من وحي مالك حداد ومهداة إلى ليلى
الأربعينية التي تعلك بين فكيّ العمر قصة الميتات الصغيرة، تدرك معنى الوقوف متأخرا على جسر متحرك يعلو هاوية تحضن تمساحا يتربص هادئا بفرحة تهرم وروحِ تبغي أن تنسلّ، تلمز الوقت أن ينتظر الريح القادمة تدفع كل شيء باتجاه الطرف الآخر.
هل للجسر حقا طرفان ومتى ستدفع الريح أشياءها خارج الجسر المعلق بين العبورات؟
الأربعينية التي تزدري دعوات المتسول العجوز يرفع يديه إلى السماء في وجهها : اللهم ارزقها بابن الحلال!
تلوك نغمات أغنية امرأة لا تشبهها في أشياء كثيرة وقد تشبهها في الموت ذاته حين تصيح حتى ذؤابة الفقد:
Rien nrsquo;est vraiment fini!
مادام للماء ذاكرة، لا شيء منته حقا..
حقا..هل للماء ذاكرة ؟
لاشيء ينتهي. بألفة المتغيرات نُكــَوّن أنفسنا من جديد..قال مالك حداد العظيم!
لكن كل شيء ليس عظيما عظمة مالك حداد..وكل شيء انتهى بحالته التي لا ترغب. تحني الهامة و تعلق التنهيدة على جملة قالها كاتب يعجن الكلمات ومضى إلى نهاية ما والحياة تمضي غير مبالية بتوقف اندلاق سحر كلماته..الذين يرحلون منتهون وليس للحب وجه سوى في عيون الذكرى
للذكرى عيون تبصر،آآآه ماذا عن بصيرة الناس الناسية ؟
الأربعينية التي يمضي جدولها متأبطا جديلة حياتها، عبر أدغال ومنحدرات و جبال ثلجية وصوت صدى الوحدة حين تعلق الأشواك بجديلة سائبة.
تصيخ السمع لحفيف أوراق الأيام تسّاقط تباعا وتسأل: هل مضى الثلثان، أم الربعان؟
كم تمقت الكسور غير القابلة للاختزال، ولا تفهم لمَ على البسط أن يبقى بسطا وعلى المقام أن يظل كذلك وضرورة عملية التوحيد الجبرية لإحداث الفوضى وتماهي الأشياء..
هل ترغب الكسور أن تتلاشى في التوحيد؟
الأربعينية تحترق فراشاتها التي لا تملك أن تعيش سوى للحظة..ثانية وثانية تساوي ألف سنة من الذكريات..
خيبة وخيبة تساوي سدّا منيعا في وجه فرحٍ وامضِ لن يُعمّر أكثر من فراشة.
واجب على يديك أن تُخرّبا الفرح..حين تكون أربعينية ويزدريك السّراب لمرات..
الفرح يحتج..الخوف يرفع رايته عاليا و الموت فتيلة تأبى أن تشتعل لتضيء سماء الأربعينية التي فارقتها النجوم، عقدا بعد عقد..
تومض النجوم لتموت..
والسراب يزدري المتلهف لفكرة جديدة..لكن الفكرة مجرمة.
لا تولد الفكرة إلا من رحم فكرة ولا تعيش الفكرة إلا على أنقاض فكرة..
تلك التي تخطت أربعين موسما للنرجس، و عزاءا ينتظر ميتا أن يقبر، تعلم أن الموتى يتوافدون على شاطئ الذكرى كل مدّ. يحملون أكفانهم وينتظرون أشباحهم الضائعة..
لكن الأشباح لا تعود..ولا شيء غير الحزن يعود.
و الأربعينية لا تعرف كيف تدفن موتاها بين المواسم، ولا تريد أن تكون حرّة حتى لا ترتكب حماقة الخيانات..رغم أن الخيانة هي لحظة الصدق الوحيدة.
ما أثقل النظرة و ما أخف الفكرة تسابق الريح و ترسم حدود السراب، حين تُعبئ الأربعينية آتيها بالحذر.
وحين تقف طفلتها على جسر لا يثبت، وتدرك لأول مرة منذ كانت، أن على الصغار أن يفهموا قوانين اللعبة تبدل أرقامها بين طرف جسر و الطرف الآخر..وان البند رقم واحد يشترط انتحار الأطفال لتستمر اللعبة بذات الغباء الذي سنه الكبار منذ الأزل.
الأربعينية التي مازالت تفتش عن رسالة سقطت من جيب رجل لم يخلق بعد، كتبها قبل مولدها، تحمل اسمها وعليها كلمات لا تتكلم، لكنها الوحيدة التي ستستنزف ما تبقى من quot;لـــوquot; في فكّ الحروف على الجبين، رسم طيور و غيمات وسماوات و...دمعِ مكابر جارحِ لن يبصره ثقبُ جيبِ عابرٍ لم يـُرتـَق إذ تدحرجت ضلعة منه، لم تكن تحمل غير التوقيت الغلط..
الأربعينية المُسالمة الساذجة، ( البشعة ككل الناس أحيانا)، تخاف ذاكرتها أُسقطت كلّ أشيائها قسرا، تعانق ظلها البارد، تستند على جدار المكتوب، تتلمس يسار الصدر، وشما في الروح ووشما في الجسد يتلوى، يعتصر دمه.. يذبل.
الأربعينية تعري وجه الماضي، تتكشف لها عورة الحقيقة، تعلق يافطات على محطات لم تعد تذكرها، للمحطات ذاكرة متعبة مثلها، تُعلّــم الأغنيات الهاربة ووحده صوت سيلين ينساب كريح الشمال في عذوبة الموت:
Irsquo;m alive..