بيروت من جورج جحا: مجموعة (شغف) القصصية للكاتبة الكويتية هبة بو خمسين تتميز في صورة عامة بالغوص العمودي في لحظات مفردة او منفصلة اجمالا دون اهتمام كاف بنقيض ذلك او ما قد يصح وصفه بتعبير quot;الانتشار القصصي الافقي.quot; وهذا الغوص العمودي في quot;اللحظاتquot; المفردة او حتى المنعزلة في بعض الحالات والتركيز عليها يأتي جميلا احيانا في دخوله الى عالم الانسان او عالم نفس هذا الانسان وحيث لا تتوفر له في احيان اخرى مادة انسانية اكثر اتساعا وشمولا. تعوضنا هبة بو خمسين عن هذا quot;النقصquot; بكتابة تأتي متوترة حادة و بنبض شعري مما يحعل الامر في الغالب قراءة ممتعة وان استفزت في بعض القصص انتباه القارىء بما يبدو من غموض ربما تراءى له انه غير مقصود. جاءت المجموعة في نحو 103 صفحات متوسطة القطع وبلوحة غلاف اسمها (الرغبة) للفنان التشكيلي الكويتي محمد الايوبي وصدر الكتاب عن ( المؤسسة العربية للدراسات والنشر.) الاهداء جاء معبرا وان بغموض اذ قالت فيه الكاتبة quot;الى حلم .. سأقتفي شغفي ..دوما.quot;
معظم قصص المجموعة او كلها جاءت مخلصة لهذا الشعار. وقد يكون الشغف هو سبب رئيسي من اسباب الغوص العمودي في لحظات في حد ذاتها تسعى من خلالها الكاتبة الى الغور في اعماق الحياة والاختلاط بنبضها دون اهتمام كبير غالبا بما quot;يجاورquot; هذه اللحظات من لحظات واحداث اخرى فذلك الجوار نادرا ما يثير اهتمام الكاتبة.
المجموعة القصصية وهي الرابعة لهبة بو خمسين منذ 2003 اشتملت على ما لا يقل عن 18 عنوانا بين قصص متفاوتة اي بين طويل الى حد ما وبين اقصر منه وهي الغالبية العظمى للقصص وبين بضعة اسطر وصولا الى ما يمكن وصفه بانه قصة السطرين او الثلاثة مثلا.
تحت عنوان quot;ان نحيا اللحظة ...quot; تقول هبة بوخمسين quot;ارهف السمع وانصت. اصواتهم في دوائر متداخلة تكبر وتعلو احيانا على اناك - التي سريعا ما تقمع الرغبة في داخلك للامتداد وصولا اليهم... ليس سهلا انعكاس الحقيقة من جميع جوانبها. هل نحن حقا قادرون على استيعاب انفضاحها بكل زواياها وتداول واقعها من جميع المتورطين فيها...quot; من السذاجة اقتناء منظار طلبا لرؤية اوضح. فلنبعد قليلا نجلس على مقعد المحايد ونراقب الكل... ربما من الافضل ان نحيا اقدارنا.. لحظة بلحظة. لا تفكروا كثيرا. والا ستصابون بالجنون فقط انصتوا.quot;
القصة الاولى quot;عزةquot; تبدو اقرب الى نقل تجربة بل الى تصوير خيبة عادية وان شفع بها التوتر والنبض غير التقليديين. المحتوى اذن تحقيق لقول الجاحظ قديما ان المعاني ملقاة على قارعة الطريق. التوتر والنبض قدّما دما جعل القصة تكمل سيرها. اما النهاية فتاتي بعد لحظات لذة او مايشكل مجموعه ساعات من لذة مسروقة. اما النهاية ففاترة لتكرار ما يشبهها في الحياة من احداث. لقد quot;اختفىquot; الرجل بعد ساعات اللذة.
في قصة (لم يعد مضحكا) شعرية حية في غموض يكاد يضيع المقصود على القارىء ويجعله يمعن في تصوراته عما يقوله النص. مرور العمر والزمن و الخيبات والفرص والتجارب والعائلة والاولاد والاب.
تكمن قصة تتكرر في تشابه في حياة الناس. نقرأها محصورة بين البداية وبين النهاية كحياة بطلتها. تبدأ البطلة بالقول quot;كنت في مواجهتها هذا الصباح. تلك الغريبة المشوهة. صارعت العشاوة المرهقة المفزعة في عيني...quot;
اما النهاية فهي quot;كيف كون حبال الوصال والمحبة ذاتها مطوقة خانقة كنت اصارع لاستعادة القديم من البهجة... اعيد البحث عني في مراتي امعن النظر اهبط و اعاود التحديق وكانت ذات الغربة المشوهة ترمي ساخرة ..- ايتها الاربعينية استفيقي فما عاد ذاك مضحكا.quot;
قصة quot;شغفquot; تختصر الكثير من quot;وجوه الحياةquot; في القصص. هناك بحث عما يشبه ذلك quot;النسغquot; المفقود الذي غار في الايام. تقول quot;...كان ملء انفاسه عاطفة وارتعاشي يضاعف ارتباكي معه... يداي تطوقانه بروتينية خالصة تحرر مني والقى نظرة هادئة في عينيّ .. ما الشيء الذي لم اقدمه..quot;
ورغم كل اخلاصه وصدقه وحبه والايام الماضية اجابته بالقول quot;انه الشغف... ما ينقصني.quot;/
نقرأ في الختام quot;صمتّ وانصتّ لصمته. ومع انتظام هدوء القلب قال .. في يوم ما سيزول الجنون يتلاشى الشغف يجف ماء اللذة/الوهم وتبقى لهفة المودة الحية تبقى المحبة الحقيقية الاعمق ورضا المعاشرة الوفيّة.quot; تتابع فتقول quot;هل ابتسمت .. كان يكفيني ايمانه بي في تلك اللحظة لاستمرّ عمرا لكني عاودت الهمس.. ..انه الشغف...quot;