تأليف: روجر جونز
ترجمة: خضير اللامي
في منتصف القرن العشرين، كان ثمة نظريات بنيوية عن الوجود الإنساني، في دراسات اللغة وعلم اللغة، لفرديناند دي سوسير ( 1857-1913)، تقول إن المعنى يجب أن يكون بنية كل اللغة من تحليل الكلمات ذاتها، إما الماركسية فتؤكد على ان حقيقة وجود الإنسان يجب ان ندركه من خلال تحليل البني الاقتصادية، ويحاول علماء النفس ان يصفوا بنية النفس من خلال مفهومات العقل الباطني. وفي ستينيات القرن الماضي فان الحركة البنيوية في فرنسا، حاولت أن تركب الفرضية الديالكتيكية لتناول الحقيقة من خلال أفكار ماركس وفرويد وسوسير، بيد انها لم تتفق مع ادعاءات الوجوديين التي تؤكد أن الإنسان هو الذي يحقق ذاته ان يصنع نفسه.
بينما تقول البنيوية أن الإنسان quot; الفرد quot; شكلته البني السوسيولوجية والسايكولوجية وبنى علم اللغة ؛ لأنه أي الإنسان لا سيطرة له عليها، ولكنه يستطيع ان يكشفها عن طريق استخدام مناهجها من خلال الاستقصاء.
إن الأصالة من سمات البنيوية، ويعد المؤرخ ميشيل فوكو ابرز ممثلي حركة ما بعد البنيوية. فهو يعتقد آن اللغة والمجتمع تشكلهما أسس الأنظمة الحاكمة، ولكنه لا يتفق مع البنيويين في اعتبارين، فهو لا يعتقد في المقام الأول، انه كان ثمة بنى تحتية يمكن أن توضح الشرط الإنساني وثانيا، انه يعتقد انه من المستحيل أن يخطو خارج الخطاب ومسح الوضع موضوعيا.
وطور جاك ديريدا ( 1930-2005 ) التفكيكية بوصفها تكنيكا لكشف تعددية تأويل النصوص
وهو بهذا قد تاثر بهيدغر ونيتشة إذ يقول: إن النص كله يكتنفه الغموض، وهذه الاحتمالية للتأويل النهائي والكامل هي من المستحيلات.
ما بعد الحداثة
يمكن أن نصف إن ما بعد البنيوية والتفكيكية هما صياغات نظرية لظروف ما بعد الحداثة، والحداثة التي بدات فكريا مع عصر التنوير ( Enlightenment) حاولت أن تصف العالم في مصطلحات الموضوعية، والعقلانية، والتجريبية. وافترضت إن ثمة حقيقة يجب إن يزاح عنها الغطاء كطريقة للحصول على إجابات عن أسئلة مموضوعة نتيجة ظرف إنساني، وما بعد الحداثة لا تعرض مثل هذه الثقة والذهاب إلى تأكيدات ضمنية عن العقل، لان العقل ذاته هو صيغة quot; تراتبية quot; هيراركية، خاصة، كما الأبرشية في طريقتها لتوضيحاتها القديمة للعالم في مفهومات الالهة.
وموضوع ما بعد الحداثة لا يمتلك طريقة عقلانية لتخمين أفضلية في علاقة أحكام الحقيقة والفضيلة والتجربة الجمالية أو الموضوعية ؛ وبما أن الهيراركيات القديمة قد تفككت فان ثمة غابة جديدة بلا أشجار تشكلت في تخوم الوعي، تماما كما ينمسخ الفكر ويتناسل وينمو في هذه الغابة من اجل مستقبل يتقرر.
ميشيل فوكو: انساب المعرفة
حاول فوكو أن يحلل الممارسات الاستطرادية في مفهومات حقائقها: فهي تحللها في مفهوماتها التاريخية أو جنسيانيتها quot;genesis quot; وقد ادعى انه كان يحاول إن يقوم بحفريات المعرفة ليظهر تاريخ متطلبات الحقيقة.
