اختفت السيارة. بدت أول الأمر على ذلك الطريق تمر، بعد قليل اختفت. فذهب الضابط الجنائي يبحث عنها.
تقول سميرة: هي مرت بين بين...
ما لونها، حمراء؟
منذ وقت، لم يكن زمان، في حوالي العصر، النخيل بين النهر وبين المدينة وهناك عند الشاطي حصى يسبح مع الشمس بالحمد. الشمس ليست للنهار بل للنهر.
قال الضابط إن الطريق يذهب إلى مدينة أخرى. فهزت رأسها: أعرف. كأنها تقول: بين هنا وهناك.
لكن لم يرها أحد بعد ذلك.
فصعدت السطوح تراقب طريقا لا يمر.
منذ أشهر، قال له الطبيب: نتيجة الأشعة تبين لنا أن هناك كتلة ملتهبة، نار، ثم توقف عن الشرح، يريد أن ينقل المعنى بالصمت. وهو يتفحص علامات وجهه. وهيئته لم تضطرب لأنه يعرف أن الوقت قد حان.
سألته زوجته السابقة: ماهو شعورك الآن؟
لا شيء، ما سيأتي لا يهمني.
يجب أن تذهب الى مركز العلاج النووي في quot;الداون تاونquot;، هناك عربي مثلكم يدير المركز سيهتم بك.
لن أذهب. أعرف أنني ميت في غضون أشهر، لكن اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا..... والموت أخيرا لن يقتلني.
ماهذه الترهات؟ اذهب وسيعالجك الدكتور..على الأقل حاول!
قلتُ لا يهمني ولم أعد اخاف الموت كما في السابق.
فانتبهت، نزلت السطوح تقول: أيها الضابط أيها الضابط، وهمي يقول أن السيارة قد اختفت لأن الموسيقى توقفت!
ابتسم يقول، متى توقفت الموسيقى، لم اسمع بذلك؟
فاستدارت نحو الموسيقيين: وش بلاكم...! تبتسم. ابتسامة بين بين.
طويلة عيناها واسعتان وخدها يغمز للموسيقيين وخصرها ساحل أسمر.
قصة قصيرة جدا: ذهب محمود مع زوجته سارة الى حفلة تعارف في الداون تاون وهناك سألهما رجل: أنتما من وين؟
فقال محمود، انا من اسرائيل.
سارة أجابت بصوت رنان: انا فلسطينية، من فلسطين.
تنتبه. سبب اختفاء السيارة. تلتفت نحو الموسيقين: اعزفوا.
قالت: أين تريد أن ادفنك، هل في مقبرة الاسلام أم في مقابرنا؟
ذلك لأنك تعلم أن النقل إلى بلدك، والطريق طويل، مكلف والأوراق تريد اسبوعا على الأقل وانتم المسلمون تحبون الدفن خلال يوم واحد. يجب أن تكتب وصية في ذلك وتضعني فيها الوارث الوحيد.
فكتبَ: سميرة، السيارة التي مرت مالت ثم توقفت عند جرف. سيارة حمراء بين صخرتين كبيرتين تحتهما خليج رجراج. هل تسقط أم تغنين؟
كنت انتظر، كما لم انتظر منذ ردح الزمن الغابر.
فيما سبق كانت أمامي ثقافة الأوربي وحين كنت أكتب وأغني كنت أدفعها نحو الأمام، ثقل وجهد.... أما الآن فورائي الماضي كله، ورائي التراث وهو الذي سيدفعني ويضعني على الطريق.
المادةُ عربةٌ، سيارةٌ... إما أن تمشي وإما أن تسقط.
سقطت
هكذا يراد لها؟! وسميرة أرادت أن تغلق عينيها الواسعتين خوفا\ عينا سميرة
فالتفتت نحو الموسيقين، طويلة عارمة: وش بلاكم!!!
تنحني قليلا ثم ترفع قامتها وتلوح بيدها، تشير للموسيقين إلى مكان السيارة: انظروا الى هناك. وهم بدورهم يلصقون عيونهم على الميكروفونات ويصيحون: ياعيوني، لا نرى ياسميرة ما ترين!
عند انتهاء حفل التعارف خرجا يمشيان نحو مكان السيارة. سأل زوجته سارة وهو يتلفت: أين سيارتنا لقد أوقفتها في هذا المكان؟ فأجابته، لا، لم توقفها في هذا المكان، نحن بالأصل لم نجلب السيارة معنا، جئنا مع الرجل الذي سألك.
فرد غاضبا: لا تاكسي الآن والرجل تركنا حانقا منك والطريق طويل، كيف نعود ياسارة؟
سارة تمشي تتركه ينتظر.
النهاية، يجب أن يكون هناك شيء إضافي، أشياء إضافية، حلقة النهاية مفقودة. دوما مفقودة، حيث لا نهايات لنا.
لكنها مازالت تشير للموسيقين، عنيدة حيث لا أمل، وهي مازالت تمشي. وأنا في غضون أشهر قليلة...
التعليقات