عواد علي:تحتل مدينة القدس منزلة كبيرة في الوجدان العربي، لم تحتلها مدينة من قبل، بوصفها روح فلسطين وقلبها، ورمزاً قومياً ودينياً وإنسانياً، ولذا لا غرابة في أن أصبحت علامة كبرى، واستعارةً اجتهد المؤرخون والشعراء والفنانون في تسميتها أو وصفها بنحو مائة اسم وصفة، يحمل كل منها مدلولاً يشكّل، بالمفهوم السيميائي، علامةً أيضاً، تحيل على مدلولات لا حصر لها. وقد وقف أحد الباحثين على هذا التعدد الدلالي لاسم المدينة في الشعر العربي، قديمه وحديثه، فوجد أن اسم quot;القدسquot; حظي بالنصيب الأكبر، يليه اسم quot;المسجد الأقصىquot;، ثم quot;أور سالمquot;، فـ quot;المسرىquot;، فـ quot;مهد عيسىquot;. أما في المدونات التاريخية، التي وجدت في أنحاء كثيرة من العالم، فقد أطلق عليها نحو 50 اسماً، منها الكنعاني والفارسي واليوناني والروماني والبيزنطي والعربي المسيحي والإسلامي، مثل: quot;أور سالم، يبوس، يابيثي، إيليا كابيتولينا، ايفن، مدينة الأنهار، مدينة الوديان، أور سالم، نور السلام، نور الغسق، يارة، كيلة، إريانة، أنتوخيا، بيت المقدس، دار السلام، الأرض المباركة، الساهرة، الزيتون، المسرى... إلخquot;.
تفاوت تناول القدس في الأدب العربي تفاوتاً شديداً من جنس إبداعي لآخر، فبينما كتب الشعراء المعاصرون مئات القصائد عنها،rlm; نجد نقصاً فادحاً في تناول الأجناس الأبداعية الأخرى لها كالرواية والقصة والسينما والتلفزيون والمسرح، فلا تكاد تُذكر للروائيين العرب أعمال تدور في مدينة القدسrlm; سوى عملين أو ثلاثة، في حين كتب روائيون إسرائيليون نحو 50 رواية تشكل المدينة مسرحاً لأحداثها، بصرف النظر عن مستواها الفني. وفي السينما العربية لا يُذكر إلا فيلم quot;الناصر صلاح الدينquot; ليوسف شاهين، وquot;باب الشمسquot; ليسري نصرالله، وquot;القدس في يوم آخرquot;، وquot;زواج رناquot; لهاني أبو أسعد، وquot;تذكرة إلى القدسquot; لرشيد مشهراوي، وquot;آخر الصورquot; لأكرم صفدي، مقابل نحو 127 فيلماً من إنتاج شركات أوروبية وأمريكية وإسرائيلية، أغلبها يدافع عن القدس باعتبارها مدينة يهودية، أو يتخذ القدس فضاءً لأحداث ليس لها علاقة بالقضية الفلسطينية أو الاحتلال الإسرائيلي. وفي مجال الدراما التلفزيونية لم ينتج العرب أكثر من بضع مسلسلات عن القدس، منها: المسلسل الأردني quot;فندق باب العمودquot;، تأليف أمين شنار، وإخراج عدنان الرمحي في العام 1968، ومسلسلين كلاهما بعنوان quot;القدسquot;، الأول للمخرج الأردني أحمد دعيبس، والثاني للسوري باسل الخطيب، وهو مازال قيد التصوير، وquot;سفر الحجارةquot; للمخرج السوري يوسف رزق، rlm;وهو أيضاً لم يتم إنتاجه بعد. وإذا نظرنا إلى المسرح فلا نجده أفضل حالاً من الرواية، رغم أنه كان رائداً في تناول قضية القدس، ففي العام 1921 قدمت في مدرسة الخضرية ببغداد اول مسرحية عن فلسطين بعنوان quot;صلاح الدين الأيوبي وفتح القدسquot;، أخرجها السياسي العراقي أرشد العمري (أمين العاصمة آنذاك)، الذي أصبح رئيس للوزراء. وفي منتصف الستينيات كتب الأديب اليمني على أحمد باكثير عملاً ملحمياً طويلاً بعنوان quot;ملحمة عمرquot; يتألف من تسعة عشر جزءاً، ويقع في 1000 صفحة، ويضم 100 شخصية رئيسة، وتحتل القدس فيه مكانة كبيرة، فهي بيت القصيد كما يقول باكثير. وثمة النص المسرحي شديد الأهمية الذي كتبه محمود دياب بعنوان quot;باب الفتوحquot; في العام 1974، وجرى إخراجه في أغلب الدول العربية، وكذلك العرض المصري quot;لن تسقط القدسquot; تأليف شريف الشوباشي وإخراج فهمي الخولي، وبطولة نور الشريف في العام 2002، وقد قُدم في الأردن واليمن والخليج إضافةً إلى مصر.
