عبد الجبار العتابي من بغداد:حين شاهدت الاطفال يدخلون بناية اتحاد الادباء والكتاب في بغداد، توقفت قليلا وانا ارسم حدسي على واجهة افكاري، لكنني فشلت في ان اخمن اسباب دخولهم، ولكن حين دخلت الاتحاد وقرأت مناجه ليوم السبت، ذهبت من بالي غمامة الاستفهام، فقد كان هؤلاء الاطفال ضيوف محبة لاصبوحة (نادي الشعر) التابع للاتحاد، حيث كانت تستضيف شاعرين من شعراء الاطفال لقراءة عدد من قصائدهما.
كان الحضور اكثر من جيد لا سيما منه الاعلامي الذي كان يقاطع اصبوحات ادب الاطفال لا لموقف معين بقدر ما يعتقد انه غير مهم، لذلك كثيرا ما يأتي مراسلو الفضائيات الى الاتحاد وحين يقرؤون المنهاج يعودون ادراجهم، وهو ما كان يستغربه الادباء، لكن هذا اليوم كانت الاصبوحة عامرة بالادباء والاعلاميين بمختلف اشكالهم.
بدأت الاصبوحة بمقدمة ترحيبية قدمها الشاعر مروان عادل قبل ان يقول: (ستضاء زوايا هذه المدينة، مدينة نادي الشعر، بعد قليل، ستدور دواليب احلامنا بعد قليل وسندخل اقبية العابنا القديمة لنعود الى زمان بعيد، زمان الطفولة والبراءة، حيث في كل واحد منا هناك طفل يلعب، بعد قليل سنركض الى البعيد لنتأرجح بأشيائنا الجميلة، بعد قليل سنستمع الى انغام شعر الطفولة وهي تمنحنا لهفتها) وتواصل مروان الى ان قال: (لنعلن ان الاطفال ليسوا سياسيين، لنقول للسياسيين اتركوا الاطفال لطفولتهم، دعوهم بعيدا عنكم، طفولتنا هي الخيار الوحيد وشعر طفولتنا هو العلاج الناجع، وهو الهم الذي نحمله على عاتقنا ممثلين بشعراء وهبوا مواهبهم للطفولة، شعراء مازالوا يربطون السنتهم بشواهد بريئة على الطريق الاخضر).
وقبل ان يقدم الشاعرين، قام بتقديم مدير نادي شعر الشاعر جاسم بديوي ليتحدث عن موضوع الاصبوحة، فبدأ حديثه مترنما بالانشودة الشهيرة (انا جندي عربي / بندقيتي بيدي)، ثم قال: هل هذه كلمات تصلح للطفل؟، هل ننسى حقبة وجيلا وعمرا اسست فيه السياسة روحا لاطفالاستخدموا العنف وسيلة للهو وتجييش اجيال كاملة من الاطفال عن طريق تجنيد التغني لآلة الحرب المدمرة، نتذكر الكلمات ونتساءل: هل الطفولة ميدان يصلح للحرب والقتل والسياسة، واضاف جاسم: اعان الله شعراء الطفل فالمهمة صعبة هي مهمة خلق جيل وروح جديد، لنبدأ مع الطفل ولكن كيف نبدأ، فالدكتاتوريون والقادة والجنرالات استغلوا الطفولو لخدمة اهدافهم السياسية وتطلعاتهم للتحشيد نحو الحرب، نتذكر هتلر وستالين وقد استغلا الطفولة اسوأ استغلال، واستطرد جاسم: اذا اردت ان تتعرفوا على امة من الامم انظروا الى اغاني اطفالهم لانك من خلالها تجد جوهر القضية وجوهر البلد، واشار جاسم في نهاية حديثه الى ان الكتابة للطفل ليست سهلة ابدا، فهي بحاجة الى روح نقية وتكثيف، وهذه الصفة قد لايمتلكها كل الشعراء.
