سأمضي وكان لي حبّ
وأمضي إلى الحبّ
إلى الجسد الذي وراء الوحل
والمساجد الفصحى
واللّهجات الملتهية بألوانها
غيمة مرّت في السّوق
ورأت غبار قميصي
وأنّني في الصّيف
وأنّني في مدينة صموتة
صح يا جسدي في الرّبيع بالسنابل
صح يا حدّ حدّي.
قد أمشي مثل ولد
ضاع قلبه في قلبه
والشّجرة في جيبي
مثل عنزة عجوز
قد أمشي
ولا أنام كحارس أرجواني
في برارٍ ليست هناك
وبرارٍ أرجوانيّة
لجسدي المرهق.
وإن رأيت أمينة في الطّاقة التّرابية
سأسلّم على النّرجسة في عيني الشّعر
قالت الطّفلة على الشّارع الغباري
طفلة بشعر حنّاء
من فم الظّهيرة.
ماذا يفكّر التّراب بتلّ
وتلّ بغبار مدينة
خلف
خلف التلّ الأخضر.
وأمينة صفراء على التّلال الطّفلة
برق الرّعد العجوز بالعنزة
على منكبي أنا الصّافي
الصّافي المتموّج
مثل الشّمس
أمينة فضّيّة صفراء
القطار المار في معصم
اللّيل كحبّة عنب.
أمينة ليست أمينة
لتكون لي
ولنفسها العاشقة والنّائمة على سطح
البارحة مثل عاشقة في بيت
بشجر السّرو
وشبّاك غامق في سيّارة صفراء
من المرسيدس الدموي
وزغاريد أفضل
على الغطاء.
لو أعطتني حجلة الجيران الحبر
والجناح والسّتارة
لغامرت بقلبي ومفتاح بيتي
ودرّاجتي المتحطّمة
واقتحمت النّاس كأنّني
على حبّ مغامر بالجيران
والمفاتيح والسّكاكين
والماضي الدافىء.
قلبي كان مثل نفسه
يحملق في المقابر على التلّ المختفي
وجاءت شجرة لوز
وجاءت قرية ببئر عميقة
وتأرجح قلبي بينهما
وبين أمينة.
ماذا أفعل بدرج أصبح ثرثارا
وقلبي عليه حجر ودرج
غمرنا المسجد بالصّلوات
والمساكين وبالمنارة
كنعش الحبّ والأقرباء
ماذا أفعل بالصّباح والفجر
والذكرى الخائفة
جناح اللّيل.
سأمضي
وكان لي حبّ
وأمضي إلى الحبّ
إلى الجسد وراء الوحل
والمساجد الفصحى
واللّهجات بألوانها
غيمة مرّت في السّوق
رأت غبار قميصي
وأنّني في الصّيف
في مدينة صموتة
صح يا جسدي
في السنابل.
نسينا
نسينا قال السبانخ
نسينا
قالت المزهريّة
والطّنجرة
وقالت أمّي
تذكّرنا
وقال البرميل
نسينا
وصابونة البرميل
نسينا
والشّارع الضيّق
قبل الفرن الآلي
وعصفوريّة الأزهار المتوحّشة
في كوى وأباريق
البريّة
وقلت
نسينا
نسينا
أيّها المتوحّش.
أنا عاشق مدمّر على
الفضّة في مساء القامشلي
أنا عاشق مكسّر على صنوبر
الطّريق وأنا طنجرة من عظام
القلوب والباصات
والتنك المستهلك على سطوح
الدكاكين
أنا صبغ وقشرته على
آخر تذكّر ونسيان
ومدرسة واستراحة
أتعرف بيتي
بين الزقاق والممرّ وقصائد
الأصدقاء.
دعنا نذهب إلى اللّيل
الأبيض في مزارع البطيخ
نقطف الليل من البطيخ الأحمر
دعنا نذهب إلى العنب التموزي
نقطف البطيخ من إبط الحقل
وإن تكلّمت معك الوردة
وجارٌ ميّت تحت الجدار
فقل الجدار والجار الميّت
وكن نفسك
ولو لمرّة كلّ ثلاث عشرة
سنة.
مرّة إن زرت الآلهة المرّة
لنفس الأرض
ولنفس الحقل الأخضر
بالماء المنعش.
قل:
هذه كنيستي
وهي أمينة أصبحت أمينة
في الشّعر الذي تكسّر وتحطّم
في النفس الذي تبدّد.
هذه أمينتي التي تكلّم عنها
المشعوذون والبطّالون ولم تكن.
ناسٌ أخذوا على مناكبهم الدمغة
للتعب والحبّ والسيّارات
والمتعبين والمهاجرين
وسكران آخر الليل
ونملة آخر النّهار.
وأنا كعنكبوت اختفيت في بطانات
الأعراس
كلّ عرس فقير هو عرسي
وكلّ فقير هو سكني
وكلّ فقير هو حبّي الذي
لم يعد فقيرا بعد
حبّي غنيّ بفقرائه.