اليوم تتصدر مدينة القدس واجهة المشهد الثقافي العربي لمناسبة اختيارها عاصمةً للثقافة العربية لعام rlm;2009، فتقام أكثر من فعالية أدبية وفنية واحتفالية في العالم العربي استحضاراً لها في الذاكرة العربية، و مواجهةً لتهويدها على يد الاحتلال الإسرائيلي، والتأكيد على حق استعادتها لتكون عاصمةً للدولة الفلسطينية المستقلة. في مجال المسرح افتتحت في عمّان احتفالية الأردن بهذه المناسبة بعرض مسرحية quot;بلا عنوانquot;، تأليف مفلح العدوان، إخراج مجد القصص، وإنتاج فرقة المسرح الحديث.
يقوم العرض على ثلاث ركائز فنية- جمالية، درجت المخرجة على استخدامها في تجاربها المسرحية السابقة، هي:
1-الأداء الجسدي الحركي والكيروغرافي (الرقص التعبيري) للممثلين، الذي تميل إلى تسميته بـ quot;فيزيائية الجسدquot;، وهو أداء ينزع إلى المشهدية أو مسرح الصورة، ويمزج بين الحركات التجريدية ذات المنحى الرمزي، والحركات اليومية المستمدة من التراث الشعبي، وإلى حدما الرقص الباليهي والرقص الحديث.
2-توزع بنية العرض على لوحات مستقلة لا تجمعها حبكة درامية، ولا تتنامى على وفق منطق سببي، كما في العروض التقليدية، بل ينتظمها رابط جمالي ودلالي، وتسير في خط تراكمي، ويتداخل بعضها ببعض بانسيابية تحول دون تفكك جسد العرض وانفراط جغرافيته إلى جزر عائمة.
3-تصدر الغناء الحي الأوبرالي والشعبي، وتناغمه مع ألوان من الغناء والموسيقى والمؤثرات الصوتية المسجلة التي يبدع في تلحينها وإعدادها الموسيقي الموهوب وليد الهشيم. وغالباً ما تؤدي أشكال الغناء والموسيقى هذه وظيفةً دلاليةً تأويليةً، في حين تنزع إلى الروح التغريبية والغروتسكية (التشويهية التهكمية) في بعض اللوحات لحمل المتلقي على السخرية من موقف ما أو استنكاره.
يحاول العرض، في إطار فكرته العامة، الرد على مقولة لرئيس بلدية القدس الأسبق الصهيوني quot;تيدي كوليكquot; مفادها أن الفلسطينيين quot;لن يبقى لهم مع بداية القرن الحادي والعشرين ما يفاوضون عليه في القدس غير 7%quot;، من خلال التأكيد على أن القدس كانت وستبقى عربيةً.
وتجسد هذا الهدف حكاية أم مقعدة، تكاد لا تقوى على تحريك كرسي العجلات المحطم، تروي لرجل ضرير (يؤدي دوره المطرب رامي شفيق)، هو الشاهد والشهيد، قصتها مع أبنائها السبعة: منهم من أرغم على الإبعاد، ومنهم من استشهد، ومنهم من صمد وقاوم، ومنهم من خان. ويقدم العرض شخصيتين نسائيتين تمثل كل منهما المدينة المحتلة: الاولى (تؤديها ريما نصر) تمثل الجهة الشرقية من القدس والمسلمين والحاضر القدسي، والثانية (تؤديها الأوبرالية نادين نشوان) الجهة الغربية من االقدس ونضال المسيحيين مع المسلمين والتاريخ القدسي منذ الكنعانيين حتى الآن. وتجسد السينوغرافيا المتحركة (تصميم مجد القصص) سبعة أبواب للقدس (تتحول إلى جدران تارةً وإلى سجون تارةً أخرى من خلال توظيف سيميائي متقن)، يقابلها العدد نفسه للأبناء الذين استشهد واحد منهم وبقي الستة (يؤدي أدوارهم: موسى السطري، بلال زيتون، نبيل سمهوري، احمد الصالحي، أحمد الصمادي، ومحمد عوض) الذين يجسدون على المسرح شخصيات بأزياء مختلفة: محتلين، خطباء عرب وأصحاب شعارات، وفلسطينيين من أبناء القدس، في سياق تحول دلالات لوحات العرض من زمن الاحتلال الأول، حيث يجري فيه اغتصاب رمزي للشخصيتين النسائيتين، إلى زمن الشعارات الجوفاء والعجز العربي في مواجهة النكسة، إلى الحاضر الذي تدعو فيه القدس أبناءها المخلصين إلى التمسك بخيار الصمود والتحدي والمقاومة لتحريرها من قبضة االمغتصبين الذين دنسوها.
