظالم، إلا أن هذا الاتجاه الواقعي قد تعرض لأزمة لها العديد من المظاهر من أهمها: التغيير السريع لمشاكل المجتمع، وانحراف مجموعة كبيرة من الكتاب إلي الاتجاه الرمزي خوفاً من الرقابة، حيث كان انحرافهم في تلك الفترة عن الواقعية معادلا لانحراف الثورة عن طريقها وطموحاتها الأولى، لظهور كثير من المعوقات وعلي رأسها مراكز القوى ودعاة الاشتراكية الذين اتخذوا منها شعاراً غير قابل للتنفيذ.
وأضاف أنه بعد النكسة مباشرة بدأت محاولات عديدة لتقديم نوع من المسرح السياسي المباشر الذي يعتمد علي التوثيق والخروج علي الشكل الدرامي التقليدي، حيث كانت الظروف أكثر استعداداً لتقبل مثل هذا المسرح، حيث طرح الكتاب تعبير المسرح التسجيلي أو الوثائقي بعد عرض مسرحية (الغول) لبيتر فايس إخراج د. أحمد زكي، وقد كانت أول مسرح سياسي مباشر في مصر، حيث حفزت المخرجين علي الأداء بشكل جيد وساعدت علي إرساء معايير جديدة لمفهوم المسرح السياسي، ثم غلب علي معظم الأعمال المسرحية ذات المحتوى السياسي بعد ذلك سمة التناول غير المباشر، فكان الإبعاد الزماني والمكاني حيناً والتجريد حينا أخر والرمز في معظم الأحيان، كما اتسمت تلك الأعمال بكونها لا تجسد أشخاصاً واقعية حقيقية علي الأقل من الناحية الشكلية والمباشرة وإنما اتخذت شخوصها منم الشخصيات التاريخية والأسطورة والخيالية.
ورأي الباحث أن تلك الفترة أيضاً شهدت انتشار المسرح التجاري في أسوأ صورة، وعلل ذلك بأنه نتيجة لحالة الانفصال التي مزقت الوجدان المصري وأفقدته إيمان بالكثير من القيم وازدهار مسرح الكباريه هروباً من مواجهة النفس ومن الواقع المؤلم، ورغم ذلك فقد كانت هناك مسرحيات استطاعت أن تتجاوز النكسة من خلال التزام كتابها وإيمانهم برسالة المسرح الجادة، حيث استطاعوا جمع شتات أنفسهم، وتقوية إحساسهم بشخصيتهم الحضارية المستمدة من تراثهم الحضاري والثقافي والقومي فتناولوا الكثير من القضايا الوطنية والقومية ذات الموضوعات الجادة، ومنهم عبدالحمن الشرقاوي وإلفريد فرج وصلاح عبد الصبور ومحمود دياب وغيرهم من الكتاب الجادين.وذلك من خلال مسرحيات تحمل فكراً في شكل جديد والاستفادة من أحدث التيارات الغربية في فن كتابة المسرحية ومناهجها، فمثلاً مسرحية المخططين ليوسف إدريس، استخدم خلالها الدراما التحريضية والتي هي موجهة أساساً إلي المجموع لا إلي أفراد، كما أن مسرحه يرتفع عن مجرد التعبير عن أزمة ما داخل نظام بعينه، بل إلي إعمال فكره وعقله.. كم استخدم إلفريد فرج في مسرحية (النار والزيتون) علي الاشكل التسجيلي من حيث استخدامه لمعظم عناصر المسرح الشامل، ومعظم عناصر كسر الإيهام من تمثيل صامت واستخدام الأفلام السينمائية والغناء والرقص والأقنعة والوثائق واللافتات والصور والإحصاءات وكل وسائل العرض.
وكشف الباحث أن معظم كتاب الستينات توقفوا عن العطاء في فترة السبعينات أو في معظمها لأنهم افتقدوا نوع المناخ نفسه الذي أبدعوا فيه بسبب الرقابة علي المسرحيات حيث أنه بعد انتصار أكتوبر وما حدث بعده من قرارات جعلت من المستحيل في تلك الفترة علي المثقف أن يستوعبها ويفرزها في عمل فني ناضج، وتحولت كثير من الأعمال إلي جهود فردية، إلي جانب منع العديد من المسرحيات من مثل: باب الفتوح، ورسول من قرية تميرة لمحمود دياب، والأستاذ لسعد الدين وهبه، والغول لبيتر فايس، إلي جانب منع أسماء معينة من الكتابة للمسرح، حيث أثر كل هذا في مسرح السبعينيات وما بعده وبالتالي ازدهر المسرح التجاري والابتعاد في كل ما يقدمه عن الواقع، وتقديم صورة خادعة للذات العربية، إضافة إلي أن الاهتمام أصبح منصباً علي النجم وسيطرة القطاع الخاص، إلا أن بعض كتاب المسرح الجادين حملوا علي عاتقهم رسالة المسرح الجاد من خلال مسرحيات ذات موضوعات جادة من أمثال عبد الرحمن الشرقاوي ومحمود دياب وأبو العلا السلاموني..
ناقش البحث د. أحمد زكي رئيس المركز المصري العالمي للمسرح وأستاذ الإخراج المسرحي، ود. نهاد صليحة أستاذ النقد والدراما، ود.وليد منيراستاذ الأدب العربي الحديث، وقد قسم الباحث رسالته إلي أربعة فصول وخاتمة الفصل الأول المسرح السياسي في مصر مفهومه وتطوره، والثاني المسرح والحراك القيمي والثالث مسرح الستينات، دراسة تحليلية في مسرحيات المخططين ليوسف إدريس والنار والزيتون لإفريد فرج، والرابع مسرح ما بعد الستينات دراسة تحليلية وحلل فيه ثلاث مسرحيات وطني عكا لعبد الرحمن الشرقاوي ورسول من قرية تميرة لمحمود دياب وفوت علينا بكره لمحمد سلماوي.
- آخر تحديث :
التعليقات