خذوني من القميص الأبيض
الذي كان لحبيبتي الميتة
إلى شوارع الغجر في حيّ الغجر
وإلى طنبورة معلّقة ذات يوم
دون أن أدري
ذهبت إلى حلب والحسكة والدرباسيّة
ورأيت في الدرباسيّة
شعاع الصّباح المنقذ
وفي تل تمر يد المسيح
وفي عامودا
الكون الذي عليه رمز.
خذوني لكي لا أحبّ أمينة
وأحبّ أمينة قبل المدرسة الإعداديّة
والثّانوية وبعد العامية والفصحى
والأغنياء والفقراء والنّاس والبرّادات
والبوابير وقبل الجامعات
وقولوا لي هذه ليست أمينة
وهي واحدة أخرى
تسمّى عامودا أو مدرسة أوطريقا
ريفيا فيه يلعب الغبار بالكرات الغباريّة
خذوني إلى أمينة البارقة أكثر
كلّما أحببتها أكثر أو أحببت غيرها
لكي أراها.
وقولوا لي:
هذا هو العيد الأضحى
والأعراس على السجاجيد.
لأنّ الشّعر أيضا جدار
وصمتنا الذي فيه أصبح صمتنا الحقيقي
وإن تكلّمنا لناسنا فيه
فهم راغبون في صمتنا الذي هو كلامهم
لأنّ الشّعر رافقنا في جيبنا مثل مصباح
أفقي وتعثّرنا في الحبّ
فوجدناه يضحك ويزعم ويشتري
ووجدنا أمينة الفضّية التي طلعت
كزهرة على إبريق الصّلاة
وطلعت منارة قويّة وطلع مسجد
وكنيسة ويهود العالم أحبّونا
لأنّنا أحببنا أمينة ذات يوم
واشترينا لها ولأنفسنا اللّغات العالميّة.
لي غجر ووتد في السقف
أزور الكهول ليشيروا لي إلى نحاس
يومض على البرق الذي خلّفته
خلفي كعشيرتي
الصّباحات التي على المقاعد
التفّاحة والتوتة الحمراء من عشيرة الجيران
النيون المشعّ في حوش الجيران
العرس بحوشه الطّويل
صديقي الفارس على سلك الكهرباء.
كهرباء تكلّمت
ووتد هو محور العالم
معلّق بالتلّ البرق والرّعد
أختي أمينة صامتة
في صباح العيد
ماذا لو ذبحنا
خيط معرفتنا
ورمينا برسائلنا إلى الوحل
اصفرّ وجه أمينة
واصفرّ تلّ موزا
اصفرّت الرّيح
وظهرت بريفا
خلال نوافذ الباص
فركضت ركضت ولهثت
لأجل يد أمينة
لأجل ذلك الدلو
والبيت والنّاس وأوراق اللّعب
حبّنا
حبّنا العسلي
في جرن العسل
اطبخ لنا شوربة العدس
والبصل لا تنسه أيّها الحبّ.
عامودا ببلدية
ومستوصف وسياج متهدّم لآشي علاّوي
بإبرة ملوّثة وشجرة لا أعرف اسمها
صعدت على تلّ شرمولا
وأخرجت التنك والذّهب والعظام
يحمل الهواء صباحا قلبي
على حارة الراشنيين تحت شرمولا
ومساء أحمل أغطية رؤوس الراشنيّات
في قلبي.
وساقية المرحاض والماء الأخضر
وتركتورات علي بك بدواليبها الألمانيّة
وهذه ابنة عمّ لي
وقعت في حبّي
تنظر إليّ قادمة من آخر الشّارع
الطّويل إلى الدرباسيّة.
سأذهب إلى ألمانيا
لأجمع أزهار الحبّ وأصنع الشّاي
وأجلس في الكافيتريا وبيتك
أيّها الصّديق في ركن الدّين
تحت حدائق دمشق
مختف.
مختف الوقت وساعتي بصلة نرجس
صفير الهواء الأزرق الذي زار مواضعي
وركن بيتي.
شمسي في كهف شتاء الوادي
رداء الشتاء ارتداه المطر
والعصفور السجين لقلبي
أعطيته لوالد أمينة
وأعطيت أمينة مثل عصفوري للنّاس
وتبرّعت بحبّي لأمينة
في تبرّع الدّم للتدريس بالوكالة
في قرى الشّوايا.
أيّها العصفور الأسود
هل أنت من غنّى طوال الحبّ.
سأمضي وكان لي حبّ
وأمضي إلى الحبّ
إلى الجسد الذي وراء الوحل
والمساجد الفصحى.
بلى
بلى
صاح العصفور
أنا والد أمينة وأمّ أمينة
وأنا عامودا الضيّقة
عامودا الترابيّة من عصر الفرنسيّين
وأعواد السواد في المرتفع
أنا الذي تزحلق
على أسفل حوض الشّيخ
وجلب لك هذه اللّوزة الخضراء
بلى
بلى.
أنا أمينة ومصباح يذهب
إلى سوق القامشلي
أنا خسّة خضراء في أيّام النّوروز
وقبل عيد الفطر
والمدفع الرمضانيّ
وفيضان الخنزير
وشماتة الراشنيّين والمردنليّين
أنا صباح قاسم واسماعيل كوسا
وحسين حبش
أنا الديك العادي
والدّيك الرّومي والزبيب
وتركيا وقبرص والقرباط.