إن عرض quot;بلا عنوانquot; بقدر ما هو تجربة مسرحية مصاغة بحس فني رفيع ومقاربة درامية غير تقليدية، يُعدّ صرخة من فم شريحة عربية مثقفة للفت أنظار أمتها، زعماءً وشعوباً، إلى عدم التهاون في استعادة القدس المحتلة قبل فوات الآوان. والأمل معقود على الجهات الداعمة للعرض نقله إلى أكثر من فضاء عربي تناغماً مع احتفال العرب بالقدس عاصمة لثقافتهم هذا العام، لعلّها تكون حافزاً للمبدعين العرب لسد النقص المعيب المتمثل بشحة الأعمال التي تتناول قضية القدس.
تفاوت تناول القدس في الأدب العربي تفاوتاً شديداً من جنس إبداعي لآخر، فبينما كتب الشعراء المعاصرون مئات القصائد عنها،rlm; نجد نقصاً فادحاً في تناول الأجناس الأبداعية الأخرى لها كالرواية والقصة والسينما والتلفزيون والمسرح، فلا تكاد تُذكر للروائيين العرب أعمال تدور في مدينة القدسrlm; سوى عملين أو ثلاثة، في حين كتب روائيون إسرائيليون نحو 50 رواية تشكل المدينة مسرحاً لأحداثها، بصرف النظر عن مستواها الفني. وفي السينما العربية لا يُذكر إلا فيلم quot;الناصر صلاح الدينquot; ليوسف شاهين، وquot;باب الشمسquot; ليسري نصرالله، وquot;القدس في يوم آخرquot;، وquot;زواج رناquot; لهاني أبو أسعد، وquot;تذكرة إلى القدسquot; لرشيد مشهراوي، وquot;آخر الصورquot; لأكرم صفدي، مقابل نحو 127 فيلماً من إنتاج شركات أوروبية وأمريكية وإسرائيلية، أغلبها يدافع عن القدس باعتبارها مدينة يهودية، أو يتخذ القدس فضاءً لأحداث ليس لها علاقة بالقضية الفلسطينية أو الاحتلال الإسرائيلي. وفي مجال الدراما التلفزيونية لم ينتج العرب أكثر من بضع مسلسلات عن القدس، منها: المسلسل الأردني quot;فندق باب العمودquot;، تأليف أمين شنار، وإخراج عدنان الرمحي في العام 1968، ومسلسلين كلاهما بعنوان quot;القدسquot;، الأول للمخرج الأردني أحمد دعيبس، والثاني للسوري باسل الخطيب، وهو مازال قيد التصوير، وquot;سفر الحجارةquot; للمخرج السوري يوسف رزق، rlm;وهو أيضاً لم يتم إنتاجه بعد. وإذا نظرنا إلى المسرح فلا نجده أفضل حالاً من الرواية، رغم أنه كان رائداً في تناول قضية القدس، ففي العام 1921 قدمت في مدرسة الخضرية ببغداد اول مسرحية عن فلسطين بعنوان quot;صلاح الدين الأيوبي وفتح القدسquot;، أخرجها السياسي العراقي أرشد العمري (أمين العاصمة آنذاك)، الذي أصبح رئيس للوزراء. وفي منتصف الستينيات كتب الأديب اليمني على أحمد باكثير عملاً ملحمياً طويلاً بعنوان quot;ملحمة عمرquot; يتألف من تسعة عشر جزءاً، ويقع في 1000 صفحة، ويضم 100 شخصية رئيسة، وتحتل القدس فيه مكانة كبيرة، فهي بيت القصيد كما يقول باكثير. وثمة النص المسرحي شديد الأهمية الذي كتبه محمود دياب بعنوان quot;باب الفتوحquot; في العام 1974، وجرى إخراجه في أغلب الدول العربية، وكذلك العرض المصري quot;لن تسقط القدسquot; تأليف شريف الشوباشي وإخراج فهمي الخولي، وبطولة نور الشريف في العام 2002، وقد قُدم في الأردن واليمن والخليج إضافةً إلى مصر.
اليوم تتصدر مدينة القدس واجهة المشهد الثقافي العربي لمناسبة اختيارها عاصمةً للثقافة العربية لعام rlm;2009، فتقام أكثر من فعالية أدبية وفنية واحتفالية في العالم العربي استحضاراً لها في الذاكرة العربية، و مواجهةً لتهويدها على يد الاحتلال الإسرائيلي، والتأكيد على حق استعادتها لتكون عاصمةً للدولة الفلسطينية المستقلة. في مجال المسرح افتتحت في عمّان احتفالية الأردن بهذه المناسبة بعرض مسرحية quot;بلا عنوانquot;، تأليف مفلح العدوان، إخراج مجد القصص، وإنتاج فرقة المسرح الحديث.
