(الآن
إذا ما إلتقيت ذلك الصديق
اقرأ في عمق عينيه
كيف اقتلعت أزهار 1968 )
مقطع من أغنية 1968 لخواكين سابينا


منير بولعيش _ طنجة: خواكين سابينا- عبقري الموسيقى الإسباني، الفنان الشامل المتعدد المواهب الموزع بين الغناء والتلحين وكتابة الشعر، الأندلسي (جايين 1949) الذي كان يحلم بأن يصير شاعرًا قبل أن تقوده الصدف للموسيقى والغناء، وليتربع اليوم بعد 17 ألبومًا موسيقيًا (جرد ـ رفقة السوء ـ الحكم الخصم ـ فندق، فندق لطيف ـ الرجل ذو البذلة الرمادية ـ أكاذيب بنية حسنة ـ فيزياء و كيماء ـ هذا الفم لي ـ 19 يومًا و 500 ليلة ـ قلي في الشارع... ) على عرش الغناء في إسبانيا، وليصير أيقونة فنية تداعب موسيقاها وكلماتها مخيلة الملايين من العشاق والأحرار والرافضين... لذا فإن أي كتاب جديد عن حياة هذا العبقري ــ الذي يلحقه النقاد في إسبانيا ضمن كوكبة من الموسيقيين العالميين الأفذاذ كبوب ديلان وجون لينون وجيم موريسون... ـ هو حدث يستقبله الوسط الفني والثقافي الإسباني بكثير من المواكبة والإهتمام، وكتاب الجيب الذي صدر مؤخرًا عن (eacute;dition b) في 341 صفحة والذي يحمل عنوانين: أساسي (أنا أيضًا أعرف اللعب بالفم) وآخر فرعي (خواكين سابينا في:لحم حي) عبارة عن حوار مطول أجراه الكاتب الصحافي (خافيير مننديز فلوريس) مع (خواكين سابينا) و هو الصحافي نفسهالذي كان قد سبق له أن أصدر كتابًا آخر عنه معنونًا بـ (عذرًا أيها الحزن) مما يجعل السؤال عن الجديد الذي سيأتي به هذا الكتاب/الحوار سؤال له مشروعيته.

أنا أيضًا أعرف اللعب بالفم:

الكتاب/ الحوار هو بالأساس غوص في تفاصيل حياة مفخخة بالألغام وممتلئة بالمنعطفات القاتلة أحيانًا والجميلة في أحيان أخرى... قصة نجاح وطموح لا تحد لفنان إشكالي وخلافي إلى أبعد الحدود، حيث عمل الصحافي (خافيير مننديز فلوريس) وعلى امتداد الأسئلة والصفحات، على (تعرية) خواكين سابينا من آخر ورقات التوت و ذلك من أجل الإحاطة بالأبعاد المختلفة لهذا الفنان المشاغب وتمكين القراء والمعجبين من استشعار ثراء التجربة الفنية والحياتية لسابينا الذي يقترب الآن من عقده السادس.
(خواكين سابينا في: لحم حي) هي سيرة مفصلة عن الوطن والمنفى، الموسيقى والغناء، الأدب والسياسة، النساء والمخدرات... حوار يكشف لنا كل الزوايا المظلمة في مشوار هذا العبقري، ومنذ أول سؤال يستهل به (خافيير مننديز فلوريس) حواره في هذا الكتاب، سنكتشف تمايزه عن كل الحوارات السابقة التي أجريت مع خواكين سابينا:
(ــ خواكين؟ هل ستكذب علي كثيرًا؟
ــ خافيير، سأكذب عليك فقط في الأحداث التي ستنتسب فيها الكذبة إلى الفنون الجميلة كما قال ديكنز، (...) هناك الكثير من النوادر عن أناس كان عليهم أن يكونوا حقيقيين ولم يكونوا، لكن لهذا أعتقد أنهم حقيقيون أكثر من الحقيقة، لأنهم حقيقة أدبية، تؤسس و تبني قصورا فوق أنقاض الحقيقة، أوف... كيف بدأنا !!) ص 22
الكتاب الجديد جاء إذن لاستكمال ما كان خواكين سابينا قد أسقطه في الكتب السابقة التي تناولت حياته أو التي طالما تجاهل الخوض فيها، حيث تحدث فيه الفنان الإسباني عن تجربته الموسيقية والصحافية وعن آرائه السياسية ومواقفه اليسارية الراديكالية الواضحة والمعلنة والتي نجد لها امتدادات في جل أعماله الموسيقية والشعرية، كما لم يفوت خواكين سابينا الفرصة كي يجدد مرة أخرى معارضته الشرسة للحرب على العراق والتي ظل ومنذ نذرها الأولى وفي كل الحوارات التي أجريت معه ينكل بالرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الإسباني أثنار بأشد النعوت وقاحة وهو ما يمكن لنا أن نستشفه أيضًا في هذا الكتاب:
(ــ نتحدث عن السياسة خواكين
ــ نعم نتحدث، في رأيي نحن نعيش لحظة هي أكثر اللحظات صليبية منذ أن كانت لي ذاكرة، انظر إلى الأحداث التي مرت: حرب الفيتنام، سقوط جدار برلين... لكن الذي جرى في الولايات المتحدة الأمريكية، في بغداد، و في العالم الخارجي منذ أحداث 11 أيلول، وأضع في هذه السلة أيضا: أثنار، بوش، و بلير و جميع أولاد القحبة هؤلاء، أعتقد أنه خطر، بمعنى أن صعود الإئتلاف المسيحي/البترولي لبوش وأصدقائه هو خطر كبير على الإنسانية...) ص 174
وإضافة إلى هذا تحدث خواكين عن سعادته اليوم بالمد اليساري الذي يجتاح مجددًا أميركا اللاتينية وصداقته مع بعض رموز اليسار العالمي وخاصة مع الرئيس الكوبي فيديل كاسترو والفنزويلي هوغو شافيز، كما تطرق إلى الأسباب التي جعلته يرفض مؤخرًا الوسام الذي كان منحه إياه ملك إسبانيا (خوان كارلوس) وهو الأمر الذي كان قد أثار حينها ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية والفنية والسياسية.
كما سنتعرف في هذا الكتاب على المرجعيات والخلفيات الثقافية والفنية لسابينا وعن تفاصيل حياته في لندن التي لجأ إليها بجواز سفر أحد رفاقه في عهد فرانكو، بعد أن فجر مصرفًا تابعًا لبنك بيلباو احتجاجًا على ما سمي آنذاك بقضية بورغوس، كما تحدث أيضًا عن أصدقائه وأعدائه وحبيباته وعن كل النساء الذين أثْروا حياته وأثّروا في مشواره كفنان استثنائي.
وفي الأخير تحدث خواكين سابينا عن الموت وعن نظرته إلى الحياة التي تغيرت كثيرًا بعد الأزمة الصحية التي تعرض لها على مستوى الدماغ بسبب إدمانه للمخدرات، وهو الأمر الذي جعله كما يقول يدخل في حوار دائم ومباشر مع الموت.