وفي اخرعمل له، استعار فوكو من نيتشة مقارب الأنساب، ومن ماركس استعار التحليلات الايديولوجية، وبحث في تطور المعرفة التي كانت مجدولة مع ميكانيزميات القوة quot; السياسة quot; وبعكس ماركس، فان فوكو لا يمتلك قناعات quot; ايديولوجيات quot; أساسية في حقيقة أساسية عميقة او بنية: اذ ليس ثمة وجهة نظر موضوعية يستطيع المرء من خلالها تحليل الخطاب او تحليل المجتمع.
وركز فوكو على طريقة المعرفة وزيادة ضغط الدولة على الفرد، وتطورهما في عهد الحداثة، وفي كتابه quot; تاريخ الجنس quot; ناقش ان بروز العلوم الطبية والسيكولوجية قد خلقت خطابا جنسيانيا عميقا، وغرائزيا، ولا باطنيا، وهذا الخطاب مقبول كتوضيح سائد، وبدت افتراضاته تنز إلى داخل الخطاب اليومي، وفي هذه الطريقة فان أجوبة الذات الإنسانية لجنسيانيتها sexuality، قد شكلته وسيطرت عليه الخطابات التي تزعم شرحها. والبحث عن المعرفة ليس ببساطة كشف للمادة ما قبل الوجود، انها شكلتها وخلقتها بفاعلية.
ولم يعرض فوكو أية نظرية شاملة عن الطبيعة البشرية، انه ناقد ما بعد النظرية والقناعات التي تتطلب توضيحات موضوعية هي حصريا عن الواقعية، ولا ينتظر فوكو الجواب النهائي. والممارسات الاستطرادية للمعرفة ليست مستقلة عن تلك التي يجب ان تدرس وتلك التي يجب ان تكون مفهومة في سياقاتها السياسية والاجتماعية.
جاك ديريدا: التفكيكية
يرى ديريدا إن اللغة أو quot; النص quot; هي ليست انعكاسا طبيعيا للعالم، فبنيات النص هي تأويلنا للعالم، وقد اتبع ديريدا مسار هيدغر، إذ يعتقد إن اللغة هي التي تشكلنا: والنصوص تخلق غابة لا شجر نفهمها كواقعية، ويرى أيضا أن تاريخ فكر الغرب قاعدة للمتضادات أو الثنائيات: الخير عكس الشر، والعقل عكس المادة، والرجل عكس المرأة، والكلام عكس الكتابة. وهذه المتضادات محددة تراتيبيا quot; هيراركيا quot; والمفهوم الثاني، يعد إفسادا للاول، والمفهومات بالتالي، ليست متساوية.
ويعتقد ديريدا إن كل النص يحتوي شرعية هذه الافتراضات، ونتيجة لذلك فان هذه النصوص يمكن أن تكون إعادة تأويل مع إدراك للتضمينات التراتبية في اللغة، ولا يعتقد ديريدا أننا يمكن آن نصل نقطة نهاية التأويل والحقيقة. ويعتقد أيضا إن النصوص كلها تعرض quot; الاختلافات quot; التي تسمح بتعدد التأويلات، والمعنى مهمتها نشر المعرفة ولا تعرف الاستقرار.
والنصية تعطينا دائما فائض الاحتمالات ولا نستطيع ان نقف خارج النصية في محاولة لإيجاد الموضوعية.
وإحدى النتائج التفكيكية انها حقيقة في التحليل النصي وتتحول إلى استحالة. وربما هناك تأويلات متنافسة، ولكن ليس هناك طرق لا تأويلية يستطيع المرء أن يقدر صلاحية هذه التأويلات التنافسية، اكثر من الاعتماد على فهم فلسفتنا للحقائق التي لا يمكن نكرانها، وتحول التفكيكية أعماق الحقيقة المستقرة إلى العقلنة في داخل رمال متحركة لتعددية التأويلات..