يقوم العرض على ثلاث ركائز فنية- جمالية، درجت المخرجة على استخدامها في تجاربها المسرحية السابقة، هي:
1-الأداء الجسدي الحركي والكيروغرافي (الرقص التعبيري) للممثلين، الذي تميل إلى تسميته بـ quot;فيزيائية الجسدquot;، وهو أداء ينزع إلى المشهدية أو مسرح الصورة، ويمزج بين الحركات التجريدية ذات المنحى الرمزي، والحركات اليومية المستمدة من التراث الشعبي، وإلى حدما الرقص الباليهي والرقص الحديث.
2-توزع بنية العرض على لوحات مستقلة لا تجمعها حبكة درامية، ولا تتنامى على وفق منطق سببي، كما في العروض التقليدية، بل ينتظمها رابط جمالي ودلالي، وتسير في خط تراكمي، ويتداخل بعضها ببعض بانسيابية تحول دون تفكك جسد العرض وانفراط جغرافيته إلى جزر عائمة.
3-تصدر الغناء الحي الأوبرالي والشعبي، وتناغمه مع ألوان من الغناء والموسيقى والمؤثرات الصوتية المسجلة التي يبدع في تلحينها وإعدادها الموسيقي الموهوب وليد الهشيم. وغالباً ما تؤدي أشكال الغناء والموسيقى هذه وظيفةً دلاليةً تأويليةً، في حين تنزع إلى الروح التغريبية والغروتسكية (التشويهية التهكمية) في بعض اللوحات لحمل المتلقي على السخرية من موقف ما أو استنكاره.
يحاول العرض، في إطار فكرته العامة، الرد على مقولة لرئيس بلدية القدس الأسبق الصهيوني quot;تيدي كوليكquot; مفادها أن الفلسطينيين quot;لن يبقى لهم مع بداية القرن الحادي والعشرين ما يفاوضون عليه في القدس غير 7%quot;، من خلال التأكيد على أن القدس كانت وستبقى عربيةً.
وتجسد هذا الهدف حكاية أم مقعدة، تكاد لا تقوى على تحريك كرسي العجلات المحطم، تروي لرجل ضرير (يؤدي دوره المطرب رامي شفيق)، هو الشاهد والشهيد، قصتها مع أبنائها السبعة: منهم من أرغم على الإبعاد، ومنهم من استشهد، ومنهم من صمد وقاوم، ومنهم من خان. ويقدم العرض شخصيتين نسائيتين تمثل كل منهما المدينة المحتلة: الاولى (تؤديها ريما نصر) تمثل الجهة الشرقية من القدس والمسلمين والحاضر القدسي، والثانية (تؤديها الأوبرالية نادين نشوان) الجهة الغربية من االقدس ونضال المسيحيين مع المسلمين والتاريخ القدسي منذ الكنعانيين حتى الآن. وتجسد السينوغرافيا المتحركة (تصميم مجد القصص) سبعة أبواب للقدس (تتحول إلى جدران تارةً وإلى سجون تارةً أخرى من خلال توظيف سيميائي متقن)، يقابلها العدد نفسه للأبناء الذين استشهد واحد منهم وبقي الستة (يؤدي أدوارهم: موسى السطري، بلال زيتون، نبيل سمهوري، احمد الصالحي، أحمد الصمادي، ومحمد عوض) الذين يجسدون على المسرح شخصيات بأزياء مختلفة: محتلين، خطباء عرب وأصحاب شعارات، وفلسطينيين من أبناء القدس، في سياق تحول دلالات لوحات العرض من زمن الاحتلال الأول، حيث يجري فيه اغتصاب رمزي للشخصيتين النسائيتين، إلى زمن الشعارات الجوفاء والعجز العربي في مواجهة النكسة، إلى الحاضر الذي تدعو فيه القدس أبناءها المخلصين إلى التمسك بخيار الصمود والتحدي والمقاومة لتحريرها من قبضة االمغتصبين الذين دنسوها.
إن عرض quot;بلا عنوانquot; بقدر ما هو تجربة مسرحية مصاغة بحس فني رفيع ومقاربة درامية غير تقليدية، يُعدّ صرخة من فم شريحة عربية مثقفة للفت أنظار أمتها، زعماءً وشعوباً، إلى عدم التهاون في استعادة القدس المحتلة قبل فوات الآوان. والأمل معقود على الجهات الداعمة للعرض نقله إلى أكثر من فضاء عربي تناغماً مع احتفال العرب بالقدس عاصمة لثقافتهم هذا العام، لعلّها تكون حافزاً للمبدعين العرب لسد النقص المعيب المتمثل بشحة الأعمال التي تتناول قضية القدس.
التعليقات