أن أستيقظ الساعة الثانية وعشر دقائق بعد منتصف الليل، ولم أكن قد توجهت الى سرير النوم إلاّ الساعة الحادية عشرة مساءاً، لهو أمر في غاية الإستغراب. إذ كيف أصدق نفسي أنني أكون قد شبعت نوماً، أنا الذي لم أنم غير ثلاث ساعات فقط؟ وهل يعقل أن تكون هذه الساعات اليتيمة قد نشرت الراحة والإسترخاء في جميع مسامات جسدي المتعب من العمل والتفكير طوال نهار كامل؟ وهل يدخل دماغي القول أن هذا الجسد الذي أنهكته متاعب الحياة اليومية قد أخذ كامل راحته خلال هذه السويعات القليلة؟ قطعاً الجواب على ذلك سوف لن يكون غير كلمة كلا!
إستيقظت الساعة الثانية وعشر دقائق بعد منتصف الليل وأنا في أتم وعيي وتركيزي، كما لو كنت قد نمت عشر ساعات أو ربما أكثر. لم أشأ أن أنهض وأجول الغرفة ذهاباً وإيابأً لعل التعب يأخذني الى سرير النوم ثانية، لأنني أدرك جيداً أنني مرهق وجسدي لم يأخذ قسطه الكافي من الراحة خلال الثلاث ساعات التي أمضيتهاً نائماً، والتي لا أعتقد مطلقاً أنها إستُغلت لأشباع نهمي للنوم قبل أن أتوجه الى سرير النوم هذا، و الراكن في زاوية من الغرفة لا أرتاح إليها أبداً ، لكن ماذا بمقدوري أن أفعل إن لم تكن في اليد حيلة، وكما قيل ويقال، العين بصيرة واليد قصيرة. يا إلهي، ما الذي أصابني من دون غيري من الناس؟ هل إقترفت ذنباً لتعاقبني بهكذا عقاب؟! هذا السؤال خطرببالي وجاءني من دون سابق إنذار. جاءني وأنا غارق في تفكيري اللامتناهي. بذلت جهوداً جمة كي أصل الى السبب الذي دعاني للإستيقاظ في هذا الوقت المبكر جداً وغير المناسب بتاتاً، في هذه الساعة الحقيرة من الصباح. فقد بدأت نفسي تشمئز من ذلك حقاً. كيف لا؟ فقد كنت، قبل سنوات قليلة مضت، عندما أضع جسدي في فراشي، لم أكن أستيقظ إلاّ بعد أن أكون قد شبعت نوما، وكان يتطلب ذلك مني ثمان ساعات بالتمام والكمال. ما الذي جرى لي مؤخراً؟ ففي كل مرة أنام، تراني أستيقظ بعد أقل من ثلاث ساعات أحياناً، وقد شبعت نوماً، كما لو نمت عشر ساعات. الأمر مريب وعليّ أن أراجع الطبيب، لكن أيهما طبيب نفساني أم طبيب عام؟ سؤال محيٍر و الجواب عليه قد يبدو أكثر حيرة. فأنا لست مجنوما، كي أتوجه الى طبيب نفساني، ولست أعاني من مرض، كما يبدو لي، كي يعيقني من النوم، ويدعوني للإستيقاظ في مثل هذه الساعة المبكرة من الصباح.
حاولت كتمان قلقي دون جدوى، إذ أن الأفكار السوداء، في الحقيقة والواقع، قد بدأت تنهال على دماغي الذي لم يعد قادراً على إستيعاب ما يدور حوالي، في خضم هذا الليل الأسود، والمتسربة منه كل ما يشيح أفكاري بالسواد، و المتلاطمة كأمواج بحر هائج. قلت لربما إذا حصرت تفكيري في أمر ما، قد يصيبني الإرهاق وأُسلم جسدي من جديد لسلطان النوم. لكن كيف أستطيع التركيز في موضوع أو قضية ما ورأسي مملوء بمجموعة كبيرة من الأشرطة السينمائية والجاهزة للعرض في آنٍ واحد، كما في صالات العرض الحديثة، والتي تعرض أكثر من فيلم في أكثر من صالة، و في مبنى واحد. لربما الحاسوب فقط له القدرة على إعادة ترتيب الملفات، ولا أصدق نفسي أن يكون لرأسي المثقل، تلك القدرة أو الميزة التي يمتلكها الكمبيوتر. ما العمل إذن؟ ماذا عليّ أن أفعل كي أزيل هذا الكم الهائل من الأفكار من هذا الرأس المسكين، والقابع في أعلى موقع من جسدي؟!
