عبد الجبار العتابي من بغداد: على الرغم من غربته البعيدة ورحيله قبل احد عشر عاما، الا ان المفكر العراقي الكبير هادي العلوي، عاد الى بغداد، وحل ضيفا على اتحاد الادباء والكتاب في العراق، لم يكن الاستقبال حاشدا كما هو الاسم المحتشد بالابداع، والمغري بنتاجه بسبب عدم التنويه وبث الاعلان عن الاصبوحة، ولكن كان هناك استقبال مميز من قبل الذين حضروا تلك الاصبوحة البغدادية وتطلعوا الى صورة العلوي وهي معلقة على واجهة المنبر، ومن حولها (بوستر) احتضن اغلفة عدد من مؤلفاته، كان العلوي هناك برسمه وافكاره ونباهته وحبه لوطنه، وباللغة الصينية التي كانت قريبة اليه، كان من الممكن ان تسمعه يرددها حيث يأخذ الحديث عنه مساحة طيبة، وكان هنالك محتفون به حاولوا قدر الامكان ان يفوه بعض حقه، بالكلمات التي انتخبوها من اعماقهم .
ادار الاصبوحة حسن كريم عاتي الذي تحدث في مستهل مقدمته قائلا: نحن في رحاب رجل درس الامس لمعرفة اليوم واخضع قيم اليوم لمحاكمة تجارب الامس، تعامل بوضوح صوت ونقاء فكرة، لم تمنعه عقيدة انتماء من قول الصدق الذي يتوافر عليه في درس او بحث ان تأمل، اخضع ثقافته الى المساءلة، واشتغل في الفلسفة كؤرخ، وفي التاريخ كفيسلوف، اهتم بالتراث الانساني والعربي خاصة وقرأه قراءة معاصرة، ، واضاف: عاش هادي العلوي متغربا بين دمشق وبيروت والصين، اهتم بالحضارة الصينية ومنها بالذات (التاو)، عفيف اليد واللسان، صوفي السلوك والاهواء، لم تغره مكانته على استغلالها لمصالح شخصية، ولم يبحث عن الاضواء والشهرة .
ثم اشار الى نبذة بسيطة من سيرته قائلا: ذلك هو هادي العلوي، الذي ولد في بغداد عام 1932، وتوفي في دمشق صباح الاحد في 27/ 9/ 1998، ودفن في مقبرة الغرباء، تخرج من كلية الاقتصاد جامعة بغداد عام 1956، عرف الاهالي جريدته المفضلة تلك التي يصدرها الحزبي الوطني الديمقراطي، نشر اول بحث له في مجلة (المثقف) عام 1960 في موضوع عن ابي حيان التوحيدي، كان غزير الانتاج، يقف على اعتاب التراث ويحاكم الواقع، له العديد من المؤلفات منها نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي، الرازي فيلسوفاً، فصول من تاريخ الإسلام السياسي، من قاموس التراث، المستطرف الجديد، المنتخب من اللزوميات، نقد الدولة والدين والناس، شخصيات غير قلقة في الإسلام، المستطرف الصيني، الكتاب الأحمر، كتاب التاو، مدارات صوفية، ديوان الوجد، المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة، ديوان الهجاء، قاموس الإنسان والمجتمع، قاموس الدولة والاقتصاد، وقاموس العلوم والصناعات بالاضافة إلى العديد من المقالات والدراسات في المجلات العراقية والعربية.