عاد مروان عادل ليزرع كلمات ترحيب جديدة بالشاعرين الضيفين مشيرا الى انهما (طفلان كبيران وشاعران كبيران) ومن ثم فسح المجال للشاعر جليل خزعل ليقرأ بعض قصائده، لكن جليل قبل ان يفعل ذلك اقترح ان يسمح لبعض الاطفال بقراءة قصائدهم، وبالفعل قرأ بعض الاطفال قصائد مما يحفظون، نالوا عليها قدرا كبيرا من التصفيق، وحين انتهوا انبرى الشاعر مروان عادل ليقول: (هل رأيتم ايها الاخوان، ان الطفل يحفظ ما نكتبه اليه، دعوا ايها الطفل يكبر مع الوطن، اتركوا الطفل للطفولة) ثم عاد ليقدم جليل خزعل الذي قال: بعد ان الاستماع الى الاطفال اجد من الصعوبة ان اقرأ، انها حيرة والله، واضاف جليل: طالما يسئل شاعر الاطفال من هو جمهوره؟ هل هم الادباء الجالسون امامه هؤلاء النخبة ام الاطفال وكيف يمكن ان اقرأ للاطفال في مكان للكبار، صعبة هي القراءة، ويجب ان أوفق بين رضا الاطفال ورضا النخبة الرائعة، وسعادتي لاتوصف ان اقف هاهنا لاقرأ للنخبة من هذا الحضور الرائع، ثم بدأ جليل خزعل بقراءة بعض من قصائده:
* عصافير:
الماء في انهارنا وفير
والخير في حقولنا كثير
ونحن في بلادنا عصافير
اسرابنا من نخلة لنخلة تطير
نهواك ياعراقنا
يا عشنا الكبير
*مالك الحزين
تمضي كما تشاء في البساتين
ترى القرى والناس والرياحين
تشم عطرنرجس ونسرين
تقضي نهارا رائعا
ثم تعود نحو عشك الحصين
محملا بالشوق والحنين
انت سعيد سيدي
من الذي اسماك مالك الحزين
ثم جاء دور الشاعر محمد جبار حسن الذي قدمه مروان عادل وهنأه على صدور مجموعته للاطفال التي تحمل عنوان (العصافير لاتدفع الايجار)، فشكر الشاعر الاطفال لانهم ابقوا له طفولته وبراءته، وابقوا له روحه المرحة وهذا الشعر الذي يكتبه، وقال ايضا (الف الف شكر للطفل وسأظل مدينا له كثيرا، وعسى ان افي له حقه الذي سرقته السنون)، ثم راح محمد يقرأ قصائده التي كانت منها:
* اشجار
ما اجمل الاشجار
ما اروع الاشجار
مشدودة لسحرها الانظار
تحتضن الاعشاش والاطيار
في الليل والنهار
ما اكرم الاشجار
تمنحنا الاخشاب
تجود بالظلال والثمار
لكنما اروع ما في هذه الاشجار
ما ناشدت حمامة
او طالبت عصفورة
ان تدفع الايجار
* درس حساب
مذ ندخل للصف الاول
نتعلم في الصف الاول
الزائد زاد الانتاج
فالكل بلا كلل يعمل
والناقص قل التبذير
من اجل غد جر افضل
والقسمة تقسيم الخير
بين الناس بشكل امثل
اما الضرب فضرب الشر
نحو امانينا ان اقبل
فأمانينا حب الخير
هل من هذا درس اجمل
هل من هذا اجمل
ولم تنته الاصبوحة، بل ان الحماس والتفاعل جعل بعضا من الشعراء الحضور يطلبون قراءة ما يتذكرون من كتاباتهم للاطفال حتى وان كانت قصيدة واحدة فقرأ مروان عادل وقرأ جبار سهم وعبد الحميد الجباري وان تباينت مستويات القصائد، ثم جرت مداخلات بدأها الشاعر عمر السراي الذي تساءل: بما ان الشعر صار يميل الى الحداثة، لماذا لا يكتب شعر الاطفال على قصيدة النثر، هل ان العقدة في منظومة الايصال ام في الشعراء؟، وفي ختام حديثه قال: (ليس الوطن علبة دواء تحفظ بعيدا عن متناول الاطفال، الوطن اشيعوه لهم).ثم ادلى اخرون لضرورة ان يكون هناك اهتمام اكبر بأدب الطفل، مع امنيات ان يتكاثر عدد شعراء الطفل لا ان يقتصر على هذه القلة منهم وان كان في داخل كل شاعر طفل لابد وان كتب له قصيدة، وهنا اشار الشاعر جليل خزعل الى وجود اكثر من مئة شاعر عراقي للطفل على مدى السنوات الطويلة، وقبل الختام كان الشكر موصولا الى دار ثقافة الطفل التي كان لها حضورها وتعاونها وهداياها للاطفال التي كانت عبارة عن قسم من مطبوعاتها التي وزعها على الاطفال مديرها الدكتور جمال العتابي، الذي كانت له مداخلة قال فيها: (اريد ان اغتنم الفرصة للحديث امام الشعراء والمثقفين عن ملامح ادب الاطفال الان؟، كبف نكتب قصيدة لطفل شاهد اباه او اخاه يذبح امامه؟، هذا السؤال بالنسبة لي كبير، كيف تتشكل الثقافة الان امام تحدي كبير وخطير)، ثم سرد حكاية حفيده الطفل الذي قتل ابوه امام عينه: انه يتخيل مشهد الجندي الامريكي الذي اقتحم داره ومزق احشاء والده، كيف يمكن له ان ينسى، هذا الطفل بدأ يتمثل الجندي الامريكي، انا افسر ذلك ان الطفل يمنح نفسه القوة والقدرة بمواجهة حالة الخوف والرعب التي يعيشها في داخله، وصار يعبر عنها بهذه الطريقة، في حالة تمثله بالجندي المدجج بالسلاح الذي اقتحم الدار واطلق النار على ابيه، اذن.. كيف لنا ان نصوغ مفردات ثقافة لطفل عراقي هكذا؟
في الختام.. قرأ الشاعران بعضا من قصائدهما التي نالت الاستحسان من قبل جمهور الحاضرين.