عقارب الساعة تقترب من الرابعة صباحاً وأنا ما أزال أراوح في مكاني بحثاً عن مخرج يقودني الى ذلك النوم الهنيء، والذي طالما أحن إليه في الفترة الأخيرة. النوم الذي يقودني الى أجمل الأحلام الوردية، إلى حيث الفتيات الجميلات وهن يرتدين آخر صرعات الموضة من المايوهات والبكيني وقد تمددن على شاطيء بحر أكون أنا من ضمن زواره وزبائنه الدائمين. هل سيأتي هذا اليوم الذي سأحلم في بأجمل وأفخم قصر أمتلكه، وتحت أمرتي مجموعة كبيرة من الخادمات، واحدة أجمل من أخرى، وجميعهن ينافسن من أجل إشباع رغباتي وغرائزي الحيوانية. أو أحلم بأيامٍ أجول فيها العالم، وأسافر بعيداً، الى بلدان لم أرها طوال سني حياتي الفائتة، هونولولو مثلاً، أو جزيرة هاواي، أو ولتكن جزيرة الواق واق، التي قرأت عنها ولم أعد أتذكر منها شيئاً، لا أعرف من هذه الأماكن غير أسمائها فقط. أسمع صفير سيارات الإسعاف من بعيد، أو لربما يكون صوت صفير سياراة الشرطة، لم يعد بمقدوري، صراحة، تمييز الصفيرهذا، إن كان يعود لسيارة إسعاف أم لسيارة شرطة. الآمر بالنسبة لي سيان، طالما لم أنم ولا أستطيع أن أنام. لا يهمني ذلك في شئ ما دام لا يدفعني ذلك للنوم. ليكن ما يكن... لربما يكون صفير الريح. كلا، فذلك ليس صفير الريح، إذ أن بمقدوري أن أرى من خلال نافذة غرفتي المطلة على الشارع كل شئ، ولا يبدو على أغصان الأشجار، في الخارج، أنها تتحرك، فكل شئ هادئ وساكن، كل شئ نائم إلاّ أنا، فأنا يقظ كما الجندي الصاحي في جبهة القتال وهو يمسك ببندقيته بشدة لئلا يفاجأه العدو في الظلام الدامس.غداً، أنا آسف جداً، أقصد اليوم عندما ينبلج الفجر سوف أحاول البحث عن مخرج لهذا المأزق اليومي الذي أضع نفسي فيه كلما قدم الليل وتأخر الصباح عليّ. إذ لا بد لي أن أجد وسيلة تقودني الى بر الأمان، أعود من جديد الى تلك الأحلام الوردية التي كنت أعيشها قبل أن يصيبني هذا المرض اللعين، الأرق، لكن هل هذا هو ما يدعونه بالأرق؟ لا أعتقد ذلك. أن الذي ينتابني في الفترة الأخيرة ما هو إلاّ الغضب بعينه، غضب الأشياء التي من حواليّ، فهي التي تغضب وترمي بغضبها الثقيل و الممل عليّ، الأمر الذي يدعوني الى الإستيقاظ مبكراّ والتفرج على الأشياء المحيطة بي في هذه الغرفة المنزوية في أقصى مكانٍ من العالم. كنت أحب هذه الغرفة قبل نيف من السنين، حيث لا غبار على محتوياتها ولا آثار للزمن عليها، غير أن الأمر قد إختلف الآن عن تلك الأيام فكل شئ بالغ في القدم، وقد وشحتها السنوات بآثار الكبر و الشيخوخة. كل شئ أصبح عتيقاً، لا فائدة ترجى منه، ومصيره هو برميل القمامة. هل هذا يعني أن الشيخوخة قد أخذت مني قواي أيضاً؟ كلا، لا أتصور أن الأمور وصلت الى هذا الحد من السوء. فقبل عدة أيام كنت قد راجعت الطبيب للفحص الشامل لصحتي وأخبرني حينها بأنني في كامل صحتي ولياقتي، وليس هناك ما يدعو للقلق فيما يتعلق بسلامة صحتي، مما أدخل الفرحة الى قلبي. إذن... لو كان الأمر كذلك فما الذي يدعوني الى الأستيقاظ في مثل هذه الساعة المبكرة من الصباح. أعود الى عقارب الساعة لأراها قد أشارت الى الرابعة والنصف صباحا. من الأفضل أن أعود الى فراشي الدافئ لعلي أهنأ بنوم عميق حتى منتصف النهار، وقد أعود لأعيش تلك الأحلام الوردية من جديد، وأستعيد حيويتي المعتادة، التي طالما إشتقت إليها في الآونة الأخيرة.

سيدني- استراليا
[email protected]