تحدث اولا الشاعر رياض النعماني الذي شكر الاتحاد على تذكره للعلوي في هذا المكان الفقير، في حين ان لا السلطة ولا وزارة الثقافة تذكرتاه، ثم تحدث عن استذكارات له مع العلوي وحياتهما في دمشق قائلا: العلوي مثقف كوني رفض رفضاً قاطعاً العلاقة مع السلطة بمعنى خدمة السلطة، متجها الى التوفر الهائل عن اسباب المعرفة وشروط المعرفة، العلوي هو صحيح .. ماركسي عميق لأنه انتقل من الدين حيث كان رجلاً متديناً وأنتقل الى الماركسية، كاشفا ان العلوي في اخريات مقالاته وبحوثه كان يوقع باسم (يسوع) لأن يسوع كان أقرب له ولم يهادن سلطة الاغنياء، واضاف: كان العلوي معجباً بعامر العنبري المتصوف الذي نفي الى الشام، لان العنبري يذكرنا بالثوار الكبار من امثال جيفارا، غاندي وحسن نصر الله مع الاختلاف في موقفه الفكري ، لقد كان العلوي معجباً بكل الشخصيات الثورية والشخصيات النقية، وانه كان يرى في صورة الموظف المرتشي صورة للحاكم الموجود، لذلك حارب رجال الدين هادي العلوي لآرائه الجريئة جداً، لم يكن العلوي ضد الدين، واوضح النعماني: كانت تصل الى سورية اموال الى رجال الدين، وكانوا لايوزعونها، في وقت وصل فيه المثقف العراقي الى حالة عوزٍ اوصلت بعضهم الى الانتحار، كتب العلوي على اكتناز المال، وكتب ا رجال الدين الى (خامنئي) لتكفير هادي العلوي، لكن الرجل كان مثقفاً ولم يصغِ اليهم .
ويمضي النعماني في حديثه الشيق الى ان يتوقف قائلا انه كان قبل عدة ايام في حديثٍ مع الشاعر مظفر النواب، واخبره (اي النعماني) انه يحسد العلوي لأنه توفي ولم ير الدبابات الامريكية ولم ير الحرامية ولم ير زمن الفساد .
النعماني اشار الى ان زوجة الراحل العلوي ما زالت تعيش في دمشق لانها تريد ان تظل وفية له وتكون قريبة من قبره !!.
وتحدث بعده الناقد علوان السلمان عن إستذكارات عن هادي العلوي حيث قال: ان العلوي عاش حياة الزهد، وكرس جهوده للبحث والمتابعة، وكانت من اجل الأنسان وليس من اجل لذات الانسان، وذكر العلوان ان العلوي كان ناقداً وأديباً فضلاً عن كونه مفكراً، مشيرا الى ان العلوي الذي كان ينتقد الغرب لم يسكت عن عيوب الثقافة الشرقية في بعض الجوانب، ولم يرضَ أن يقف بعيدًا عن حلبة السجال، على الرغم من انشغاله الدائب بأبحاثه ودراساته العلمية المعمَّقة، فكثيرًا ما انتقد العلوي المثقفين على نفاقهم وتملقهم للسلطة، وقد أخرج شعر المديح من تاريخ الأدب العربي واعتبره (عارًا )، وعلى الرغم من تقديره العميق لما قدَّمه الشاعر أدونيس، من نقد وابداع ، الا انه عارضه في عبارته التي يقول فيها: (قل كلمةً وامضِ/ زِدْ سعة الأرض) فالعلوي يرفض كلمة (امض) ويرى أنه يجب أن يقول الانسان كلمته دون ان يمضي، بل ان يناضل الانسان في سبيلها .
