آهٍ يا دون كيشوت، يا من وَلدتكَ النسورُ بين الغيوم، كي تبقى مُعلّـقاً هناك!! لا أنت قادرٌ أن تصلَ إلينا ولا نحنُ قادرون، ولكن
سنظلّ نقفزُ ونقفز، لعلّنا نصل إليك..
نقفزُ عالياً
عالياً
ثم نَسقطُ على أقـفيتنا محطمين
ننهض نافضين الغبار عن حظنا العاثر
ولكن
دون كللٍ أو ملل
نواصلُ القفزَ والسقوط
فقد تعوّدنا على الأمل والجروح، على التقافز والسقوط منذ مئات السنين، فلا تلكز حصانَكَ وتطير، من سيبقى لنا، نحن الشعوب المتعثرة في وديان التاريخ ؟! من سَيُترجم صراخَنا وثغاءَ خرافـِنا في شعاب الجبال ووحشة الوديان؟!
نعرف كم تتململ على حصانِكَ الحزين
وكم يتململ حِصانُكَ بين الغيوم
ولكن..
لا بد للرياح أن تصهلَ
ترفرفَ بأجنحتِها الكثيرة
لا بد لصهيلها العاتي أن يجتاحَ هذه الوديان
ليحملنا إليكَ
نحن أتباعُكَ المتقافزون
المتساقطون
على
الأرض
وجروح الأرض
...............
...............
لا بد للرياح أن تصهلَ وترفرفَ بأجنحتِها الكبيرة، لا بد لصهيلها العاتي أن يجتاح هذه الوديان
ليحملنا إليك
أو يحملك إلينا
أيها الفارسُ الحزينُ الطلعة
أيها الفارسُ الطويل
نعرفُ أنَّ جُرحَكَ أطولَ منك
ولكن
لا بد للرياحِ أن تتحرك وصخورِ الجبالِ أن تتشققَ وتهتزّ، لا بدَّ لشيءٍ ما أن يحدث، لا في أسبانيا أو العراق، ولا في جزر البحار البعيدة فقط، بل في قصور الملوك ودوائر الحكومات، في المكتبات العامة وفي المقابر الموحشة
في القرى الخاويات
وفي دوائر المخابرات المحروسة بالأشباح
في حدائق العشاق وذاكرة العشاق
في البيوت المهدمة بفلسطين، وفي الجروح التي تركها رمحُكَ المكسور على ظهر حصانك الحزين..
.............
.............
لا تبتئس ولا ترحل
فلا بدَّ لشيءٍ ما أن يحدث
لا بد لرمحك المكسور
أن يقرعَ أبوابَ (البيت الأبيض)
كي تـُقنْعَ الجيوشَ الأمريكيةَ
أن تكف عن احتلالِ بلدانٍ أخرى
فثمة أطفالٌ دونَ بروقٍ أو نجومٍ
وعجائزُ وخرسانُ ومسافرونَ فاتهم القطار
وموتى لم يعثروا على قبورهم بعدُ..
وهؤلاء جميعاً
لا يعرفون شكسبير ولا علي الدباغ
لا كارل ماركس
ولا المفكر السمج هنري كيسنجر..
لا يعرفون شيئاً عن البورصة والكارتلات
أو المثقفين العراقيين الذين تعاقدوا مع البنتاغون
لا يعرفون شيئاً عن فرق العملة وسعر الضمير
لا يعرفون شيئاً مطلقاً
ولا يريدون.
.............
.............
لا بد لرمحك المكسور
أن يقرعَ أبوابَ الجحيمِ أو الجنة
كي تستيقظَ الآلهةُ والملائكةُ والأنبياء
ليروا ماذا فعلتْ بنا الأفكارُ السيئة
وأحزابُ البيبسي كولا
والقصّابُ الذي أصبحَ قنصلَنا في الكويت
ووزيرُ الدفاع الذي سَرَقَ ملياري دولار
والأجهزةُ السريةُ والسياسيون السفلة
لا بد لشئ ما أن يحدث يا دون كيشوت
لا بد لشيء ما أن يحدث
كي يُصبحَ لآلاف الرماح التي تكسرتْ في قلوبنا،
صدىً ومعنىً في قاعات الكون
كي ينتصرَ، في نهاية المطاف، رمحُكَ المكسور
على قطاع الطرق والبعثيين الجبناء
لقد مللنا يا دون كيشوت
من صراعات (أل الحكيم) و (أل الصدر) على اسثمار جماجمنا ومقابرنا الجماعية، فقد تركونا بين أيادي المخابرات الإيرانية وتجار الأكاذيب
كاشفين ظهورنا لطعنات الأعداء
....................
....................
لقد طرحتنا مقالب الأيام أرضاً
وها هم حكامُنا الوطنيون جداً
ينظرون متثائبين
إلى أقدامنا وأيدينا المربوطة
دون أن يُحرّكوا ساكناً
بل يواصلون أحاديثهم الهامسة
وهم يحكّونَ كروشهم وأعضاءهم الجنسية
حالمين بكتابة أسمائهم على أبواب التاريخ
بينما نتململ نحنُ
صارخين مترافسين دون جدوى
...............
...............
ويحَكَ يا دون كيشوت
أنهم يجرجرون العراق من أذنيه
كمعزةٍ عرجاءَ مطعونة
وهي تصرخ دون جدوى
تتناهشها الغربان والطيور الجارحة
دون أن يخرجَ الموتى من قبورهم
أو تنشقَ الأرضُ
فتبتلعنا
...................
...................
ويحك يا دون كيشوت
لم يَعد أمامَنا سواك
فمتى نسمع وقعَ خطا حصانك؟!
متى نرى رماحَكَ تصهل
تتهادى في الريح
تسّاقط على حدود العراق
فتـُسوره تماماً
ثم تدخل أنت منتصراً، متهادياً بطولك البهي وطلعتك الحزينة، كما لو كنتَ نبوخذنصر وليس أقل، منتصراً بنا ومنتصرين بك، كما لم يحدث لنا أو لك ذات يوم، ولكن هكذا يدورُ الدهرُ ويلعب لعبتَهُ، فقد آن لرمحكَ المكسورِ أن يهتزَّ
متلاطماً كغضب مردوخ
نازلاً على أقفية المحتلين والإرهابيين والعملاء
صاعداً نازلاً على رؤوسهم وأيديهم، بينما نصخبُ نحنُ بالضحكِ والتصفيق، وهم يتلاطمونَ لا يلوون على شيء، ونحن نلاحقهم بشقور البطيخ
والبيض الفاسد المستورد من إيران
حتى يبدون على حقيقتهم
كمهرجين رقعاء
لوثوا أرض العراق وتاريخ البشرية..
هكذا وسط هذه الحفلة الصاخبة
يصولُ رمحُكَ المكسورُ ويجول
مهتزّاً منتصراً وعنيداً
راياتـُك تخفق في الريح
تتهادى مع الشمس والطيور والأقمار والنجوم
على بيوت العراق وليل العراق
على مدن العالم
وليل العالم الطويل..

لندن