مع غياب الكهرباء وتصبب العرق
الشتاء العراقي فصل القراءة الافضل
عبد الجبار العتابي من بغداد:كنت عابرا من شارع السعدون وسط بغداد، ولفتت انتباهي مجموعة المكتبات التي فتحت ابوابها جميعا، على عكس ما كنت اشاهده في السابق حيث نصف العدد مغلق، كما لفت انتباهي حين اقتربت منها لأعاين الاصدرات الحديثة عدد المتواجدين داخل هذه المكتبات، وفي لحظات (دردشة) مع بعض اصحاب المكتبات، وقفت على معلومة ظريفة وهي: ان بيع الكتب يزدهر في الشتاء اكثر من الصيف!!.
في البدء اعتبرتها مزحة ليس الا، لان القراءة، كما اعتقد، ليس لها فصل معين او حتى وقت معين، ولانها متعة ومعرفة فلا يمكن الاستغناء عنها لاسيما عند الذين تمثل لهم هاجسا ورغبة دائمة، وحاولت ان استوضح من اصحاب المكتبات عن هذه (النظرية) قالوا لان مبيعاتهم في الشتاء اكثر منها في الشتاء، واذا كانت مبيعاتهم في الصيف في اغلبها تهتم بالمناهج الدراسية الجامعية وسواها، فالشتاء يحفل ببيع كتب الروايات والشعر والقصص والتاريخ وغيرها، وضعت الفكرة في بالي وذهبت خلال الشهرين الماضيين كلما اجد نفسي امام باب مكتبة ان اسأل صاحبي السؤال ذاته، فيأتيني الجواب: الشتاء هو فصل القراءة، والمبيعات فيه اكثر من الصيف، وحينما التقيت صديقي بائع الكتب في شارع المتنبي قال: نوعا ما، وربما لان نهار الشتاء واحد في طقسه، ولكن اعترف اني ابيع في الشتاء اكثر بكثير مما ابيعه في الصيف من الكتب المختلفة.
وحين قابلت الكاتب فاروق محمد رميت عليه السؤال، فقال: من المعلوم ان القراءة ليست لها وقت او موسم، ولكن بسبب ظروفنا وقسوة الصيف مع انعدام الكهرباء، تكون القراءة في الشتاء افضل، فمع جو الدفء يسترخي الانسان اكثر ويصفو ذهنه، واضاف: في الشتاء لا تحتاج الى مروحة او تبريد، ولا تضطر الى تمسك المروحة اليدوية (المهفة) وانت منفعل والعرق يتصبب منك، وتتشتت الافكار، اما في الشتاء.. على ضوء شمعة بسيطة او فانوس او (لالة) يصبح الجو اكثر رومانسية، الشتاء يخلق رغبة للقراءة اكثر.
فاروق.. مع ابتسامة ولحظة تأمل كأنه يستذكر اشياء غائبة قال: الصيف العراقي للقراءات السريعة التي لاتحتاج الى تأمل، والشتاء للقراءات المتمهلة التي تحتاج الى تركيز اكثر مثل الروايات الطويلة والدراسات، في الشتاء اقرأ اكثر من ضعف مما اقرأه في الصيف واشعر بمتعة اكبر ايضا.
بعد حديثي مع الكاتب فاروق محمد، قلت مع نفسي لاعمل استفتاء عفويا، اسأل فيه من اشاء عن هذه (الظاهرة) فكنت اسال مجرد سؤال كل من اقابله من الذين اعرفهم عن (فصل القراءة)، على اختلاف المشارب والمستويات، فكانت الاجابات التي حصلت عليها ما بين متساوية عند البعض في الفصلين اللذين لاثالث لهما ولا رابع في العراق، او يحتل الشتاء الكلمة الاكثر تكرارا في الاجابات وتأتي مشفوعة بتعليقات مختلفة، ولكن لماذا الشتاء؟، اقصد الشتاء العراقي تحديدا، اغمضت عيوني وحاولت ان اتخيل شكل الصيف العراقي، فأراه، لكنني سوف لن اصفه، مثلما لن اصف الشتاء، وسوف اترك لاجابة الشاعر ياس السعيدي ذلك، يقول ياس: قراءاتي في الشتاء اكثر.. هذا مؤكد، لان الشتاء جو شعري يساعد على القراءة، ومن الطبيعي ان استمتع بالقراءة اثناء المطر اكثر من متعتي فيها ايام الحر القائض؟، يضاف الى هذا ان الظروف العراقية الصيفية الصعبة التي لاتساعد على الحياة عموما وعلى القراءة خصوصا، فان الصيف العراقي اضافة الى درجات حرارته المرتفعة ترافقه نوبات خرافية من انقطاع التيار الكهربائي، واضاف ياس: بصراحة.. وبدون حياء انا في الصيف احتار بتوفير البرد، وهذا العمل الاساس، اما الامور الاخرى فتأتي ثانيا، اما الشتاء فليله جميل وطويل ويبعث على الحيوية، لهذا انا كثير القراءة والكتابة في هذا الفصل.