ثم قرأ عيدان الكعبي كلمة بالنيابة عن صباح المندلاوي الذي تحدث فيها عن علاقة العلوي بالجواهري وهو شاهد عليها، وعلاقته معه كونه قريب من الجواهري فقال: وأنت تطرق باب بيته الخشبي المتواضع في مشروع دمر- دمشق تواجهك كلمات بالصينية تحمل اسمه ومنديله بما معناه مرتقى الحضارتين أو سليل الحضارتين، وحين تدخل صومعته الصغيرة- منزله الأليف- تراه يرتدي الدشداشة العراقية ويجلس وراء طاولته التي علتها العديد من الكتب والقواميس والأوراق والملفات يطالع بنهم أو يواصل أبحاثه ودراساته المعمقة والمتنوعة ومشاريعه المهمة (مشاريع العمر) يسافر إلى الماضي البعيد ويستلهم منها ما هو جديد ومفيد ويستنطق تلك الشخصيات الفذة التي تركت بصماتها واضحة على مر التاريخ والعهود وصارت جزءاً لا يتجزأ من تراثنا المشرف، واضاف: بين آونة أخرى كان يزور الشاعر الجواهري ويحدثه عن أيام كان يقيم في الصين وعن الحياة فيها وكيف أنه ترجم له قصيدته في رثاء جمال عبد الناصر إلى الصينية والتي مطلعها:
أكبرت يومك أن يكون رثاء
الخالدون عهدتهم إحياءَ
وفي آخر زيارة له حدثه كيف أنه منهمك في إصدار قاموس بعشرة أجزاء وحسب ترتيب الموضوعات وعما ينشره في مجلة (لمجرشة) وهي مجلة انتقادية ساخرة يصدرها في لندن الفنان البارع فيصل لعيبي، في أعوامه الأخيرة قلما كان يغادر منزله بسبب من تلوث الجو وخشية أن يتأزم وضعه الصحي وتعاوده نوبات الربو التي يعاني منها، وإذا ما اضطر للمغادرة فلأمر هام، إما لمتابعة كتاب له قيد الطبع، وعلى وشك الصدور، أو لحضور مجلس عزاء، لصديق أو لشيخ جليل يعز عليه، مثلما حدث في أعقاب رحيل المناضل زكي خيري أو الشاعر الجواهري.
واشار المندلاوي الى انه في آخر مكالمة هاتفية وإياه، شكا له من ضعف بصره ونصيحة الأطباء له بالتقليل من القراءة والكتابة وهو ما يقضُّ مضجعه ويقف حائلاً بين إنجازه لمشاريع مهمة كرس لها جل وقته ومنها القاموس الضخم الذي أراده بعشرة أجزاء وغيرها من المؤلفات والكتب الأخرى .
بعده تحدث الفريد سمعان الامين العام لأتحاد الادباء الذي تحدث عن اهمية العلوي وقدراته وامكاناته الفكرية وارائه التي لها مكانة مهمة في الثقافة العربية والاسلامية، فقال ان العلوي انسان متميز عن باقي البشر لم نستطع ان نعطيه حقه، العلوي انسان دؤوب وباحث اجتماعي مملوء بالعلم والمعرفة، عندما دخلت بيته وجدت ان زوجته تقف في خدمته، يا لها من انسانة نبيلة، العلوي يعطي أنموذجاً للمثقف الرائع للمناضل الحقيقي، عاش في الصين وتعلم اللغة الصينينة التي هي من أصعب اللغات حتى للصينيين انفسهم، لكنه كتب عنها، الف قاموساً، مشيرا الى ان العلوي كان يقرأ ويكتب بعين واحدة، وقال انه التقاه في احدى المرات وقال له: اذا كثر الباطل والسرقة بين الناس فهذا دليل على ان الحكام سراق، واذا كا النبل والثقافة والاخلاص لدى الناس فهذا دليل على نزاهة الحكام، وتحدث الفريد عن التواضع الجم للعلوي الذي يمثله التفاني في المعرفة، وانه عالج مسألة الدين بجرأة نادرة وبشكل علمي دقيق وسمعت انه احرج العديد من علماء المسلمين ، حيث قال لهم آتوني نصاً واحداً يوجد فيه تكفير البشر، واكد الفريد ان العلوي عاش فقيراً، وان هناك مؤسسات ثقافية عرضت عليه امولاً كثيرة لكنه رفض ذلك، وفي الاخير قال: هذا الانسان النادر والمتميز نتمنى ان نكون جزءاً صغيراً مما قدمه هادي العلوي.