وبعد ان اكمل كلماته وظننت انه انتهى، سارع ياس للقول: مع كل ما تقدم.. تبقى لحظة القراءة والكتابة الحقيقية خارجة عن حدود الزمن، اذ انها في بعض الاحيان تفرض نفسها متى شاءت وفي اي زمن.
ومع الاراء التي حصلت عليها والتي كانت تؤثرعجائب الشتاء على غرائب الصيف، استوقفتني اجابة الناقد الادبي والصحفي ناظم السعود فسجلتها، يقول ناظم: اذا كنت لصيقا بالصواب، سأقول لك انني اقرأ حيثما هناك تيار حار في البيت (كهرباء)، ذلك انني التمس القراءة من خلال جهاز الكمبيوتر الان، وليس من خلال الصحف الورقية، لان الكمبيوتر يتيح لي انواع القراءة وحجوم الحروف اكبر بكثير مما يتاح في القراءة الورقية، فاذا انقطع التيار الكهربائي انقطع انا عن القراءة، لكنما الشتاء هو فصل الفقراء، لايحتاجون فيه الى مكيفات ولا موكهربائية، وبالممكن ان نفترش باحة ما، او نزج بأجسادنا تحت غطاء ونقرأ بحرية وبلا ضرائب مادية.
لكن ناظم سرعان ما استدرك متحدثا عن صورة استذكرها قائلا: في هذا المجال اذكر ان الاديب الراحل نجيب محفوظ كان يفضل القراءة والكتابة في الشتاء، ولا يمكن ان يكتب في الصيف على الرغم من ان لديه امكانات تقنية كاملة يستطيع فيها ان يحول الصيف الى شتاء.
ولانني ما زلت ابحث في الفكرة، ذهبت الى بائع الكتب (ابو سلوان) الذي يبيع كتبه على الرصيف فسألته عن مبيعاته فقال: من الطبيعي ان الشتاء يمثل لنا الشهر الاكثر بيعا للكتب، فالناس تجده في طقسا مساعدا للقراءة سواء في النهار او الليل، فالجو يساعد على القراءة حتى في حالة عدم وجود الكهرباء، ومن الممكن الاستعاضة (في الليل) بأي ضوء يمنح الفرصة للقراءة، انا اعتقد هذا، كما ان مبيعاتنا فيه متنوعة ومنها الروايات التي يبدو انها فاكهة القراءة في الشتاء.
هناك التقيت القاص ياسين ياس، وكان منشغلا في البحث عن كتاب، فقال بعد سألته: في الشتاء.. برودة الجو، لا تجعلنا نتحرك كثيرا، وهناك نغمر انفسنا داخل الفراش ونمارس القراءة، فأحس بالمتعة واشعر بالالهام الشديد، انا اكثر كتاباتي دائما اسردها في الشتاء، فان لم توجد كهرباء فـ (اللالة) موجودة، الشتاء يعطي افكارا جديدة وابداعا متجددا وخاصة في ليله الذي يحلو السكون فيه ويخلو من الضجيج وتحس ان العالم ملكك، اشعر انني استطيع ان احرك الكواكب والنجوم كما اريد واحلق في الفضاء، لانه عالم طاهر وشريف، وتحلو فيه اتلقراءة والكتابة، واضاف: اما في الصيف، حيث حرارة الجو وانقطاع الكهرباء، فلا يمكن اللجوء الى شيء، اينما تكون فالحراترة تلاجقك، وطول النهار يولد الخمول والكسل، وتكون الابداعات قليلة فيه ومحدودة، انا اعتبر الشتاء اعز حبيب ويكاد يكون لي الاب والام والاخ والحبيب لانني استمتع فيه بالقراءة جدا.
وانا الملم اوراق الموضوع.. نظرت الى اجواء الشتاء، وتخيلت الصيف، لاسيما في العراق حيث (لاصيفنا صيف ولا شتاؤنا شتاء)، لكنما حرارة القراءة في الشتاء تبعث الدفء، ولا يمكنها في الصيف ان تبعث البرد!!.